الخطيب للمسؤولين: خلصونا من هذه اللعبة القذرة وأخرجوا الحكومة الى عالم الوجود

أحيا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى مراسم عاشوراء في مقره، برعاية رئيسه الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان. والقى نائبه الشيخ علي الخطيب كلمة في الليلة السابعة، قال فيها: “الاخلاق من الامور المهمة والمتصلة بالحياة العملية والسلوك الإنساني والذي تؤدي الى توثيق العلاقات الانسانية وتطويرها في كل المجالات، وليس هناك من دين من الاديان السماوية او دعوة من دعوات الإصلاح الاجتماعي الا وكانت تؤكد اهمية الاخلاق وضرورتها لأي فرد من الافراد أو مجتمع من المجتمعات، وتبدو قيمة التخلق بالقيم الاخلاقية وأثرها في الحياة جلية وواضحة في الازمات التي تمر بها المجتمعات، وكيف تستطيع أن تتجاوزها بتأثير من هذه القيم التي تختزنها، حتى قرن وجود الامم بوجودها، عبر عن ذلك الشاعر: وإنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا. وهذا أمر طبيعي لأن الحياة هي فعل إنساني تشاركي وتفاعلي بين الافراد والجماعات، تستدعي التعاون في ما بينها بما يؤدي الى تحقيق المصالح التي تعم الجميع، وينعم بها كل افراد المجتمع، وهو ما يسميه الاسلام بالتعاون على البر والتقوى، بما يؤدي الى تحقيق المصالح ولمنع ما يفسد هذه المصالح ويحققها”.

 

وتابع: “إن كل عمل يؤدي الى الاخلال بمصالح المجتمع إثم وعدوان ينهى الله عنه وينبه الى وجوب مجابهته ودفعه، ولم يكتف القران الكريم بالإشارة العامة الى هذه القيم وحسن الاتصاف بها، وإنما تعرض لبعضها بالاسم وأكد على اهمية التخلق بها من الناس ولو كان من غير أهل الإسلام، كما فعل رسول الله في اكرامه لابنة حاتم الطائي لمجرد أن ابيها كان يقضي الحوائج ويكرم الضيف، وهذا فعل كرم من رسول الله حينما يعلي من شأن من له صفات كريمة وأخلاق عالية، والكرم هو احدى هذه الصفات التي تحكم الصلة بين الناس وتجعل من المجتمع كتلة صلبة لا يمكن كسرها او اختراقها من اي عدو يريد بها سوءا، ومن هذه الصفات صفة الايثار التي تظهر اهميتها اكثر عندما تبتلى المجتمعات بالأزمات وتكثر الحاجة ويعم الفقر، وقد امتدح الله اصحاب هذه الصفة. ويوجه الناس الى أمرين: أولا: الى الآثار الاجتماعية والانسانية المهمة لهذه الصفة.

ثانيا: الى رفعة وعظمة المتصف بها، وانه جدير بالاتباع ونموذج يحتذى به، ويظهر هذا اهتمام من الله ومدحه للمؤثرين على أنفسهم، أنهم لم يسبقهم الى ذلك سابق، هؤلاء الذين امتدحهم الله وقصة نزول هذه الآية معروفة، فلقد نزلت في اهل البيت حينما اثروا المسكين واليتيم والاسير في ثلاث ليالي متوالية على انفسهم بالإفطار ولم يبق لهم من الطعام ما يسدون به رمقهم وربما تشير الآية ايضا الى الأولويات في ترتيب اصناف المحتاجين ومن يجب الاهتمام بهم، وهذه الصفة تمثل اعلى قيم الاخلاق في مقابل البخل والاستئثار وحب الذات. لقد مثلت عاشوراء وما قدمه الامام الحسين من نفسه وابنائه واخيه واهل بيته اعظم ايثار في التاريخ لم يسبقه اليه احد ولن يأتي بمثله احد في حادثة ليس لها مثيل لا في الماضي ولا الحاضر ولا القادم من الأيام، فقد آثر سلامة الدين على ان يبقى حيا ويسلم مع عياله وأهل بيته ويبقى معهم آمنا ولا يعرض نفسه ويعرضهم للقتل والاسر وهم مع قلة العدد وقلة الناصر في أرض غربه وفي أجواء أشاع فيها العدو أجواء الخوف والإرهاب، عل ذلك يؤدي الى استسلامهم من دون مواجهة، الذي كان أمرا طبيعيا في ظل الشروط الموضوعية لأي مواجهة تقتضيها طبيعة موازيين القوى غير المتكافئة، ولكن ذلك لم يحصل لأن المشروع كان ايثارا للدين وسلامته، وقد كان الحسين عازما على القيام بذلك وهو مدرك للطبيعة الاجرامية للحكم الاموي وافتقاده للصفات الإنسانية، وانه لن يتقيد بما تقتضيه الاعراف المعمول بها في الحروب، وسيعمل كل ما وسعه للانتقام ممن يعتبره الغريم الذي وتره ولم يكن ذلك امرا خفيا، فالمعركة مع الحسين لم تكن بالنسبة له معركة سياسية وإنما هي معركة ثأر شخصي وقد صرح بهذا حتى أنشد به شعره المعروف قائلا:

لست من خندف إن لم انتقم من بني احمد ما كان فعل

 

وتابع: “هذا الحقد الذي ورثه عن أبيه الذي كان يؤذيه ان كل من عدا محمد سيموت ويمحي ذكره أما محمد فذكره باق ومخلد يصدح به المؤذن خمس مرات في اليوم. هذه هي الخلفية التي كانت الدافع الى الحقد والانتقام، عداك عما أصاب آباءه في معارك بدر وحنين من القتل والشعور بالهزيمة والانكسار أمام محمد وعلي وبني هاشم من وجهة نظره القاصرة، ولكن الحسين كان كأبيه وجده يقود معركة الايمان في مواجهة الكفر والشرك لمن اظهر الاسلام كرها خوف القتل من الطلقاء وأبناء الطلقاء ممن ابطن الكفر ولذلك فهي ثورة من أجل الاسلام الذي كاد بنو امية أن يجهزوا عليه ومن ارجع المواجهة مع بني امية الى خلاف قبلي حول السلطة والنفوذ اراد الانتصار لوجهة نظر الامويين حتى يساوي بين الحسين ويزيد وبين محمد وبين أبي سفيان ومحمد وبين علي ومعاوية بل الى القول بأن الاسلام كان مجرد وسيلة تذرع بها محمد للانتصار على بني اميه، وهي مقولة ابي سفيان (فوالذي يحلف به ابو سفيان لا جنة ولا نار) ويتنكر لكل القيم الإلهية الأخلاقية والإنسانية ويعطيها بعدا أرضيا وبعدا مصلحيا ليلتقي بذلك مع الدعوات الالحادية والمادية التي تتنكر للحقائق الدينية والمعنوية”.

 

وقال: “اذا بينما كان الايثار لمصلحة الدين هو الباعث لهذه الملحمة الحسينية كان الحقد وارادة الانتقام والثأر والتسلط على رقاب المسلمين هو المحرك للطغمة الأموية في هذه المواجهة فبينما كان الحسين يعطي من دمه وأبنائه وأقربائه كانت الطغمة الاموية تستأثر وتغتصب وتعتدي وتمارس الارهاب والقتل وسفك الدماء فهل يمكن المقايسة بين هذين النهجين بين نهج متوحش لا يستند الى اي مبدا انساني او اخلاقي لا في الفعل ولا في الغاية وبين نهج يمارس فعلا حضاريا يقدم نفسه واهله فداء للعقيدة والدين، فالفعل اعلى درجات التضحية والعطاء والغاية انبل الغايات، انتصار العقيدة والمبدأ، الحق والعدالة، شتان ما بينهما وهو واضح لكل ذي عينين ولكن التعصب يعمي عن رؤية الحق ويصد عن قول الحقيقة. لقد مثلت كربلاء مواجهة الحق والباطل في أظهر صورة لم يستطع الباطل فيها كما اراد ان يقلب المشهد وان يقلب الحق باطلا والباطل حقا او يجعل الامر ملتبسا على الاقل رغم كل المحاولات التي بذلها والامكانيات التي يملكها فالحقيقة كانت أكبر من أن يستطيع احد اخفاءها او تشويهها لأنها تمثلت بالحسين ع فلم يكن امره ومقامه وموقعه وما يمثله في الاسلام خافيا على احد فهو ابن رسول الله قائد هذه المسيرة وربانها الذي لا يملك احد شرعية القرار فيها من دونه الذي قال (حسين مني وانا من حسين أحب الله من أحب حسينا)، ولم يكن أحد من المسلمين يجهل هذه الحقيقة او يجهل امر يزيد وتهتكه وفسقه الذي قال فيه السيد جعفر الحلي يصفه شعرا. العاصر الخمر من لؤم بعنصره ومن خساسة طبع يعصر الودكا فأين الثريا من الثرى والاستيلاء على السلطة بالقوة والقهر وبالإغراء وشراء الضمائر لا يغير من هذه الحقيقة شيئا ولا يعطي الشرعية للمتوسل اليها بذلك والباطل لا ينقلب حقا كما ان الحق لا يصبح باطلا وان تبرع الاشرار ومن سخرهم بني امية لفلسفة ذلك وتبريره لإضفاء شرعية الاستيلاء على السلطة بالقهر والقوة”.

 

أضاف: “لقد كانت هذه الحقائق هي الذخيرة التي استند اليها الامام الحسين في ثورته المباركة وان سعى ليتحقق من مساندة اهل العراق وبخاصة أهل الكوفة ومدى جديتهم في الوقوف معه الذين أرسلوا له الآلاف من الكتب يستحثونه المجيء إليهم ويخبرونه عن الآلاف المؤلفة التي تنتظر قدومه إليهم. هو كان على دراية تامة بحقيقة الحال وما بلغه وضع الامة من الشعور بالخوف والانهيار وان هذه الدعوة بأنهم على استعداد لمواجهة النظام الاموي سرعان ما تتهاوى وتسقط عند اول تحد وقبل وقوع المواجهة اصلا وهو ما حصل فبمجرد سماع الكوفيين بدخول ابن زياد قصر الإمارة اصابهم الهلع وتخلوا عن بيعتهم لرسول الحسين وغدا يمشي في شوارع الكوفة لا يهتدي سبيلا ولا يجد من يدله على الطريق. اذا فالحسين لم يعتمد في ثورته على القوة المادية لأن اهدافه لم تكن اهدافا آنية ليحقق في بلوغها نصرا آنيا، وإنما على القوة المعنوية التي يمتلكها لأنه يبتغي نصرا معنويا لا تنحصر آثاره بزمان معين ليهتدي به الاحرار في كل زمان ولتبقى اعلام الحق والهدى ظاهرة لا يقوى على إخفائها المبطلون. لقد كانت كربلاء المعين دوما لكل صاحب قضية حق في سعيه الانتصار لها، يستمد منها القوة والعزيمة ويستلهم منها المعاني والدروس التي تمكنه من الصبر والتضحية لينتصر لقضيته المحقة، لقد كانت ثورة كربلاء بعطاءاتها المعنوية والحضارية أهم مصدر لنا في كل تاريخنا الذي مدنا بقوة البقاء رغم عظيم المحن التي واجهتنا في سعينا الدؤوب لبلوغ اهدافنا في حرية الاعتقاد الحق والتعبير عنه ودفع الظلم والعدوان بالغا ما بلغت التضحيات وشكلت الانتصارات التي تحققت في مواجهة العدو الاسرائيلي بتحرير ارضنا وارادتنا ذروة ملاحمنا التي كانت كربلاء فيها الملهم والهادي”.

 

وأضاف: “إن اهلنا الذين هم أهل هذه المقاومة وصانعو انتصاراتها الذين اعطوها خيرة ابنائهم انما دفعهم الى ذلك تخلي الدولة عن تحمل مسؤولية الدفاع عنهم وعن ارضهم وعن اقامة المشاريع الإنمائية وإشاعة الفقر في ربوعها، وجعلها ارضا مستباحة للعابثين ثم تمكين العدو من احتلالها لتضاف الى ما احتله من اراض عربيه، فالمقاومة كانت الوسيلة الوحيدة لتحرير الارض والوطن ولحفظ كرامة أبنائها، حتى اذا حررت الارض واثبتت المقاومة فاعليتها خرجت الاصوات تلبية لإرادة العدو مطالبة بتسليم السلاح من دون ان تتوفر البدائل والضمانات الواقعية القادرة على لجم العدو ومنعه من تحقيق تهديداته المتكررة ضد لبنان فهل سيسمح اهلنا بالعودة مرة اخرى الى ما قبل ال 82 واعطاء العدو الاسرائيلي الفرصة مرة اخرى لتحقيق ما عجز عنه في الماضي من الاحتلال لأرضنا واعادة تهجيرنا منها عن طريق زرع الفوضى في مناطقنا وتأليب أهل المقاومة وابنائها مع علم الجميع ان المشاريع التي اراد العدو تحقيقها من التهجير النهائي واقتلاعنا من ارضنا والقيام بتغيير ديمغرافي في الجنوب والبقاع الغربي وربما اخراجنا من لبنان كليا ستكون قابلة للتحقق لا سمح الله ان نحن تخاذلنا وخضعنا لهذه الضغوط، فليس لنا من سبيل الا الصبر ثم الصبر والعض على النواجذ والتعاون على البر والتقوى والاهتمام بأصحاب الحاجة والفاقة، ولا تفقدوا صبركم فتزل قدمكم وينتهي امركم والعياذ بالله الى الفشل والخسران”.

 

وتوجه الى المسؤولين: “حصل ما أردتم وتم رفع الدعم عن المحروقات وعن الدواء عمليا حيث نبحث عن الدواء فلا نجده لان البنك المركزي لا يفي بتعهداته بتوفير الاعتمادات اللازمة لذلك، وحتى ما تم دعمه وتوفرت له الاعتمادات نهبت واوقعتم المواطنين في حيص بيص وضيعتم الناس بهذه الدويخة وأوصلتم الامور الى ما أردتم، اذا خلصونا من هذه اللعبة القذرة طالما أنتم كما يبدو قدرا بحكم ارادة اهل الطوائف واخرجوا هذه الحكومة الى عالم الوجود. ومع تنويهنا بالإجراء الذي اتخذه المجلس الأعلى للدفاع بوضع الرقابة على مصادر الطاقة لمدة شهر، فإننا نؤكد ألا بديل عن تأليف الحكومة لتقوم بواجباتها الدستورية بتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي”.

 

وختم الخطيب: “نبدي كامل أسفنا للكارثة الوطنية الناتجة من انفجار عكار التي هي أحد ارتدادات الفراغ السياسي والفوضى التي تحكم البلاد. ونتوجه بالمواساة من قيادة الجيش اللبناني وأهالي الضحايا ونسأل الله تعالى الشفاء العاجل للجرحى”.

 

هذا، وتم احياء الليلة السابعة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ الدولي أنور مهدي، وتلا الشيح حسين نجدي مجلس عزاء حسيني، وموسى الغول زيارة الحسين، وقدم للحفل الشيخ علي الغول.

 

لمشاهدة الليلة السابعة من خلال صفحة المجلس على الفايسبوك:

 

Exit mobile version