كتبت “الأخبار” تقول: رفض الرئيس سعد الحريري الاستجابة لكل الدعوات التي وُجّهت إليه عبر وسطاء بالعودة عن قرار مقاطعة الانتخابات. وأكد لمتّصلين به أنه لن يزور لبنان قبل انتهاء الانتخابات، وأنه متمسّك بقراره عدم التفاعل مع الحدث لا ترشيحاً ولا اقتراعاً، ولن يتدخل في خيارات المناصرين، لكنه سيقيل كل منتمٍ إلى تيار المستقبل يخالف قراره بتجميد العمل السياسي حتى إشعار آخر.
وعلمت «الأخبار» أن الحملة الإعلامية الواسعة التي تشنّها وسائل إعلام سعودية ومقرّبون من الرياض ضد الحريري، تأتي بعد رفض الأخير تلبية «تمنٍّ» سعودي بأن يعود الى بيروت في الأيام القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات، وأن يقوم بجولة تشمل بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع وعكار لدعوة أنصاره الى المشاركة في الانتخابات.
وقالت المصادر إنه تبيّن للسعودية، في الأسابيع الثلاثة الماضية، أن لا قدرة فعلية على تحريك الشارع السني لدى الشخصيات الحليفة لها والتي تمردت على قرار الحريري. وتبلّغت الدوائر المعنية في الرياض أن السفير وليد البخاري غير قادر على تعديل ميزان القوى، وأنّ لقرار الحريري بالمقاطعة تأثيراً كبيراً على المناخات الشعبية. وترافق ذلك مع تزايد شكاوى كل من النائب السابق وليد جنبلاط وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وقوى تحسب نفسها على «المعارضة» مثل الكتائب وشخصيات مسيحية، من أن تراجع نسبة التصويت السنّي في عدة دوائر سيؤثر في نتائج الانتخابات.
وقد بادر السعوديون الى التواصل مع كل مَن للرياض تأثير عليه، بدءاً من مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان الذي يخشى على مساعدات مقررة لدار الفتوى والمؤسسات التابعة لها، الى جمعيات خيرية في بيروت والمناطق، ورجال أعمال لبنانيين يعملون في السعودية يحمل بعضهم الجنسية السعودية. وطُلب من هؤلاء الحث على المشاركة في الانتخابات وتوحيد الصف خلف حلفاء السعودية الذين يتمثّلون اليوم بالثلاثي: جنبلاط ــــ جعجع ــــ فؤاد السنيورة.
وفي هذا السياق، باشر السفير السعودي في بيروت إجراءات جديدة لعدم تشتّت الأصوات بين اللوائح، من خلال حصر عددها في عدد من المناطق. وأكدت مصادر لـ«الأخبار» أن «جلسة ستعقد قريباً جداً ستجمع البخاري والسنيورة ومندوباً عن القوات (على الأرجح الوزير السابق ملحم رياشي) والنائب وائل أبو فاعور، للبحث في سحب القوات لائحتها (بقاعنا أولاً) في دائرة البقاع الغربي وراشيا بناءً على طلب سعودي». وتصبّ هذه الخطوة في مصلحة لائحة الاشتراكي التي تضمّ أبو فاعور، وخصوصاً أن الأخير «يروّج بأن هناك محاولات من حزب الله لإسقاطه، وبأن هناك مؤامرة كبيرة عليه، وأن سقوطه هو سقوط للخط السعودي الذي صارَ واضحاً أن أبو فاعور هو وديعته لدى وليد جنبلاط». ولفتت المصادر إلى أن «هذه الخطوة قد تتبعها خطوات مماثلة في دوائر أخرى إذا وجد البخاري أن تأمين نجاح المرشحين الذين يدعمهم لن يتأمّن إلا من خلال تقليل عدد اللوائح».
وبالتوازي، تواصل الضغط الإعلامي السعودي على الحريري من أجل الدعوة الى المشاركة بكثافة في الاقتراع. وشنّت صحيفة «عكاظ» السعودية لليوم التالي هجوماً على رئيس تيار «المُستقبل» الذي «يعمل على تشتيت الأصوات السنيّة، والامتناع عن التصويت، ما يعني ذهاب المقاعد السنية لحلفاء حزب الله، العدو التاريخي ليس للسنّة فقط بل للبنانيين جميعاً الذين وثقوا في سعد ذات يوم»، وتوجّهت إلى الحريري بأن «فرصتك التاريخية حانت، وربما لا تستحقها، لكنها أتت على الرغم من أنك لم تقدّم الثمن التاريخي لها، ولذلك كله عليك أن تنحاز لوطنك أولاً ولطائفتك ثانياً التي حطّمتها باستسلامك لحزب الضاحية وزعماء الطوائف، قبل أن تسمع ذات يوم: ابكِ سعد… وطناً لم تحافظ عليه مثل الرجال». وبدَت الرسالة السعودية أشبَه بالتهديد، ردّاً على «عدم امتثال الحريري للأوامر غير المباشرة التي نُقِلت إليه بضرورة الدعوة إلى المشاركة في الاقتراع».
ولا تحتاج الرسالة إلى كثير عناء لتُقرأ بوضوح، ولتؤكّد مجدداً التدخل السعودي في الانتخابات بشكل مكشوف بالسياسة والمال، في محاولة لفرض وقائع جديدة تعطيها حصة كبيرة في لبنان تعويضاً عن خساراتها في المنطقة. فيما لا يجد تدخّل السفير السعودي في المشهد الانتخابي من «يردّه»، بل جرت «شرعنته» على لسان رأس السلطة التنفيذية نجيب ميقاتي بتصريح فاضِح رأى فيه أن «وجود السفير السعودي أساسي في الانتخابات»، علماً بأن ما يقوم به البخاري يتجاوز كل الخطوط الحمر. إذ لم يُسجّل لدبلوماسي عربي أو غربي هذا الحراك المكشوف الذي يصُبّ أولاً في مصلحة «القوات اللبنانية» التي تراهن على التدخل السعودي لتأمين كتلة من 3 أو 4 نواب سنّة في كتلتها.