Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

الراعي في عيد مار يوسف: إذا سمع المسؤولون صوت الله عبر كلامه لوجدوا الباب إلى الحل

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد مار يوسف على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي ” كابيلا القيامة”، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وانطوان عوكر، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور حشد من الفاعليات والمؤمنين إضافة الى قنصل لبنان في المانيا شربل نصار، وممثلين عن قادة الاجهزة الامنية.

بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “لما نهض يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب”، (متى 1: 24)، قال فيها: “لما حار يوسف أمام سر حبل مريم خطيبته، ولم يجد مكانه ودوره في هذا السر، وأمام الصمت الإلهي، فكر بتخلية مريم سرا، من دون اللجوء إلى القضاء حفاظا على كرامتها وقدسيتها. فقبل أن ينفذ قراره، ظهر له ملاك الرب في الحلم، وكشف له سر حبل مريم بيسوع بقوة الروح القدس، وأظهر له دوره في تدبير الخلاص، كزوج شرعي لمريم، وأب مرب ليسوع إبن الله المتجسد، “فلما نهض من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب” ( متى 1: 24). وهكذا ائتمنه الله على أثمن كنوزه: مريم وطفلها الإلهي (القديس البابا يوحنا بولس الثاني: حارس الفادي ص 6). وكون يوسف حارس الطفل الإلهي، فهو أيضا حارس وحامي جسده السري أي الكنيسة، وهو كذلك حارس وحامي العائلة المسيحية، لكونها كنيسة منزلية مصغرة. في هذه الأيام، فيما كنيسة المسيح تعيش ظروفا صعبة وخطرة في لبنان وبلدان الشرق الأوسط سياسيا وأمنيا واجتماعيا وسلاميا؛ الأمر الذي يقلص وجودها، ويضعف فاعليتها، فتحرم المنطقة من حضارة الإنجيل، ومن الخميرة المسيحية الصالحة في مجتمعها؛ وفيما هذه الظروف تؤثر في العمق على حياة العائلة المسيحية كمدرسة طبيعية للقيم الأخلاقية والإنسانية، وكخلية أساسية للأوطان؛ فإنا نكرس اليوم لله بشفاعة القديس يوسف: كنيسة لبنان، وكنائس الشرق الأوسط، والعائلة المسيحية، بل والعائلة البشرية، فنصلي في هذا التكريس إلى القديس يوسف لكي يحمي الكنائس والعائلات من الأخطار المحدقة بها، ويدعمها في رسالتها بنشر إنجيل الخلاص في كل بيئة ومجتمع”.

أضاف: “يشمل هذا التكريس جمعية إدي للتوعية التي نرحب بها: برئيستها ومؤسستها السيدة ميرنا أبو أنطون مناسا، وأعضاءها، وأصدقاءها والمستفيدين من خدماتها، والمساهمين فيها. ولدت هذه الجمعية من رحم الألم، ألم السيدة ميرنا التي فقدت إبنها “إدي” بعمر 25 سنة في حادثة سير. وكان زوجها قد توفى قبله بسنة. فعزمت في قلب الألم المرير على تغيير الحاضر والمستقبل فأسست الجمعية على اسم ابنها وفي الوقت عينه جعلت اسمه بالإنكليزية EDY أي: “تربية موجهة إليك-Education Dedicated to You”. تهدف هذه الجمعية التربوية إلى نشر ثقافة التوعية والسلامة المرورية والتعليم لسائقي الدراجات النارية وغيرها من الآليات، وإجراء دورات ومحاضرات توعية وإسعافات أولية بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام والوزارات والدوائر الحكومية وبالإشتراك مع البلديات، والعمل على تعديل قانون السير وسد الثغرات الموجودة فيه، وتقديم إقتراحات إلى وزارة الأشغال العامة تهدف إلى تحسين الطرقات ومعالجة الشوائب والنواقص بخصوصها، كما والسعي إلى تحسين الطبابة والرعاية الطبية في غرف الطوارئ والعنايات الفائقة والإنعاش. كما تهدف إلى خلق بيئة سليمة لأولادنا وشبابنا والمحافظة على حياتهم الغالية والحد من الموت الرخيص على طرقاتنا غير المؤهلة أصلا لقيادة سليمة عليها. إختارت جمعية “إدي” هذا الأحد لسببين: الأول، عيد القديس يوسف شفيع العائلة المسيحية، ومثال كل أب؛ والثاني، مناسبة عيد الأم بعد يومين. فتقدم الذبيحة من أجل أمهات شهداء القوى الوطنية المسلحة والدفاع المدني والصليب الأحمر وشهداء تفجير مرفأ بيروت وضحايا حوادث السير، ولراحة نفوسهم الطاهرة. إننا في هذه المناسبة نثني على نشاطات الجمعية. ونقدر كل التقدير إيمان مؤسستها السيدة ميرنا، على أنها بالإيمان والصلاة عرفت أن تكون أكبر من مصيبتها، وأدركت أن الألم هو فرصة الدخول في عمق الحوار مع الله، الذي يعزينا بما يوحي إلينا من مبادرات. نجد في التاريخ الكثير من الشواهد. فعل يوسف كما أمره الملاك في الحلم” (متى 1: 24). هذا يعني أن يوسف كان في حالة إصغاء وحوار مع الله. فتميز بطاعة الإيمان. وبهذا التقى بإيمان مريم التي أجابت المرسل الإلهي بعبارة: “أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك” (لو 1: 38). ولما زارت نسيبتها أليصابات لتخدمها، حييتها هذه بالكلمة النبوية: “طوبى لمن آمنت بأن ما قيل لها من الله سيتم” (لو 1: 45)”.

وتابع: “بفضل إيمان مريم وإيمان يوسف، ائتمنهما الله على السر المخفي منذ الدهور، وهو سر ابن الله المتأنس الذي كشف فيه الله ذاته. يعلم المجمع الفاتيكاني الثاني: “إن طاعة الإيمان واجبة لله الموحي. وبها يسلم الإنسان أمره كله لله حرا في كمال طاعة العقل والإرادة لله الموحي، وفي اعتناق إرادي للوحي الصادر عنه (الدستور العقائدي في الوحي الإلهي: كلمة الله، 5). إن القديس يوسف نموذج للحوار مع الله والناس. وهذا مطلوب من كل إنسان، وعلى الأخص من كل مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. أساس الحوار هو الإصغاء أولا لما يقوله الله، علما أن الله يكلمنا بشكل دائم بشخص المسيح، بكلام الإنجيل، بتعليم الكنيسة، بالإخوة الفقراء والمعوزين، بأحداث الحياة حلوها ومرها، بشخص خدمة الكهنوت والمكرسين، وبصوت الضمير. إن كلام الله “نور وحياة”، بدونهما تخبط في الظلمة، وشلل العقل عن الحقيقة، والإرادة عن الخير، والقلب عن الحب والمشاعر والإنسانية.الحوار مع الناس يتأسس هو أيضا على الإصغاء. نسمعهم بما يقولون، ويتألمون، ويتوقون. ونسمعهم عندما نسبقهم إلى تلبية مشاعرهم وحاجاتهم قبل أن يتكلموا ويتظاهروا وينتفضوا. فالمسؤول هو الذي يصغي ويبتكر ويميز حاجات الذين هم في دائرة مسؤوليته. لا تستطيع الجماعة السياسية ممارسة السياسة بمعزل عن الحوار الصريح والمتجرد، بالإصغاء المتبادل وتمييز القرار الواجب إتخاذه، من دون فرض الرأي عنوة، ومن دون حسابات مخفية، وبمعزل عن السعي الدؤوب إلى توفير الخير العام، الذي فيه تجد معناها ومبرر وجودها، والذي يشكل الأساس في حقها بالوجود. يقتضي الخير العام توفير مجمل شروط الحياة الإجتماعية والإقتصادية التي تمكن وتسهل لجميع المواطنين والعائلات والجمعيات البلوغ إلى كمال حاجاتهم” (الدستور الرعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 74). في عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السياسية والإقتصادية والمالية والتجارية والأخلاقية. وهذا هو السبب الأساس لتعثر بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبنتيجة هذا التعطيل شلل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبب بقتلهم وموتهم جوعا ومرضا وانتحارا. إذا سمع المسؤولون صوت الله عبر كلامه، لوجدوا الباب إلى الحل. فكلام الله يحرر ويوحد. وأي كلام آخر آت من المصالح الشخصية والفئوية والمذهبية، يأسر في مواقف متحجرة، وبالتالي يفرق ويباعد ويعطل سير الحياة العامة”.

وختم الراعي: “لا ينسين المسؤولون السياسيون أن العمل السياسي هو خدمة الانسان، بموجب تصميم الله الذي اراد ان يؤلف من الرجال والنساء عائلة بشرية واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوة في ما بينهم، وبروح البنوة للخالق الواحد. ما يجعل كل الاشخاص بحاجة الواحد الى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسية تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم الى انشاء جمعيات ومنظمات عامة وخاصة، ووضع نظام اجتماعي يضمن خير كل شخص، إذ يتأسس على الحقيقة، ويحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري. نسأل الله بشفاعة القديس يوسف، شفيع العائلة البشرية، أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه، والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف، فنستحق أن نرفع إليه آيات الشكر والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.

بعد القداس استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.