كتبت صحيفة “الجمهورية”: لم يطل الوقت وجاء الردّ الأميركي سريعاً على الردّ اللبناني حول المقترحات الأميركية الأخيرة للحل المطلوب لإنهاء النزاع السائد بين لبنان وإسرائيل، وذلك بعد أسبوع من مغادرة الموفد الرئاسي الأميركي توماس برّاك بيروت، والذي كان استمهل المسؤولين اللبنانيين ثلاثة إلى أربعة أسابيع للعودة بهذا الردّ، الأمر الذي دلّ إلى استعجال أميركي للحل في مهلة أقصاها نهاية السنة الجارية، وهي مهلة يرجح أن تكون حافلة بالتطورات لبنانياً، إقليمياً ودولياً.
تلقّى لبنان الرسمي أمس عبر السفارة الأميركية في بيروت الردّ الأميركي على الورقة الرئاسية التي كان سلّمها إلى برّاك رداً على المقترحات الأميركية، وعلى الأثر باشرت الدوائر الرئاسية درس هذا الردّ.
وأوضحت مصادر رسمية، أنّ خلاصة الردّ تكمن في وجوب التزام لبنان بمهل زمنية محدّدة لحصر سلاح «حزب الله» وغيره بيد الدولة خلال مهلة لا تتعدّى نهاية السنة الجارية، وهو ما سيكون موضوع بحث بين الرؤساء الثلاثة وبرّاك الذي سيعود إلى لبنان أواخر الشهر الجاري.
خريطة معقّدة
وكانت لبرّاك مواقف جديدة مساء أمس، قال فيها إنّ «الخريطة الطائفية في لبنان معقّدة للغاية»، لافتًا إلى أنّ «الولايات المتحدة لا تفرض على الحكومة اللبنانية ما يجب عليها فعله»، ومشدّدًا على أنّ «الحكومة اللبنانية الحالية ليست فاسدة، بل إن الفساد كان يُغرق لبنان في السابق». وقال: «الخوف من نزع سلاح «حزب الله« ومنع الحكومة اللبنانية من ذلك قد يؤدي إلى حرب أهلية»، معتبراً «انّ عملية تخلّي «حزب الله» عن سلاحه تبدأ بمبادرة من الحكومة اللبنانية».
ولفت برّاك إلى «انّ الأسلحة التي نريد من «حزب الله» التخلّي عنها هي تلك التي تهدّد إسرائيل، ونحن لا نتعامل فقط مع «حزب الله» بل أيضاً مع معسكرات فلسطينية مسلحة». وقال إنّ «أميركا تنظر إلى «حزب الله» كمنظمة إرهابية، وإذا وافق على نزع سلاحه والتحول إلى حزب سياسي بحت غير تابع لإيران فقد يُعاد النظر في تصنيفه كمنظمة إرهابية». وأضاف: «الجماعة المسلحة التابعة لحزب الله هي المنظمة الإرهابية التي نواجه معها المشكلات». وأشار إلى «أنّ الحكومة اللبنانية الحالية مستعدة لحل كل القضايا، والفرصة متاحة لتحقيق الاستقرار إذا حصل تعاون داخلي ودولي».
عون يردّ
في هذه الأثناء، لم تهدأ العاصفة السياسية التي أثارها تحذير برّاك لبنان من «العودة إلى بلاد الشام» إن لم يتحرك لنزع سلاح «حزب الله» وغيره وحصره بيد الدولة.
وفي هذا الإطار ردّ رئيس الجمهورية على برّاك قائلاً أمام وفود زارته امس «انّ وحدة الأراضي اللبنانية ثابتة وطنية كرَّسها الدستور ويحميها الجيش اللبناني، وإرادة اللبنانيين الذين قدَّموا التضحيات على مرّ السنين للمحافظة عليها». وقال: «لقد أقسمت اليمين بعد إنتخابي رئيساً للجمهورية على المحافظة على «استقلال الوطن وسلامة أراضيه»، ويخطئ من يظن انّ من أقسم مرّتين على الدفاع عن لبنان الواحد الموحَّد يمكن ان ينكث بقَسَمه لأي سبب كان او يقبل بأي طروحات مماثلة». وأشار إلى «انّ قرار حصرية السلاح بيد الدولة إتخذ، وذلك إستناداً الى إتفاق الطائف. وهذا الأمر إلى جانب قرار السلم والحرب بيد الدولة، هما من المكونات الأساسية لأي دولة ومن المبادئ الأساسية». وقال: «إنّ التحدّيات كبيرة حولنا، كما انّ الفرص كبيرة، وعلينا كلبنانيين من خلال قدرة الإبداع التي لدينا، وإرادتنا الصلبة، أن نعرف كيف نستغل الفرص لمصلحة لبنان». وكشف انّ هدف زياراته إلى عدد من الدول هو إعادة مدّ الجسور بين لبنان والعالم.
مناقشة الحكومة
في غضون ذلك، تنعقد اليوم في ساحة النجمة أولى الجلسات النيابية العامة لمناقشة سياسة الحكومة منذ تأليفها قبل خمسة اشهر، ويُنتظر ان يكون موضوع نزع السلاح وحصره بيد الدولة نجم المناقشات في الأوراق الواردة خلال الجلسة.
وأبلغت مصادر نيابية إلى «الجمهورية»، أنّها تأمل في أن يتحلّى النواب خلال جلسة مناقشة سياسات الحكومة اليوم بأعلى مقدار ممكن من المسؤولية الوطنية التي تراعي حراجة المرحلة الحالية ودقة التحدّيات، من دون أن يعني ذلك التضييق على حقهم في مساءلة الحكومة بصراحة تامة. وأعربت المصادر عن خشيتها من أن يؤدي النقل المباشر لوقائع الجلسة إلى جنوح بعض النواب في مداخلاتهم نحو الشعبوية والمزايدات. وأشارت إلى أنّه إذا تخطّت المداولات الخطوط الحمر والحدود المقبولة فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يلوّح بقطع النقل المباشر على الهواء.
وإلى ذلك، توقعت مصادر سياسية أن تكون جلسة مناقشة الحكومة اليوم بمثابة منازلة عنيفة بين طرفين، على خلفية ملف نزع سلاح «حزب الله». وعشية الجلسة بدت الحكومة في موضع لا تُحسد عليه، نتيجة تعرّضها لعملية تجاذب من هذا الطرف وذاك.
وقالت هذه المصادر السياسية لـ«الجمهورية»، إنّ حكومة الرئيس نواف سلام تبدو في وضع لا يرضي أياً من الطرفين. فالمطالبون بنزع سلاح «الحزب» يعتبرون أنّها مقصّرة وأنّها لم تف بتعهداتها ولا بمضامين «خطاب القَسَم»، وأنّها تتحمّل المسؤولية عن احتمال اتجاه لبنان نحو الأسوأ. وفي المقابل، يطالبها «الحزب» وحلفاؤه بالوفاء بالتزاماتها لجهة وقف الاعتداءات الإسرائيلية واستكمال الانسحاب من لبنان وإعمار القرى المدمّرة وإعادة الأهالي إليها. وبذلك، ستكون الحكومة في الوسط، وستدور حولها المعارك، وتنتهي الجلسة بلا أي نتيجة عملية.
بري وجنبلاط
على انّ آخر تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية كانت مساء امس مدار بحث في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، الذي قال بعد اللقاء: «ملفات عدة نوقشت مع الرئيس بري، في ما يتعلق بالمفاوضات في الجنوب، ملف الجنوب. هذا الأمر في أيدٍ أمينة مع الرئيس بري، مع الرؤساء الثلاثة، ولن أتدخّل فيه، ليس هذا الشأن من صلاحياتي، هو شأن الرؤساء ومجلس الوزراء». وأضاف :»وفي ما يتعلق بالتعيينات، يبدو أنّ العجلة أخذت وتأخذ أبعادها. وكما فهمت انّ التعيينات المتبقية ستسير ايضاً في المسار المطلوب». وقال:» في ما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية طبعاً هي سيف مصلت في كل لحظة، لكن لا يجوز الاستمرار في هذا الأمر، إما هناك وقف إطلاق نار أو ليس هناك وقف إطلاق نار، الأمور تسير ولست متشائماً هذا التشاؤم الكبير».
وأكّد أنّ «هناك مشكلات كبيرة، مثلاً في ما يتعلق بصناعة المخدرات. لكن اليوم أعلن الجيش أنّه فكّك مصنعاً كبيراً للكابتاغون في اليمونة».
وأضاف: «تمّ تضخيم أنّ هناك خلية صغيرة أو كبيرة مهما كانت في بلدة «بتبيات» فدخل على الخط ما «هبّ ودبّ» للتكبير، الجيش يقوم بواجباته والقوى الأمنية تقوم بواجباتها، لماذا التضخيم الإعلامي؟. هذا هو كل شي».
ورداً على سؤال حول أحداث السويداء والرسالة التي يوجّهها لأبناء السويداء، قال جنبلاط: «نحن مع عودة الأمن وبناء مصالحة في السويداء برعاية الدولة السورية، وبعد الإطاحة بالنظام السابق، كنت أول شخص عربي ودولي ذهب إلى دمشق لأقول إنّ سوريا كانت وستبقى موحّدة. وهي رسالة للبعض، البعض في السويداء لم يفهمني ونادى ولا يزال ينادي بالحماية الدولية وطبعاً الإسرائيلية. أقول السويداء مثل جرمانا مثل حمص مثل حماة مثل كل مكان في سوريا هي في حماية الدولة السورية».
وعن رأيه حول نظرية «العودة إلى بلاد الشام»، قال جنبلاط: «ما عندي فكرة «من وين طلعت هيدي النظرية»؟ بالآخر همّنا كما الهمّ الأميركي الحفاظ على لبنان الكبير الذي أُرسي عام 920، وبلاد الشام في النهاية هي بلاد الشام تاريخياً من لبنان إلى العراق هذه بلاد الشام، حرّ من يفكر بهذا الأمر، لكن في الكيانات الحالية، نحن نتمسك بالكيانات الحالية».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان راضياً واطلع على الردّ اللبناني على المقترحات الأميركية، قال جنبلاط: «لقد أجبت وقلت انّ الأمور بيد أمينة. وانا مفوض الرئيس بري والرؤساء الثلاثة».
الموقف الفرنسي
ومن جهته، السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو قال خلال استقبال أقامه في قصر الصنوبر لمناسبة العيد الوطني الفرنسي، انّ «البعض يرى انّ الحكومة بعد خمسة أشهر من تشكيلها لم تقم بما يكفي من خطوات لإطلاق عجلة الإصلاحات الضرورية لإعادة بناء الدولة اللبنانية». وأمل في «أن يكون مجلس النواب على قدر التحدّي الماثل أمامه لمواكبة هذه الإصلاحات. وآمل أن يغتنم النوّاب هذه الفرصة لإعادة لبنان إلى المسار الصحيح، ومنح اللبنانيين المستقبل الذي يستحقّونه». وقال: «التحدّيات لا تزال كثيرة، سواء في ما يتعلّق بحصر السلاح بيد الدولة، أو بمسار الإصلاحات، أو بتجديد ولاية قوات «اليونيفيل»، أو بالوضع الإقليمي. ونحن ملتزمون كلياً على كل هذه الجبهات، إلى جانب أصدقائنا اللبنانيين».
وأضاف: «لا تزال إسرائيل تحتلّ خمس نقاط على الأراضي اللبنانية، وتواصل ضرباتها. إنّنا ندين ذلك ولا نكفّ عن المطالبة بالإحترام الكامل لإتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في تشرين الثاني الماضي. كما ندعم كلياً هدف السلطات اللبنانية وهو تحقيق حصريّة السلاح الكاملة في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية. يجب على الجميع أن يدركوا أنّ الزمن قد تغيّر، وأنّ مرحلة جديدة يجب أن تبدأ في هذا البلد الذي عانى الكثير. ونحن ندعم كل الجهود التي يبذلها السفير الأميركي توم برّاك، ونحن مصمّمون على العمل معاً من أجل سيادة لبنان وإستقراره وإعادة إعماره». وشدّد على «أهميّة تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية والماليّة التي تمّ تأجيلها لوقت طويل. فلا يمكن لأي بلد أن يعمل بلا مصارف. ولا يمكن لأي بلد أن يعمل بلا دولة بالحدّ الأدنى. ولا يمكن لأي بلد أن يعمل بلا بنى تحتيّة فعّالة وموثوقة تتيح تأمين الكهرباء والمياه وخدمات الإتصالات والإنترنت، التي تُعدّ حيويّة لأيّ إقتصاد حديث».
وشجع على «المضي قدماً في المناقشات مع صندوق النقد الدولي، لإعادة بناء نموذج إقتصادي قابل للحياة»، مؤكّداً دعم فرنسا للبنك الدولي، الذي قدّم مشروع صندوق إعادة إعمار بقيمة 250 مليون دولار، وقد أعلنّا عن استعدادنا للمساهمة فيه عندما يتمّ إقرار الإصلاحات المنتظرة، لا سيّما قانون إصلاح وضع المصارف، الذي لا يزال قيد الدراسة في مجلس النواب، إلى جانب قانون إستقلاليّة القضاء. ففي غياب العدالة، لا يمكن إقامة دولة القانون». وقال: «ما زلنا على إستعداد لتنظيم مؤتمر للنهوض بلبنان في باريس هذا الخريف. لكن المجتمع الدولي لن يهبّ لمساعدة لبنان كما في السابق ما لم تُقدَّم إلتزامات واضحة بشأن الإصلاحات». وأضاف: «من الضروري أن نكون شديدي اليقظة تجاه تطوّرات الوضع في سوريا، إذ يجب بكل تأكيد تفادي أي تأثير سلبي على لبنان. كما يجب على اللبنانيين أن يستعدّوا للتحرّك من أجل مواكبة عمليّة النهوض في سوريا، التي ستوفّر، وأنا على يقين من ذلك، فرصاً كثيرة عند إنطلاق إعادة الإعمار، سواء لتأمين عودة السوريين إلى وطنهم، أو لتمكين لبنان من المساهمة في هذه العمليّة وبالتالي الإستفادة منها. أما البديل المؤسف، فهو أن يبقى لبنان مجرّد متفرّج على هذا التعافي، بينما كان بإمكانه أن يلعب دوراً رئيسياً».
موقف كويتي
من جهة أخرى، جال أمس وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح على الرؤساء عون وبري وسلام. وأكّد أنّ «الكويت بحاجة إلى لبنان والعكس صحيح. ولن تنسى يوماً اعتراف لبنان بدولة الكويت أيام الغزو العراقي». وشدّد على أنّ «الكويت تقف إلى جانب لبنان في هذه المرحلة». لافتًا إلى أنّ «الشعب اللبناني شعب كريم ومبدع. وأقل جالية أرى فيها مشاكل في الكويت هي الجالية اللبنانية»، متمنيًا ان يزيد عددها. وبالنسبة لحزب الله، قال الصباح: «سوف نواجه كل ما يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. والرئيس عون هو في الأساس رجل أمن ويعرف المخاطر الأمنية التي قد تواجه البلاد. ونحن في الكويت ليس لدينا أحزاب وبالتالي لن يكون هناك وجود لحزب الله». واكّد انّ «لبنان سيبقى لبنان وسوريا ستبقى سوريا»، معلناً للبنانيين انّ «هناك خبراً إيجابياً ستسمعونه من رئيسكم قريباً وليس مني».
