نور علي زريق – عن صوتٍ لم يُولد في الاستوديو، بل اختبر العالم واقفًا على الخشبة.
هناك فنانون يصعدون إلى المسرح ليتدرّبوا، وهناك فنانون يصعدون لأنهم وُلدوا هناك.
كريستال عيد تنتمي إلى الفئة الثانية. لم تأتِ من طفرة، ولا من وعود تسويقية عابرة. جاءت من أرض الصوت: من حفلات حقيقية، من جمهور حقيقي، من مسارح مختلفة وبلدان حملت لهجتها وغنّت فيها، لكنها احتفظت دائمًا بهويتها.
اليوم، تُطلق كريستال أولى أغنياتها الرسمية بعنوان “ظروفك”، وكأنها تقول: “لقد آن أوان الكلام”.
لكن هذا الإصدار ليس مجرّد بداية فنية، بل لحظة مفصلية. فكريستال، التي طالما اعتُبرت صوتًا قادرًا في الحفلات والمناسبات، اختارت أخيرًا أن تُدوّن صوتها، أن تُخلّده خارج اللحظة العابرة، أن تمنحه شكلاً ومساحة يمكن الرجوع إليها، لا فقط التفاعل معها في وقتٍ سريع وزائل.
“ظروفك” من كلمات رودريغ إلياس، لحن وتوزيع نيكولا شبلي، وتسجيل وهندسة صوتية لدى 360 Media. أما الكليب، فجاء بإخراج زاك غصن، الذي تعامل مع الأغنية برؤية حساسة لا تستعرض، بل تترك المساحة للكلمة واللحن والصوت.
ما يلفت في هذا العمل ليس فقط نضجه الموسيقي، بل أيضًا توقيت صدوره. فكريستال لم تُصدر الأغنية لتدخل السوق، بل حين أصبحت مستعدة لأن تُسمَع بشكل جديد. وهذا بحد ذاته قرار فني نادر في زمن العجلة والضوضاء.
صوت كريستال في “ظروفك” ليس صوت مغنية تحاول إثبات وجودها، بل صوت مطربة تعرف حدودها وجمالياتها، وتعرف متى تقول، ومتى تصمت. الصوت ناعم لكن واثق، حساس لكن مصقول بدقّة. لا يبحث عن الصدمة، بل عن الصدق. وهذا ما يجعل الأغنية تترك أثرًا بعد انتهائها، لا مجرد انطباع لحظي.
من يتابع كريستال منذ سنوات، يدرك أن هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ. فالمساحات التي تنقّلت بينها، من لبنان إلى الخارج، شكّلتها كفنانة تقف بثبات، لا كمجرّد مؤدية. ومن يعيش الغناء على المسرح، يعرف جيدًا كيف يُترجمه في الاستوديو. لذلك، لم تأتِ “ظروفك” كأغنية أولى هاوية، بل كبيان صوتي مدروس، يحمل توقيع صاحبة صوت حقيقي لا يحتاج إلى ضجيج ليثبت نفسه.
اليوم، “ظروفك” ليست فقط أغنية، بل إعلان عن بداية فصل جديد.
فصل لا تبدأ فيه كريستال من الصفر، بل من تراكم: من جمهور سمعها وصدّقها، من مسرح تعرفه جيدًا، ومن صوتٍ حافظت عليه بصبر، حتى آن أوان أن تُخرجه في عمل يشبهها، لا يشبه غيرها.
وفي زمنٍ كثرت فيه الأصوات وقلّ فيه الصدق، يبقى الصوت الذي يعرف متى ينطق… هو الذي يُصغي له الناس حقًا.
وكريستال عيد، ببساطة، نطقت أخيرًا.
