حوار خاص مع المخرج والمسرحي الإيراني
“محمد برومند”
في عالم يشتعل بالصراعات والنزاعات المسلحة، لا تزال هناك أصوات تنادي بالسلام، وتحمل الفنّ كرسالةً إنسانية سامية تتجاوز كل الحدود . من بين هذه الأصوات البارزة، يسطع اسم المخرج والمسرحي الإيراني السيد محمد برومند، مؤسس شركة سيمرغ الفنية ورئيس فرع يونيما – خراسان (الاتحاد الدولي لمسرح العرائس)، الذي سخّر حياته ومسرحه لنشر ثقافة الصداقة والتسامح بين الشعوب.
لسنوات طويلة، جاب برومند بلدانًا عانت من الحروب، مقدّمًا عروضًا مسرحية تلامس القلوب وتداوي الأرواح. من ايران إلى البوسنة والهرسك، أوكرانيا، تونس وغيرها… حيث حمل معه رسائل السلام.
من أبرز أعماله مسرحية “الورقة الأخيرة”، متمثلة في عرض صامت ، من إنتاج إيراني، جمع ممثلين من أمريكا، كندا، إيران، وأفغانستان، ليعبّر عن السلام بلغته العالمية التي لا تحتاج إلى ترجمة.
وفي هذا الحوار، نستعرض مع الأستاذ برومند رؤيته للأوضاع الراهنة في إيران في ظل تصاعد الحرب مع العدو الصهيوني ، ونتعرّف على تحديات الفنانين في ضل الاوضاع الراهنة ، وأحلامه التي ما زالت متمسكة بنور الأمل.
● كيف تصفون المشهد العام في إيران بعد تصاعد الحرب مع العدو الصهيوني؟ وكيف يقضي الناس يومهم في هذه الظروف؟
و هل ساهمت هذه الأحداث في توحيد صفوف الإيرانيين رغم الاختلافات؟
الشعب الإيراني لا ينسى تجربته مع الحرب العراقية الإيرانية، حين تعرّضنا لهجوم مشابه واضطررنا للدفاع عن أنفسنا. نحن شعبٌ لا يحبّ الحرب، بل يرفضها بشدّة، لكن حين تهاجَم أوطاننا، نشعر أن من واجبنا الدفاع عنها.
غالبية الناس يعارضون الحرب واستمرارها، لكنهم لا يقبلون بالذل. هذه الأزمة عمّقت التآزر بين الناس، وعززت روح الانتماء، رغم وجود أصوات تنتقد أداء الحكومة، إلا أن الجميع متّفق على رفض أي عدوان خارجي.
و بلا شك، كما هو الشان في كل بلدان العالم ، توجد آراء مختلفة، لكن مع اندلاع الحرب، تراجعت الانقسامات، وبرز شعور وطني جامع.
كل من يهاجم إيران، يُعدّ في نظر الشعب الايراني عدوًا ، والذاكرة الجماعية الإيرانية لم تنسَ الغزوات الماضية. اليوم، الكيان الصهيوني يعدّ العدو الأول، لأنه استهدف أطفالًا ونساءً وفنانين ورياضيين ومدنيين أبرياء.
الحرب لا ترحم، ولا يمكن لإنسان عاقل أن يدافع عنها و خاصة اذا كان الوطن هو المستهدف.
● هل تغيّرت ملامح الحياة اليومية في المدن الإيرانية؟
نعم، خاصة في طهران، حيث أصبحت الهجمات متكرّرة، مما عطّل مجرى الحياة بشكل كبير. قُتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء، وبعض السكان اضطروا لمغادرة العاصمة نحو مناطق أكثر أمنًا.
لكن في مدن مثل مشهد، حيث أعيش، لا تزال الحياة تمضي بشكل نسبي، وإن كانت مشوبة بالقلق المستمر.
● ما رأيكم في دور الإعلام وشبكات التواصل في نقل الحقيقة؟
الإعلام سلاح ذو حدّين. يمكن أن ينقل الحقيقة بصدق إذا كان مستقلًّا، لكنه يتحوّل إلى أداة تضليل إن خضع لقوى سياسية واقتصادية.
للأسف، كثير من وسائل الإعلام مدفوعة وتخدم مصالح قوى بعينها. أعتقد أن حقيقة إيران لا تصل كما يجب إلى العالم، وأثمّن جهود الإعلام الحرّ في إيصال الصورة الواقعية لما يحدث.
● ما الذي يؤلمكم أكثر في ظل هذه الحرب، وما الذي يمنحكم الأمل رغم كل شيء؟
ما يؤلمني هو استمرار العنف في العالم، وسعي السياسيين إلى فرض إرادتهم بالقوة بدلًا من الحوار. الشعب الإيراني لا يريد الحروب، بل يريد الحلول السلمية، لكن صوته غالبًا لا يُسمع.
أملي بالله، ثم في وعي الشعب، وخاصة الشباب الذين يمتلكون نظرة ناضجة. هؤلاء سيبنون مستقبلًا أفضل لإيران.
● كيف هو حال الفنانين اليوم في إيران؟ وهل ما زال الفن حاضرًا؟
الفنانون بطبعهم مرهفي الاحساس ، والحرب تؤذيهم نفسيًا وروحيًا.
و على وقع الحرب مع كيان الصهيوني توقّفت العروض المسرحية ودور السينما لبضعة أيام، وأصيب الوسط الفني بصدمة. لكننا قررنا ألا نستسلم.
حيث استانفنا فتح المسارح ، لأننا نؤمن بدور الفن المتمثل في زرع الأمل،و لا مجال لغيابه في الأزمات.
● هل تقومون بأنشطة فنية للأطلفال واليافعين لمساعدتهم على تجاوز آثار الحرب النفسية؟
بالطبع. في شركة سيمرغ، حتى خلال إغلاق المسارح، قدّمنا عروضًا مجانية للأطفال والناشئة.اذ نعتبر ذلك واجبًا إنسانيًا ووطنيا نريد من خلاله أن نبعد الأطفال عن مشاهد العنف، ونمنحهم مساحة للفرح والاستقرار النفسي.
● ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الفنانون في هذه المرحلة؟
التحدي الأكبر هو الأزمة الاقتصادية. الحرب أدّت إلى تعطّل العديد من مصادر دخل الفنانين، وأثّرت على حركة الإنتاج الثقافي بشكل مباشر. لكن مع ذلك، نواصل العمل بما نستطيع.
● كيف تحافظون على إيمانكم برسالة الفن وسط هذه الحرب؟ وهل لديكم رسالة للفنانين العرب؟
نحن شعبٌ تعرّض كثيرًا للغزو والعدوان، لكنّنا دائمًا انتصرنا بالصبر والمقاومة.
رغم الخسائر، نؤمن أن الغد أفضل، وأن الشعب يستحق الحياة الكريمة.
رسالتي للفنانين العرب: كونوا سفراء السلام في مجتمعاتكم. علّموا الأطفال معنى المحبّة، وقاوموا الحرب بالفن. فنّنا هو سلاحنا.
لا أمل كبير في السياسيين الذين أعمَتهم السلطة، لكنّ الأمل كلّه في الأقلام الحرة، والقلوب الرحيمة، والأرواح المبدعة.
● أخيرًا، ما هي أمنيتك الشخصية، لوطنك، وللعالم؟
أتمنّى أن يعمّ السلام ربوع إيران والعالم العربي وكل بقاع العالم.
أتمنّى أن تنتهي الحروب، ويكبر الأطفال في مدارس لا ملاجئ.
أحلم بعالم لا تُداس فيه الكرامة، ولا يُقتل فيه الأمل.
وأتمنّى أن نكتب جميعًا – بالفنّ – فصلاً جديدًا من الحريّة والحياة.
وسط ضجيج الحرب ، لا يزال هناك من يؤمن أن للورود مكانًا في الميدان، وأنّ قصيدة قد تغيّر مصيرًا، وأنّ عرضًا مسرحيًا قد يخفّف ألمًا عميقًا.
السيد محمد برومند هو احد هؤلاء. فنان لا يحترف الوجع، بل يصنع من رماد الحرب شعلة إبداع. يؤمن أن الفن ليس رفاهية، بل مسؤولية.
وفي زمن تتكسّر فيه المعاني، يبقى الفنّ، كما يقول، “سلاحًا أخلاقيًا وإنسانيًا في وجه العبث” .
بقلم /عبير معتوق
