صوفيا – في قلب البلقان، حيث تتقاطع طرق التجارة والتاريخ، نسجت الجالية اللبنانية في بلغاريا قصة استثنائية من الاندماج والنجاح، تروي حكاية شعب حمل ثقافته وجذوره من ضفاف المتوسط، وزرعها في أرض جديدة ليبني جسورًا من العلاقات الثقافية والتجارية والإنسانية. بلغاريا، الدولة الأوروبية التي تقع على مفترق طرق البلقان، لم تكن يومًا بعيدة من قلب اللبنانيين. فمنذ ما يزيد عن النصف قرن، بدأت أولى بوادر الهجرة اللبنانية نحو هذا البلد، وتحديدًا في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وازدادت عندما بدأت علاقات لبنان وبلغاريا تأخذ طابعًا ديبلوماسيًا وتجاريًا وثقافيًا متزايدًا.
أنهت “الوكالة الوطنية للاعلام” رحلتها الى البلد الصديق بمقابلة مع رئيس الجالية اللبنانية جورج رياشي وطرحت معه اسئلة خاصة بالعلاقات اللبنانية – البلغارية منذ متى تأسيس جمعية اللبنانيين في بلغاريا وتواصل العدد الكبير من اللبنانيين المتخرجين من بلغاريا واذا كان هناك تواصل بينهم وبين البلد المضيف . بخاصة مع ادخال تأشيرة “شينغن” و ماهو برنامج الجالية اللبنانية في بلغاريا وعلاقتها ببلدها الاصل لبنان.
” الجالية اللبنانية في بلغاريا لم تكن مجرد وجود بشري، بل جسدت عبر العقود صورة اللبناني المتفاعل والمنفتح والمندمج، دون أن ينسى هويته وجذوره. واليوم، بقيادة حكيمة ومثابرة لجمعية اللبنانيين في بلغاريا، تواصل هذه الجالية كتابة فصل مميز من فصول الاغتراب اللبناني، المبني على الثقافة والوفاء والانتماء. نحن لا نعيش فقط في بلغاريا، نحن نُحيي لبنان في قلوبنا كل يوم، كما أننا نبني جسور المستقبل للتفاعل بين البلدين والشعبين الصديقين” قال رياشي.
العلاقات اللبنانية – البلغارية
وشرح رياشي ان “العلاقات اللبنانية – البلغارية بدأت رسميًا في 19/09/1966، مع تبادل السفراء وفتح السفارات في بيروت عام 1967 وصوفيا عام 1983. هذه العلاقة تطورت عبر العقود، بخاصة في مجالات التجارة والتعليم. بلغاريا كانت من الدول القليلة في أوروبا الشرقية التي حافظت على علاقات دافئة مع لبنان، حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990)، حيث استمر الطلاب اللبنانيون بالدراسة في جامعاتها، وخصوصًا في الطب والهندسة”.
ولفت الى أن “العلاقات بين البلدين بدأت رسميًا في خمسينيات القرن الماضي، لكن الحضور الفعلي والملموس للبنانيين في هذا البلد بدأ في أواخر السبعينيات، وتوسّع بشكل ملحوظ خلال الثمانينيات والتسعينيات، بخاصة بعد الحرب(1975-1990) التي دفعت العديد من اللبنانيين للبحث عن ملاذات تعليمية وتجارية مستقرة ، ولقد انتجت جمعية اللبنانييين في بلغاريا فيلمًا وثائقيا عن العلاقات اللبنانية البلغارية عرضته في الذكرى الخمسين في حفل مهيب في القصر الشعبي للثقافة في 2016”.
العلاقات الإقتصادية
وشرح ان “العلاقات الاقتصادية بين البلدين شهدت نموًا تدريجيًا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن التبادل التجاري بين لبنان وبلغاريا بلغ نحو 100 مليون دولار أميركي عام 2000، تشمل صادرات لبنانية من المنتجات الغذائية، ومستحضرات التجميل، واستيراد منتجات بلغارية أبرزها المعادن، الحبوب، والآلات”.
جمعية اللبنانيين في بلغاريا
اضاف:”بعد أن لاحظنا ازدياد أعداد اللبنانيين المقيمين والمستثمرين في صوفيا ومدن أخرى مثل بلوفديف وفارنا، وازدادت العلاقات التجارية بين لبنان وبلغاريا، كما ازداد عدد المستثمرين اللبنانيين في بلغاريا، وبهدف احتضان الواقع اللبناني في بلغاريا ، قررنا انشاء جمعية اللبنانيين في بلغاريا . هدف الجمعية الحفاظ على الهوية اللبنانية، وتعزيز العلاقات بين الجالية والسلطات البلغارية، وتنظيم الأنشطة الثقافية والدينية والاجتماعية، وتسهيل عملية اندماج الوافدين من لبنان الى بلغاريا”.
تأسيس جمعية اللبنانين في بلغاريا
تابع:” تأسست “جمعية اللبنانيين في بلغاريا رسميًا في عام 2000 في العاصمة صوفيا، واعلنت الهيئة التأسيسية مجموعة من رجال الأعمال والمثقفين اللبنانيين الذين شعروا بالحاجة إلى تنظيم المتحد اللبناني المتنامي. ومنذ ذلك الحين، نشطت الجمعية في تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية، وتعزيز التواصل مع السفارة اللبنانية في بلغاريا، والتنسيق مع المؤسسات البلغارية الرسمية ووزارة الخارجية اللبنانية والجاليات العربية في بلغاريا. وقد ساعد تأسيس المدرسة اللبنانية في بلغاريا “جبران خليل جبران ” عام 1999 في تعليم اللغة العربية والبرنامج والمناهج الدراسية اللبنانية، ويزيد عدد تلاميذ المدرسة اللبنانية عن الـ 380 تلميذًا يشتركون في دراسة اللغة العربية وحمل المنهاج اللبناني الى بلغاريا”.
اللبنانيون المتخرجون من الجامعات البلغارية
واوضح رياشي ان” آلاف الطلاب اللبنانيين تخرجوا من الجامعات البلغارية منذ السبعينيات، وخصوصًا في مجالات الطب، الصيدلة، والهندسة”، وقال: ” لدينا أكثر من 3000 خريج لبناني من الجامعات البلغارية، بعضهم عاد إلى لبنان ليؤسس مراكز طبية وتجارية، وشركات هندسية، ومعظمهم ينتمون الى جمعية الخريجين اللبنانيين من الجامعات البلغارية. اما الباقون فاستقروا في بلغاريا وشاركوا في تنمية اقتصادها، وهم يشكلون نواة فاعلة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. والجدير بذكره ان معظم اللبنانيين في بلغاريا هم أرباب عمل من صناعيين وتجار وأصحاب شركات مقاولات وهندسة واطباء ومهندسين”.
بلغاريا والشينغن
تابع:”مع دخول بلغاريا إلى منطقة شنغن في عام 2024 ، أصبح السفر أسهل للبنانيين الذين يحملون إقامات دائمة أو جنسية أوروبية، لكن لا يزال الحصول على تأشيرات لبعض اللبنانيين يمثل تحديًا. رغم ذلك، تعمل الجمعية على تسهيل التواصل بين الخريجين والجهات البلغارية لتفعيل شبكة علاقات تساعدهم أكاديميًا ومهنيًا”.
برنامج الجالية اللبنانية في بلغاريا
واكد ان “الجالية تسعى إلى تعزيز الهوية اللبنانية لدى أبنائها المولودين في المهجر، من خلال برامج ثقافية وتعليمية تشمل تعليم اللغة العربية، تنظيم احتفالات الأعياد الوطنية والتعاون مع جامعات لبنانية كما تعمل الجالية على توطيد علاقتها بلبنان من خلال: إرسال مساعدات إنسانية خلال الأزمات، كما حصل بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ، تنظيم وفود سياحية واستثمارية إلى لبنان، دعم مبادرات اقتصادية تعزز التبادل بين رجال الأعمال اللبنانيين والبلغاريين، المشاركة في المؤتمرات الطبية والاستثمارية وغيرها”.
العلاقة مع الوطن
اضاف: ” أما علاقتنا مع لبنان فهي قوية جدًا. نحرص دائمًا على المشاركة في المؤتمرات الاغترابية، والجمعية هي عضو في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، ونرسل مساعدات إنسانية عند الأزمات، ونشارك في المعارض التجارية، والمشاريع الحيوية في كلا البلدين”.
برنامج دعم الطلاب
تابع:” خلال الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، أرسلت الجالية بدعم من السفارة 500 وحدة إيواء ( أي 500 سرير وفرشة وبطانية ومخدة ولوازم طعام ، وانارة على الطاقة الشمسية ) بالتعاون مع الدفاع المدني البلغاري، كما ارسلت الجالية مستوعبًا من المساعدات العينية التي وزعت وتوزع على المحتاجين في لبنان عبر المؤسسات الإجتماعية اللبنانية”.
اضاف:”في تلبية لنداء الإغاثة والدعم التي اطلقته الحكومة اللبنانبة اثناء العدوان الأخير على لبنان خلال 2024، ارسلت جمعية اللبنانيين في بلغاريا مساعدات طبية وأدوية الى وزارة الصحة اللبنانبة بقيمة 260000 يورو ، استلمتها الوزارة في 25/01/2025 من رياشي”.
ختم: “الجالية اللبنانية في بلغاريا، رغم بعدها الجغرافي، ما زالت نابضة بالحب والانتماء للوطن الأم، وتعد واحدة من أكثر الجاليات تنظيماً وفعالية في أوروبا . أما علاقتنا مع لبنان فهي قوية جدًا. نحرص دائمًا على المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية”.
