نور علي زريق – في عالم تتشابك فيه الطموحات مع الشائعات والحقيقة مع العرض ظهرت النجمة باميلا الكيك في برنامج المسار على شاشة LBCI، لتقدم نفسها ليس فقط كممثلة بل ككائن واعٍ يتحرك بين الحرية والقيود، بين الضوء والظل ، كان حضورها في الحلقة أشبه بمشهد حيّ حيث تتكشف طبقات شخصيتها أمام المشاهد وتجسد العلاقة المعقدة بين الفن والحياة، بين الرغبة في التميز وفهم الذات. في هذا الإطار، لم يكن الإعلامي رودولف هلال مجرد محاور بل عنصر فاعل في الحوار، مرآة تعكس عمق باميلا وتكشف عن مفاتيح شخصيتها، لتتحول كل إجابة إلى تجربة معرفية تتجاوز حدود اللقاء التقليدي وتعيد صياغة معنى التمثيل كمساحة للتوغّل في جوهر التجربة الإنسانية.
مع افتتاح الحوار ، وصفت باميلا قلبها كمفتاح لفهم الذات والآخر أي حب النفس بطريقة واعية ليس امتدادًا للغرور بل ممارسة حقيقية للحرية، حب يحافظ على التوازن بين احترام الذات والانفتاح على المحيط وعلى هذا الأساس يصبح العقل امتدادًا للقلب، حيث تنسجم العاطفة مع المنطق لتنتج رؤية فنية وإنسانية متفردة قادرة على قراءة الواقع بعين ثاقبة وفهم الحياة بمعايير تتجاوز المشاهدة السطحية.
أما النجاح، فتراه أكثر من لحظة توهج أو لقب يُمنح بل إنه سيف ذو حدين و تجربة مستمرة بين الرضا والشك، بين الإنجاز والوعي بما حولها ، إذ لم تطمح إلى الشهرة كغاية بل إلى التمثيل كرسالة، لتكتشف أن الاعتراف الداخلي بصواب الطريق الذي سلكته يفوق أي تقدير خارجي. كما علمتها التجربة أن الثقة بالنفس والصبر الموجه بعقل مدرك والتعامل مع الإحباط كمنصة لإعادة البناء، هي أدوات الوصول الحقيقي. في هذا الإطار، يصبح الفشل محطة للتأمل وإعادة ترتيب الأولويات، ليبقى الإنسان قادرًا على مواجهة الحياة وفهمها من أعماقها .
ومع استمرار الحوار، برزت بداية مسيرة باميلا الكيك كخطوة طبيعية في مسار متكامل لاكتشاف الذات ، كانت مشاهدها الأولى بسيطة وأدوارها الثانوية متواضعة، لكنها لم تنظر إليها على أنها مجرد نقاط عابرة، بل كمحطات لصقل الخبرة وفهم آليات الفن من الداخل. دخولها عالم التمثيل بعمر الثامنة عشرة لم يكن مجرد خطوة على سلم الشهرة، بل إعلانًا صامتًا عن شخصية متماسكة وعن صوت فني ووعي بالمسؤولية وقدرة على مواجهة اختيارات المنتجين والتحديات التي تفرضها المهنة دون التفريط بمبادئها أو بالهوية التي اختارتها لنفسها.
ومن هذه البوابة بدأت رحلتها تتحول إلى لوحة من الأداء والوعي حيث تتناغم الحرية الشخصية مع الالتزام الفني لتصبح كل تجربة جديدة امتدادًا للسابقة. في صميم هذه الرحلة كانت الجرأة محورًا لا يمكن تجاوزه ، الجرأة على الاعتراف بالاختلاف و على مواجهة الانتقادات والتنمر، وعلى التعبير عن الذات في مجتمع ما يزال يميل إلى حصر المرأة ضمن أطر محددة. لم تكن الجرأة مجرد سمة عابرة بل أداة لفهم العلاقات وفك رموز العالم المحيط، وإعادة رسم مفهوم النجاح وفق معايير شخصية قائمة على الصدق والمثابرة والالتزام، بعيدًا عن التملق أو السباق على المراكز.
وعندما انفتح الحوار على مفهوم السلطة، بدا واضحًا أن رودولف لا يلامس السؤال بوصفه امتحانًا بل بوصفه مدخلًا لكشف الجوهر . فالمسألة بالنسبة لباميلا لم تكن يومًا امتلاك سلطة على الآخرين بل إمساك زمام ذاتها في وسط لا يرحم هشاشة المواقف ولا التباس الهوية. منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها هذا المجال، نسجت علاقتها معه بقدر من العناد الإيجابي أي عناد يحرس مبادئ لا تتبدّل، ويُبقي صوتها كما هو من دون تدرّب على ما يفترض أن يُقال سواء كانت أمام الكاميرا أو خلفها. ولطالما شكّل هذا الثبات قوة صامتة منحتها نوعًا من السلطة الداخلية ، سلطة لا تُمنح بل تُكتسب عبر البقاء وفيًّة لنواة الذات.
ومع انتقال الحديث إلى ما هو أبعد من السطح، بدا أن خلف هذه الصلابة عوالم مركّبة تتجاور فيها الحواس مع التفكير والسرعة الذهنية مع الحاجة المستمرة للضبط. ومع التعمّق أكثر في هذه الطبقات الداخلية تبرز خصائص متشابكة بين فرط الانتباه وتقلّبات الإدراك ودرجات من الحساسية التي تضعها على تماس مباشر مع ما لا يراه الآخرون. ورغم حدّة هذه السمات،لم تُقِم حولها جدارًا يحجبها بل سمحت لها بأن تشكّل طبقتها السرّية في فهم العالم وبدل أن تخضع لثقلها حوّلتها إلى منظار يوسّع إدراكها للأداء وللناس وللنبرة الخفية وراء كل كلمة .
وبين محطة وأخرى، أخذ الحوار يكشف كيف نسجت باميلا من هذه الخصائص علاقة مختلفة مع ذاتها ، علاقة لا تبدأ بالخجل مما تحمله ولا تنتهي بالاتّكال على علاج يطمس جوهرها. بل اختارت أن تعمل على نفسها ببطء وصبر وأن تعيد تنظيم تفاعلها مع العالم من دون أن تُلغي طبيعتها ، وأن تتقن فنّ التعايش مع اختلافها بدل التخلّص منه. وهكذ تحوّلت تجربتها الشخصية إلى مساحة مواجهة بلا ضجيج ، مواجهة مع مجتمع يميل إلى التبسيط ومع وسط يشتهي الصور الجاهزة.
وفي جانب آخر من تجربتها، يتجلّى في مسار علاقتها بزميلات المهنة حساسية الوسط الفني بدقة، حيث تبني علاقاتها على الاحترام والتقدير المتبادل مع وعي كامل بديناميكيات التنافسية في المجال من دون الانجرار وراء الصراعات السامة أو المناوشات غير الضرورية.
هذا الوعي يسمح لها بالملاحظة الدقيقة والتقدير الموضوعي لكل من حولها مع فهم كيف يمكن أن تتفاعل الأدوار والصفات الشخصية في بيئة تتسم بالتحدي والإيقاع السريع.
أما عن جديدها ، فتتجه الكيك نحو تجربة جديدة من خلال مسلسل “لوبي الغرام” المقرر عرضه خلال السباق الرمضاني والذي يمثل أول خوض لها في عالم الكوميديا ، هذه الخطوة تعد امتدادًا طبيعيًا لمسارها اذ توسع مداركها التمثيلية وتمنحها مساحة لاستكشاف أساليب أدائية مختلفة في إطار فريق متجانس يساهم في خلق بيئة عمل متكاملة تعزز التجربة الإبداعية.
مع انتقال الحوار إلى الواقع السياسي، أكدت باميلا على موقفها الثابت من المبادئ مشيرة إلى أن الخيانة وبيع القيم أمر لا يغتفر مهما توفرت الإغراءات. كما صرحت بانها تشعر بحضور السيد حسن نصر الله بمقامه وأثره . اما على الصعيد الداخلي فعبّرت عن ارتياحها لتولي الرئيس جوزيف عون منصب رئاسة الجمهورية معتبرة هذه الخطوة مؤشرًا لبداية أمل، كما لفتت إلى أن إعادة لبنان إلى مكانته يبدأ من الداخل وذلك من خلال تعزيز التوازن الوطني بين اللبنانيين قبل الانفتاح على الخارج .
بالتوازي مع ما سبق وفي قلب هذا الحوار ، يظهر رودولف هلال كعنصر محوري يُعيد ترتيب الحوار ضمن نسق معرفي دقيق، حيث لا يقتصر دوره على طرح الأسئلة بل يتعداها ليصبح وسيطًا بين المتلقي وعمق شخصية النجمة . ومن خلال سؤاله المدروس تتكشف طبقات الحوار تدريجيًا وتتعالى الأصوات الخفية للوعي والفن لتتحول الإجابة من مجرد ردّ إلى مساحة تحليلية تحمل أكثر من بعد واحد. إلى جانب ذلك، يُمكن رؤية طريقة إدارته للحوار كفن قائم على الانتباه للتفاصيل الدقيقة و لفهم التوازن بين الصمت والكلمة ، بين التعبير والالتزام، بين المعلَن والخفي ، بما يجعل اللقاء تجربة معرفية متكاملة.
أخيرًا، تتبدّى صورة باميلا الكيك كصوتٍ فني يوازن بين وضوح الموقف وعمق التجربة وبين رغبتها في تحقيق ذاتها والتزامها بما يفرضه العمل الدرامي من مسؤوليات. وفي المقابل يتيح حضور رودولف هلال بمنهجيته المتروّية وأسئلته المتزنة إطارًا يكشف خطوط شخصيتها وتفاصيل رؤيتها من خلال مسار حواري يقوم على الدقة والإنصات. هكذا يتحول اللقاء إلى مساحة تُقاس فيها المسافة بين الفنان وذاته وبين الواقع والتوقع، ليبقى ما تقدّمه الكيك دليلاً على أن الفن ليس حضورًا لحظيًا بل مسار وعي يتشكل ويتغيّر ويستمر في طرح الأسئلة التي تمنح التجربة معناها الأعمق .






























