رعى رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام صباح اليوم في السرايا مؤتمر ” زراعة القنّب بين الواقع والمرتجى” في حضور وزراء الداخلية والبلديات العميد احمد الحجار، العدل عادل نصار، الصناعة جو عيسى الخوري ، بالإضافة الى عدد من النواب والمعنيين.
استهل المؤتمر بالنشيد الوطني ثم كانت كلمة وزير الزراعة نزار هاني الذي قال: “نقف اليوم على أعتاب تحوّل وطني في مقاربة الدولة للزراعة والاقتصاد، حيث يُصبح الابتكار في صلب السياسات العامة، ويُعاد الاعتبار للأرض كمصدر للنمو لا التهميش.إننا لا نُطلق اليوم مجرّد قانون، بل نُرسي معًا رؤية متقدمة تُؤمن بأن الزراعة يمكن أن تكون مدخلًا للنهوض الاقتصادي، وشريكًا حقيقيًا في التنمية المستدامة، وصلة وصل بين الريف والإنتاج، بين الطبيعة والصناعة، بين الأرض والسيادة. إن إطلاق مسار تشريع زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية ليس خيارًا تقنيًا فحسب، بل مسؤولية وطنية كبرى، نُدرك حجم حساسيتها، لكننا نعي في الوقت نفسه إمكاناتها الواعدة إذا ما أُديرت ضمن أطر واضحة من الحوكمة، والعلم، والتنظيم، والشفافية. وأود بدايةً أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى دولة رئيس مجلس الوزراء، لا على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر فحسب، بل على دعمه الدائم والفاعل للقطاع الزراعي، وعلى حرصه الثابت في كل محطّة على أن تكون الزراعة أولوية وطنية في السياسات العامة، والخطط الاقتصادية، ومشاريع الإنماء المتوازن”.
أضاف:”لقد أقرّ مجلس النواب، مشكورًا، القانون المتعلق بتنظيم زراعة القنب، وتعمل الحكومة اليوم على استكمال تشكيل الهيئة الناظمة، التي ستُعنى بتطبيق هذا التشريع وفقًا لأعلى المعايير العلمية والإدارية. ومن موقعها المتقدم، تُعلن وزارة الزراعة عن جهوزيتها الكاملة للمواكبة الفنية والدعم التقني والتخطيط الاستراتيجي، بما يضمن حسن تطبيق هذا القانون وتحقيق أهدافه الاقتصادية والتنموية والاجتماعية. نُشدد هنا على أن ما نُطلقه اليوم ليس مجرد زراعة جديدة، بل قطاع إنتاج متكامل، يمتد من الحقول إلى المصانع، ويطال صناعات دوائية متقدمة، وتطبيقات تجميلية، واستخدامات إنشائية وزراعية وغذائية، تعتمد على الألياف الطبيعية والزيوت والنسيج والمركّبات العضوية عالية الجودة. إنه قطاع استثماري ناشئ على مستوى العالم، ولبنان يملك فيه فرصًا حقيقية للتميز، إذا ما استثمر في خبراته، ومزارعيه، وإمكاناته العلمية والبيئية”.
تابع: “تأتي هذه المبادرة ضمن رؤية شاملة تتبناها وزارة الزراعة، تقوم على تحديث الخارطة الزراعية الوطنية، بما يتلاءم مع التغيرات المناخية، والضغوط البيئية، وتحديات الأمن الغذائي، ومفاهيم الاقتصاد الأخضر. وفي هذا السياق، فإن تنظيم زراعة القنب يشكّل أحد المحاور الجديدة التي تهدف إلى تنويع الإنتاج، وتحقيق دخل مستدام للمزارعين، وتعزيز التوازن بين الجدوى الاقتصادية والعدالة البيئية. نحن نؤمن أن المزارع اللبناني هو العمود الفقري لهذا المشروع، كما لكل مشروع إصلاحي في الزراعة. لذلك، تلتزم الوزارة بدعمه وتمكينه، عبر برامج التدريب، ونقل المعرفة، والمرافقة التقنية، وتطوير سلاسل القيمة، وضمان حقوقه القانونية والاقتصادية. وانطلاقًا من شعارنا الوطني: “الزراعة نبض الأرض والحياة”، نؤكد أن هذه الخطوة ليست مجرّد مبادرة اقتصادية، بل رؤية نحو مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا، نحو بيئة أكثر توازنًا، ومناطق أكثر حضورًا في الخريطة الوطنية”.
وقال:”أيها الحضور الكريم، إننا اليوم لا نُطلق فقط مسارًا قانونيًا، بل نؤسس لمسؤولية جماعية. نعم، ثمة تحديات، ولكن ثمة أيضًا فرصًا حقيقية. وسنُدير هذا المسار بجدية وعلم وشراكة، ضمن نهج تشاركي بين الدولة ومؤسساتها، والبلديات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمزارعين، ليكون هذا التشريع نموذجًا يُحتذى، لا مكان فيه للارتجال أو الفوضى، بل للشفافية والتنظيم والرؤية العلمية. في هذا السياق، وبتوجيه مباشر من دولة الرئيس، أُجريت المقابلات مع المرشحين لشغل مركزَي الاختصاص في الهيئة الناظمة، حيث بلغ عدد المتقدمين 96 مرشحًا. وقد تمّت هذه العملية وفق معايير مهنية دقيقة، وضمن آليات شفافة، وسيُرفع إلى مجلس الوزراء قريبًا أسماء المرشحين الثلاثة الأوائل، ليُصار إلى اختيار الأكثر كفاءة بما يؤمّن انطلاقة رصينة وفعّالة لهذا القطاع الحيوي. تحية لكل مزارع لبناني تشبّث بأرضه رغم الأزمات.تحية إلى المناطق التي انتظرت طويلًا فرصًا عادلة. تحية لكل من آمن بأن الزراعة ليست مهنة فقط، بل ركيزة في بناء الدولة”.
سلام
ثم تحدث الرئيس سلام وقال: “أشكر دعوتكم الكريمة، ويسعدني أن أشارك في هذا المؤتمر الهام الذي يتناول مسألة وطنية دقيقة تجمع بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب نقاشًا علميًا وتشريعيًا هادئًا ومسؤولًا. ينعقد المؤتمر في توقيت محوري ضمن مسار السياسات التنموية التي تعتمدها الحكومة لإعادة بناء الاقتصاد على أسس منتجة، عادلة، ومستدامة. وفي قلب هذه الرؤية، تحتل الزراعة موقعًا مركزيًا بعدما كانت لسنوات ركيزة منسية، لكنها اليوم تعود لتكون، كما تقول حملة وزارة الزراعة، “نبض الأرض والحياة”. من هذا المنطلق، تنظر الحكومة إلى زراعة القنب، بوجهيها الطبي والصناعي، كقطاع واعد لم يعد محظورًا أو هامشيًا في السياسات العامة، بل أصبح في عدد متزايد من الدول رافعة اقتصادية وتنموية تخلق فرص عمل، وتعيد الحياة إلى المناطق الريفية المهمشة، ضمن إطار قانوني ورقابي صارم.
أقرّ مجلس النواب عام 2020 القانون الرقم 178، الذي شرّع زراعة القنّب للأغراض الطبية والصناعية. خطوة متقدّمة وضعت لبنان في مصاف الدول الساعية إلى الاستفادة العلمية والاقتصادية من هذا القطاع. غير أن الترجمة العملية لهذا القانون ما زالت تواجه بعض التعقيدات التنظيمية والمؤسساتية، التي نسعى إلى معالجتها بتنسيق محكم وجهد مشترك بين السلطات المعنية”.
أضاف:”نصرّ على المضي في هذا المسار لأننا نواجه فرصة تنموية حقيقية، من شأنها أن تترك أثرًا مباشرًا في ثلاثة مجالات رئيسية:
أولًا: على المستوى الاقتصادي والإنتاجي يتيح هذا القطاع إنشاء سلسلة قيمة متكاملة تشمل الزراعة، والصناعة الدوائية والغذائية، والتكنولوجيا الحيوية. وهو قادر على خلق فرص عمل نوعية، خصوصًا في المناطق الريفية، وتحفيز الاستثمار في البحث والتطوير. وتشير التقديرات إلى أن هذه الزراعة، إذا ما أُديرت بمهنية وشفافية، قادرة على تحقيق إيرادات تفوق مليار دولار سنويًا عبر الإنتاج المباشر، والصناعات التحويلية، والتصدير.
ثانيًا: على مستوى العدالة الاجتماعية والتنمية المناطقية لطالما عانت مناطق مثل البقاع التهميش وغياب البدائل الاقتصادية. تنظيم هذا القطاع بشكل عادل ومدروس يمكن أن يشكّل رافعة تنموية تُشرك آلاف العائلات في دورة قانونية منتجة، وتمنحهم بديلًا حقيقيًا عن اقتصاد الهشاشة. وهذا يستدعي نموذجًا شفافًا في توزيع التراخيص، ودعمًا فعليًا لصغار المزارعين، بعيدًا عن الاحتكار والمصالح الضيقة.
ثالثًا: على المستوى الصحي والبحثي تؤكد الأدلة العلمية الاستخدامات الطبية المفيدة لمركّبات القنب، خصوصًا في علاج أمراض مزمنة أو مستعصية. ويمكن للبنان أن يتحوّل إلى مركز إقليمي رائد في تصنيع الأدوية المستخلصة من القنّب، ما يعزز الأمن الدوائي، ويدعم الابتكار، ويخفّف من كلفة الاستيراد”.
تابع: “القضية إذًا ليست قضية زراعة نبتة، بل مشروع متكامل لبناء قطاع اقتصادي حديث ومتعدد الفوائد. ونحن في الحكومة نعمل على استكمال الإطار التنفيذي لهذا القانون عبر:
1. تشكيل هيئة ناظمة مستقلة تشرف على كامل سلسلة الإنتاج والتسويق، وقد تم هذا الأسبوع اختيار أول عضوين من أعضائها بموجب آلية التعيينات المعتمدة.
2. إصدار المراسيم التطبيقية بالتشاور مع الخبراء والمعنيين.
3. تطوير منظومة رقابية فعالة تضمن الامتثال للقانون وتحقيق أهدافه”.
أضاف:”نحن لا نريد لهذا القطاع أن يتحوّل إلى مساحة للفوضى أو الاستغلال أو الإقصاء، بل إلى نموذج جديد من الاقتصاد الإنتاجي المسؤول الذي يوزّع الفرص بعدالة، ويستند إلى المعرفة والتخطيط السليم، ويعيد الثقة بالدولة. في بلد صغير كلبنان، يواجه أزمات مزمنة وتحديات بنيوية، لا خيار أمامنا سوى الاستثمار في طاقاتنا الذاتية، وفي مواردنا البشرية والطبيعية. وزراعة القنب، ضمن القانون وتحت إشراف علمي صارم، تمثل فرصة حقيقية لإطلاق قدرات مناطقنا الزراعية وبناء اقتصاد منتج، مستدام، وغير ريعي”.
ختم:” “أتوجه بالتحية والتقدير إلى كل من ساهم في الوصول إلى هذا اليوم، وأخص بالشكر معالي وزير الزراعة وفريقه، الذين يثبتون أن الزراعة ليست قطاعًا هامشيًا، بل هي قلب لبنان الأخضر، ومحور نهوضه الاقتصادي والاجتماعي.
وأتمنّى أن تكون نقاشاتكم اليوم خطوة فعلية نحو تطبيق هذا القانون، بما يعكس طموحات اللبنانيين، ويواكب التحوّلات العالمية”.
ثم قدم وزير الزراعة درعا تكريمية للرئيس سلام.
