خصصت الصحافة الإيطالية صباح اليوم مساحة واسعة للقلق الشديد الذي يبديه الكرسي الرسولي إزاء شرعنة استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري .
فان العالم شهد في السنوات الأخيرة، اكثر من اي وقت مضى، تحولات غير مسبوقة بفعل التقدم التكنولوجي السريع، الذي طال مختلف مجالات الحياة، وعلى رأسها المجال العسكري حيث اخذت الدولة العربية لاستخدامها دون حسيب او رقيب . فلم تعد الحروب تُخاض بالأساليب الكلاسيكية فقط، بل أصبحت ساحة اختبار لقدرات الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، والروبوتات القتالية، والأنظمة السيبرانية، ما أحدث تحولًا جوهريًا في جميع موازين القوى العالمية.
الوجه المخيف للذكاء الاصطناعي لا يكمن فقط في قدرته على تحليل البيانات أو محاكاة السلوك البشري، بل في استخدامه خارج إطار الأخلاق والرقابة.
اكثر من مسؤول في الفاتيكان، بمن فيهم قداسة البابا لاوون الرابع عشر، حذروا من استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري والجدول انه يولّد مخاطر عدة، تكون غالباً على حساب السكان المدنيين، ” وهذا الخطر يصبح داهماً أكثر في غياب إطار قانوني ملائم”.
في مقابلة مع موقع “فاتيكان نيوز” تحدث منسق الشبكة الإيطالية للسلام ونزع السلاح فرنشيسكو فينياركا، موضحا أن تطوير ما يُعرف بالأسلحة الفتاكة المستقلة أو الذاتية التشغيل يقوض من إمكانية اتخاذ قرارٍ بشري بشأن استخدامها.
وقال: “‘إن الاستخدام المضطرد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بات يحد من إمكانيات تمييز الإنسان، هذا التمييز الذي يحمل قيمة خلقية أدبية، خلافاً للآلة”.
وأضاف فينياركا: ” خلال السنوات الماضية، ومع تطور استخدام الطائرات المسيّرة اتُخذت خطوات بدلت طريقة خوض الحروب”، موضحا أن “هذه التكنولوجيات لا تُستخدم في المجال الجوي وحسب إنما أيضا في المجالين البري والبحري، وما تزال هذه الآلات خاضعة للتحكّم البشري ولو عن بُعد”، لكنه أشار إلى أن تطوير منظومات ما يُعرف بالأسلحة الفتاكة المستقلة يقود إلى تخلٍ كامل عن العنصر البشري في خوض الحروب، مع أن العالم لم يصل بعد إلى تصنيع رجال آليين أو روبوتات قادرين على القتل.
هذا وشاء المسؤول الإيطالي أن يذكّر بموقف الكرسي الرسولي حيال هذه المسألة، لاسيما وأنه تترتب عليها تبعات خلقية، خصوصا وأن البابا فرنسيس قال في حزيران يونيو 2024 في الكلمة التي وجهها إلى قادة مجموعة دول السبع المجتمعين في بوليا بإيطاليا إنه لا يجوز أبدا أن تقرر آلة ما أن تقتل كائناً بشريا. كما أن البابا الحالي لاوون الرابع عشر متنبه جداً لهذه المخاطر، وقد عبر عن موقف البابا هذا مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك رئيس الأساقفة غابريلي كاتشا عندما أكد أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يقود إلى مستوى من انعدام الثقة لا سابق له، ويطرح في الوقت نفسه تحدياً خطيراً ينبغي أن يوقظ الوعي الخلقي للجماعة الدولية برمتها إذ إن الأسلحة التي يتم تطويرها يمكن أن تُشغل بمعزل عن أي تحكّم بشري، وتتخطي بالتالي كل حدود قانونية، أمنية، إنسانية وخلقية.
الجدير بالذكر حديث لرئيس المنظمة المعروفة باسم “أرشيف نزع السلاح” فابريسيو باتيستيلي لصحيفة “افينيري” الناطقة باسم مجلس الاساقفة الإيطاليين ، الذي ذكّر بأن الأمم المتحدة ستصوت هذا العام على قرار يعبر عن قلقها حيال استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري ويطالب بوضع الأطر القانونية الملائمة. ومع ذلك عبر عن قناعته بأن الدول الأعضاء ما تزال بعيدة وللأسف عن بلوغ اتفاق بهذا الشأن، مشيرا إلى أن بعض البلدان تعارض وضع أطر جديدة باعتبار أن القانون الإنساني الدولي يتطرق إلى هذه المسائل، فيما ترى بلدان أخرى أن هذا القانون الذي وُضع في أعقاب الحرب العالمية الثانية يحتاج اليوم إلى التحديث كي يواكب العصر والتطورات التكنولوجية التي نشهدها اليوم”.
وختم باتيستيلي: “من يتحمل المسؤولية في حال شن الذكاء الاصطناعي ضربة عسكرية أو في حال اتخذ القرار بشنها”.








































