حذّر مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، من أن “الفتنة ليست حدثًا عابرًا في حياة الأمم، بل هي منهج يُدار لإخضاع القلوب والعقول ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ ﴾، لأن أخطر ما يُصاب به المؤمن هو أن يختلّ ميزانه بين الحق والباطل”.
واعتبر في خطبة الجمعة أن “الأمم التي تنصرف عن وحي الله وتستبدل به أهواء البشر، تقع في فتنة الحكم الجاهلي الذي يعيد الإنسان إلى عبودية الأرض بعد أن حرّره الوحي لعبودية الله، فالمعركة ليست على القوانين فحسب، بل على المرجعية التي يُحتكم إليها: أهي وحي الله أم هوى الإنسان؟”.
وقال: “الفتنة اليوم لم تعد تُطلق من منصات الإعلام ومناهج التعليم وموجات التواصل التي تتسلّل إلى البيوت والعقول، وتُلبس الانحلال ثوب الحرية، وتهاجم الثوابت باسم التنوير، وأخطر ما في فتنة الشبهات أنها تلبس لبوس الفكر، وتستعمل مفردات العقل، لتقنع الإنسان أن الخروج على الوحي تحرّر، وأن التمرد على الشرع تنوير، بينما هو انحدار إلى ظلمات الشك والتشظي”.
ولفت إلى أن”دعاة الفتنة ليسوا دائمًا من خارج الأمة، بل قد يخرجون من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يرفعون شعارات الإصلاح وهم يفتحون الأبواب للضياع، يتحدثون باسم الحرية وهم يسلبون الإنسان حريته في أن يبقى مؤمنًا صادقًا، يزرعون الشكّ باسم النقد، وينشرون الانحلال باسم التنوّع”.
ورأى أن “النجاة من الفتن لا تكون بالذكاء وحده، بل بالتقوى التي تُنير الطريق، فالقلب الذي امتلأ بخشية الله يرى الحق حقًا والباطل باطلًا، ولا تغرّه الزخارف ولا تضلّه الشعارات. الفتن لا تُواجه بالاندفاع ولا بالصراخ، بل بالصبر والتؤدة، والابتعاد عن مواطن الاشتباه، فمن تعرّض للفتنة استشرَفته، ومن اقترب منها ابتُلِيَ بها، فالعاقل من يلزم الجماعة ويستعصم بالحق، ويغلق سمعه عن كل ناعق”.
وأكد أن “الوطن يحتاج اليوم إلى حدٍّ أدنى من التوافق حول القضايا الرئيسة التي تهدد استقراره ومستقبل أبنائه، فتوحيد الموقف في هذه المرحلة ليس ترفًا سياسيًا بل ضرورة وجودية تقي البلاد من الفوضى”.
ودعا إلى “إعادة الودائع إلى الناس، وتحسين الرواتب، وإعطاء الموظفين والعمال حقوقهم، ليست مطالب معيشية معزولة، وإنما هي استحقاقات عدالة اجتماعية تحفظ كرامة المواطن، وتعيد الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة”.
وختم المفتي الرفاعي مشيرًا إلى أن”غزة تخوض اليوم مواجهة من نوعٍ آخر، وتستلزم من الأمة كلّها مناصرة صادقة بكل أشكالها: بالكلمة والموقف والدعم السياسي والإعلامي والإنساني، لأن معركة غزة هي معركة الحق، ولأن الوقوف مع المظلوم فريضة لا يسع أحدًا التخلي عنها”.






































