Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

في ذكرى وفاة خاتم النبيين (ص) هل رحل الرسول من دون وصية ؟: بقلم السيد صادق الموسوي

 

 

 

في ذكرى وفاة خاتم النبيين (ص)
هل رحل الرسول من دون وصية ؟
يحل علينا في يوم الثامن والعشرين من شهر صفر من كل عام ذكرى وفاة الرسول الأكرم خاتم النبيين وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وآله، وأغلب المسلمين لا يعرفون شيئاً عن تاريخ الذكرى، ولا عن سبب الوفاة، ولا عن الظروف التي أحاطت بالوفاة، وهل كانت الوفاة فجأة أم كانت بعد معاناة من مرض، وهل ترك رسول الله المسلمين من دون وصية مكتوبة أو توصيات شفاهية، وهل وصل المسلمون إلى حد من الرشد ليختارو هم من يخلف رسول ربهم، أم أن رسول الله عيّن الخليفة بالإسم أو بالمواصفات، وما قصة الضجيج والنزاع الذَين حصلا في حضرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وهو طريح الفراش وموشك على الموت، ولماذا لم يراعِ الحاضرون في المجلس حال الرسول المريض، ولم يحترموا قراره، ولم يأتوا إليه بالقلم والدواة ليكتب الوصية التي هي فرض من الله على كل مسلم، ثم إن تلك الوصية كما قال عنه النبي صلى الله عليه وآله كانت ستضمن استمرار الهداية على مدى الزمان وتمنع الأمة من الوقوع في الضلال أبداً بحال تمسكوا بما سيرد فيها ؟.
ثم يأتي السؤال الأهم وهو: لمّا أمر الرسول صلى الله عليه وآله الأصحاب بالخروج من حضرته غاضباً، هل انصرف بعد ذلك كلياً عن كتابة الوصية أو أن من حضر عنده بعد طرده للمشاغبين عليه والمتنازعين لديه فإنهم أتوا إليه بما طلب، وهو كتب وصيته ثم أودعها عند أهل الثقة ممن بقوا في حضرته ؟.
كل هذه الأسئلة والتساؤلات يجب التطرق إليها ومعرفة الأجوبة عليها والملابسات التي كانت تحيط بكل جزء من تلك الأسئلة والتساؤلات، لأن حاضر الأمة مليء بالخلاف ويسوده الشقاق وتمزقه الفرقة واستُبدل الخصام بالإخاء.
إننا نحاول أن نتعمق في التاريخ قليلاً ونغوص في المصادر الموثوقة لدى مختلف المذاهب الإسلامية، لعلنا نجد الأجوبة الشافية لكل واحدة من تلك الأسئلة والتساؤلات.
إن أول ما يجب الإلتفات إليه هو سبب عدم معرفة أغلب المسلمين بتاريخ وفاة خاتم النبيين، وهو الذي منّ به الله على المؤمنين، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وأنقذهم من الجاهلية والتخلف، ونقلهم من الضلال إلى الهدى.
وكيف أن أهل كل فقيد ذي موقع يواصلون إحياء ذكراه كل عام لأجل أن يعيدوا التذكير بشخصية ذلك الفقيد ويُبينوا فضائله ويُعددوا إنجازاته، لكن الأمة الإسلامية مع الأسف نسيت نبيها حتى قبل أن يوارى جثمانه في الثرى، إذ سرعان ما اختلفوا فيمن يرتقي منبره ويتبوّء منصبه ويتسلم مهامه، حتى أن أحد اليهود لما رأى شدة الخلاف بين الذين صاحبوا النبي صلى الله عليه وآله سنوات والمقربين منه ولا يزال جثمان الرسول لم يُدفن، فقال مخاطباً أمير المؤمنين علياً عليه السلام: ” ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه “، فأجابه علي عليه السلام: ” إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: ( اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) “.
ثم إن وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بحسب الروايات الموثوقة لم تكن إلاّ بسبب آثار السمّ الذي دسّته بعد فتح خيبر إمرأة يهودية في ذراع كبش أهدته إليه، وقيل أن الذراع تكلم قبل أن يلتهمه النبي وأخبره بأنه مسموم، لكن آثار قليل السمّ بقيت تعاود الرسول صلى الله عليه وآله كل عام حتى تمكنت منه في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، وذلك نتيجة كبر سنه وضعف مزاجه، فقضى نحبه متأثراً بالسم بناء على الروايات الآنفة الذكر، لذلك صار من الممكن وصف رحيل النبي صلى الله عليه وآله بالشهادة، لأنه لم يأته الموت بفعل مرض أو سكتة قلبية أو دماغية أو ما شابه، بل إنه قُتل مسموماً؛ وهناك ذكر لسبب الموت مسموماً بطريقة آخرى، ولكن لا نريد الخوض كثيراً في هذا الموضوع.
ثم إن الوصية فريضة على كل مسلم كما فريضة الصلاة والصيام حيث استُعملت كلمة ( كُتب ) في آية الوصية ( كُتبَ عليكم إذا حَضر أحدكم الموتُ إن تَرَك خيرًا الوصيَّةُ للوالدين والأقربين )كما في آية الصيام ( كُتب عليكم الصيام كما كِتب على الذين من قبلكم )، فهل يُعقل أن النبي صلى الله عليه وآله والعياذ بالله عصى الله بتركه الوصية حين حضره الموت، أو أنه أراد ذلك ولكن بعض المحيطين به حالوا بينه وبين أداء الفريضة الإلهية.
ثم لماذا أراد النبي صلى الله عليه وآله كتابة وصيته أمام الحاضرين، ولم يكتبها قبل حضورهم ليعلنها بعد ذلك أمامهم، وأيضاً كيف قال رسول الله إنه سيكتب الوصية هو بنفسه في حين كانت كُتبه السابقة كلها من إملائه لكن بخط علي بن أبي طالب عليه السلام أو غيره من الصحابه في حال غياب علي ؟.
إن النبي صلى الله عليه واله لو كان كتب الوصية في الخلاء وأعلنها أمام الحضور لكان من السهل أن يقول الذين في قلوبهم مرض إن أحداً من أهل بيته استغل شدة مرضه وكتب عنه واستعمل خاتمه، ومن ثم أجبره على القبول بما تحتويه الوصية، وكيف يمكن الإستغراب من هذا وقد طُعن الرسول في صحة عقله من بعض الحاضرين لمّا قال: ” إن الرجل ليهجر ” أو بعبارة أخرى: ” قد غلب عليه الوجع ” تعقيباً على طلب النبي صلى الله عليه واله الكتف والدواة لكتابة الوصية، والأعجب أن الرجل ذاك لم يواجَه من جمع الحاضرين بالغضب والتأنيب ولم يقم أحد بإخراجه سريعاً من حضرة رسول الله، بل إنه وجد من يقف إلى جانبه ويؤيده في مقالته حتى كثر اللغط بين الحاضرين ما اضطر الرسول صلى الله عليه واله أن يأمرهم جميعاً بالخروج وبعبارة أخرى أن يطردهم من بيته غاضباً قبيل وفاته، وأية أذية للرسول أكبر منها في آخر لحظات حياته، وفي القرآن الكريم آيات صريحة تنهى عن إيذاء النبي وحتى رفع الصوت عنده، والحال أن الطعن في صحة عقل الرسول وفي مجلسه هو غاية الإيذاء، وكثرة اللغط في حضرته هي أجلى مصاديق رفع الصوت عند رسول الله.
ثم إن الوصية كما يبدو من كلام الرسول صلى الله عليه واله لم تكن لتقسيم أمواله بين ورثته لان حكمه مبين في القرآن الكريم، لكنه كان يريد ضمان استمرار مسيرة الأمة في الصراط المستقيم، والحؤول دون انحرافهم عن هدى الله وانجرافهم إلى الضلال المبين، ما يجعلنا نحن اليوم معنيين بما كان سيكتبه رسول الله صلى الله عليه واله لأن أمتنا تعاني ما تعاني من الفرقة والإختلاف وتعدد الطوائف المتنازعة بسب المنع من كتابة تلك الوصية يوم ذاك، حيث المسلمون اختلفوا في كيفية أداء صلواتهم اليومية المفروضة، فطائفة تُسبل يديها فيها وهي تستند إلى سنة النبي، وآخرون يتكتفون ويقولون بأنهم يتبعون السنة النبوية، لكن طريقة التكتف أيضا ليست واحدة في المذاهب القائلة بالتكتف؛ فكيف يمكن القبول بعد هذا بأن الأمة الإسلامية قبلاً واليوم وحتى قيام الساعة لم ولا تعاني من آثار وتبعات منع النبي صلى الله عليه واله من كتابة الوصية ؟.
ثم إن القبول بأن اللغط والضجيج كان المانع من كتابة النبي تلك الوصية التي ترسم الخط للأمة حتى آخر الدهر ليس منطقياً، لأن رسول الله ومن خلال نص التاريخ قد أمر الذين تنازعوا عنده وخالفوا أمره بالخروج حيث قال؛ ” قوموا عني، ولا ينبغي عند نبي التنازع “، وبقي عنده الذين لم يشاغبوا ولم يردّوا عليه ولم يطعنوه في توازنه العقلي ولم يوجهوا إليه أكبر الأذى في آخر لحظات حياته، وللأهمية الكبرى لأمر الوصية المفروضة على كل مسلم في القرآن الكريم أولاً، ولعلاقة مصير الأمة الإسلامية إلى آخر الدهر بما تحتويه الوصية فلا يُعقل أن يكون نبي الله صلى الله عليه واله والعياذ يالله قد انصرف بتأثير من بعض المشاغبين عن العمل بما كتب الله عليه بنص الآية القرآنية أولاً، وأن يكون ألقى حبل الأمة على غاربها حتى يوم الدين لأن عدداً قليلاً من الحاضرين عنده أثاروا الخلاف، وهو بعد طردهم من حضرته لم يكتب ما يضمن هداية الأمة أبداً ومنعها من التردي في الضلال دائماً، ويبقى السؤال: أين توجد تلك الوصية إذن ؟.
ثم إن الأمر الثابت عند عموم المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه واله قد جمع المسلمين الذي حجوا معه في ” حجة الوداع ” في منطقة ” غدير خم “، وخطب بالناس وقال كلمته المشهورة: ” من كنت مولاه فعلي مولاه “، وذلك بعدما أقرّ الحاضرون بأن النبي أولى بهم من أنفسهم كما جاء في نص الآية الكريمة: ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم )، وقد صافح الحاضرون فرداً فرداً علياً بعد انتهاء خطبة الرسول معلنين بيعتهم وتسمية علي بأمير المؤمنين، لكن بعد مضي شهرين وعشرة أيام من ذلك التاريخ فقط تنازع المسلمون في أمر من يخلف النبي بعد موته، حيث اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعده ليتبادلوا الرأي في الأمر، وجاء ابوبكر وعمر بعد أن علما بالأمر ودخلا على الخط وتقاذفا بينهما أمر الخلافة بعد سدّ الباب على الأنصار، فقد طلب أبوبكر من عمر أولاً أن يمدّ يده ليبايعه، لكن عمر لم يرضَ بذلك بل أخذ بيد أبي بكر وبايعه، ثم دعا الحاضرين في السقيفة إلى الإنضمام إليه، بل قام ومن وافقوه بالإعتداء على المترددين في البيعة وضربهم ومن ثم إجبارهم على أمر البيعة، ومن السقيفة عاد الإثنان ومعهم من بايعوا أبابكر وأرادوا إجبار من لم يبايعوا من المهاجرين والأنصار وعموم بني هاشم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب عليه السلام، لكنهم ووجهوا بالامتناع ومقاومة الضغوط، والباقي مذكور في كتب التاريخ الموثوقة والصحاح من كتب المسلمين جميعاً.
واستغل المنافقون والذين في قلوبهم زيغ خلوّ الساحة واختلاف الأمة فحاولوا الارتداد عن دين الله والعودة إلى الجاهلية الأولى، لكن الإمام علي عليه السلام فضّل حفظ كيان الإسلام على التمسك بحقه في خلافة رسول الله صلى الله عليه واله، وقام بدرء الخطر وساهم مع من تسلموا زمام الأمور في صدّ المتآمرين.
لكن عهد أبي بكر لم يدُم طويلاً بل كانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، ثم تسلم الأمر عمر بن الخطاب بعهد من أبي بكر كتبه له عثمان بن عفان وهو على فراش الموت، فلم يشاغب عليه أمير المؤمنين علي أيضاً حفاظاً على أصل الكيان بل أشار عليه بما يُصلح الأمور في الفتوحات والقضاء بين المسلمين، وبعد طعن عمر واقتراب أجله أمر بتعيين شورى من ستة أشخاص ومنهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وبعد وفاة عمر اجتمع أهل الشورى المعيَنين وتبادلوا الرأي واقتصر الرأي على علي عليه السلام، ولما أبى تجاوز الكتاب والسنة وإضافة بند آخر في نص البيعة مال أكثر الحاضرين إلى عثمان، فقال عليه السلام مقالته المشهورة: ” والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، و زهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه “.
ولما كانت الإعتراضات على عثمان وتفاقمت الأزمات وعمّت النقمة عليه حيث انتهى الأمر إلى فرض الحصار عليه ثم مقتله، فلم يبقَ أمام الأمة غير التوجه نحو علي بن أبي طالب ومدّ يد البيعة إليه، فلم يقبل بأساليب من سبقه في البيعة بل أصرّ على أن لا تكون خفية عن عامة الناس وبمنأى عن عموم المهاجرين والأنصار، فكان تهافت الناس إليه وتزاحمهم على بابه يطلبون منه قبول البيعة وهو يقول: ” دعوني والتمسوا غيري ” لأنه وجد أن الواقع القائم لا يوائم منهجه، وأن الأمة قد ألفت أموراً لا علاقة لها بما أمر الله به، واستأنست بسلوك لا يوافق ما سنّه رسول الله صلى الله عليه واله، وعلم أن الهمّ الأكبر للناس صار أمور الدنيا، ومطلوبهم من الحاكم أصبح تأمين الرغبات للخاصة دون تحقيق العدل لعموم الأمة، لكن الحشد الكبير فرض عليه قبول البيعة، ولم يشذ عنها سوى أنفار معدودون، فلم يجبرهم علي على بيعته بعد أن ضمنوا له عدم إعلان مخالفته، لكن المتضررين من أسلوب العدل العلوي تذرعوا بالعمرة وخرجوا من المدينة وألّبوا الناس على من بايعوه أولاً ناكثين البيعة ومعلنين الحرب ضده، فكان حرب الجمل، ثم جاء دور من كان والياً على الشام وأبى اللحاق بعموم المسلمين متذرعاً بالمطالبة بدم عثمان، فكانت وقعة صفين، وبعد التحكيم فلت الزمام وانقسم الناس وقال البعض بضرورة الخروج على علي عليه السلام، وجمعوا إليهم آلافاً من الغوغاء والسفهاء فكان حرب النهروان، وانتهى أمره أن اغتاله أحد الخوارج وهو ساجد أثناء صلاة الفجر في بيت الله صبيحة التاسع عشر من شهر رمضان.
إن السبب الرئيس لكل التشتت والخصام والحروب كان منع النبي صلى الله عليه وآله من رسم الخط المستقيم لمستقبل الأمة في وصيته، وتحديد المنهاج الذي يجب على المسلمين التمسك به بعد لحوقه بربه، ولو لم يكن التنازع لجهر رسول الله صلى الله عليه واله بما أسرّه لأهل بيته والخاصة من أصحابه، ولعلم عموم الناس بما يجب عليهم فعله ليكونوا على الصراط المستقيم، وليظلّوا سائرين على هدى من الله، وليبقوا إلى الأبد بمنأى عن الضلالة والردى.
وأخيراً أدعو المسلمين قاطبة إلى أحياء ذكرى وفاة الرسول صلى الله عليه وآله كما يجب إحياء ذكرى ولادته، لأن بولادته أشرفت شمس الهداية، وانفتحت أبواب السماء، ونزلت الرحمة على العباد، وبموته انقطعت النبوة وأخبار السماء، وهذا ما أكد عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يخاطب الرسول بعد وفاته: ” بأبي أنت وأمي يا رسول الله: طِبتَ حيّاً وطِبتَ ميتاً، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء واخبار السماء، ومعلوم أن الله عزّ وجلّ قد جعل شرط قبول استغفار المذنبين وتوبتهم انضمام استغفار رسوله لاستغفارهم إذ يقول: ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي