Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

أثيوبيا وإقليم تيغراي… نحو الصراع المسلح أو الانفصال

د. علي سيّد

تكشف التطوّرات الجارية الآن بين إقليم تيغراي والحكومة المركزية في أديس أبابا، والتي وصلت حدّ الاشتباك المسلح، أنّ وحدة ثاني أكبر دولة أفريقية، من حيث عدد السكان والعاشرة من حيث المساحة. باتت على المحك، ويُخشى أن تنزلق أو أنها انزلقت إلى أتون صراع يتمّ فيه استخدام الإثنيات، وهذا سيكون زلزالاً يضرب كلّ دول القرن الأفريقي جراء التداخل الإثني والجغرافي بينها، مما يجعل أمن كلّ منها يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع الأخرى.

سأحاول في هذه السطور تسليط الضوء على ما يجري في أرض إقليم تيغراي، أحد أقاليم إثيوبيا العشرة، والذي يمثل سكانه حوالي 6% من مجموع سكان البلاد، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة يتوزعون بين حوالي 80 مجموعة إثنية.

من التاريخ…

عندما تردّت الأوضاع إبان حكم الرئيس الأسبق منغستو هايلي ماريام ذي التوجهات اليسارية (حليف الاتحاد السوفياتي)، وأدت إلى انتشار مجاعات متعدّدة فتكت بحوالي 8 مليون من سكان البلاد، انطلقت المعارضة المسلحة لنظام منغستو، لكنها حتى 1988 كانت مثل الجزر المعزولة.

فقد ظلت أشبه بالمجموعات المسلحة التي كانت تنتمي إلى قومية محددة تقاتل عبر عمليات صغيرة، والاستثناء الوحيد كان هو الجبهة الشعبية لتيغراي، حيث كانت أكثر تنظيماً، ولديها تحالفات خارجية أبرزها التحالف مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا.

وفي عام 1988 عقد مؤتمر في منطقة داخل الأراضي السودانية، ضمّ ممثلين عن 14 تنظيماً إثيوبياً مسلحاً، وأعلنت هذه التنظيمات أنها ستقاتل موحدة لإسقاط منغستو، وأعطيت قيادة التحالف لتيغراي لأنّ قواتهم كانت الأكثر تدريباً وتسليحاً وتنظيماً.

واستمرّ التحالف يقاتل على مدى 3 أعوام، وعندما اقترب من الإطاحة بمنغستو عام 1990 عقد مؤتمر لندن للمعارضة الإثيوبية برعاية أميركية بريطانية من أجل تنظيم المجموعات المعارضة تحت شعار واحد، ليتفق المؤتمرون مجدّداً على قيادة التيغراي للتحالف على الرغم من وجود قيادات تقليدية لمجموعات قبلية بين المشاركين إضافة للقوات العسكرية والسياسية.

تحالف شعب إثيوبيا

بعد أشهر قليلة دخلت قوات تحالف جبهة شعب إثيوبيا، والذي ضمّ وقتها 14 تنظيماً، واستولى على الحكم ونصب (تاميرات لاينه) رئيساً للبلاد في 28 أيار 1991 وهو من قومية التيغراي، ثم خلفه مليس زناوي (حليف الغرب) في 1995 عقب إجازة دستور جمهورية إثيوبيا الفدرالية.

وشغل زناوي المنصب حتى وفاته عام 2012 ما جعل التيغراي يحكمون إثيوبيا على مدى أكثر من 20 عاماً تحت راية تحالف يسيطر التيغراي على مفاصله، إضافة إلى أن مليس زناوي استطاع السيطرة على التناقضات داخل التحالف مما جعل حتى الذين يتذمّرون من سيطرة التيغراي من المجموعات الأخرى يكتمون الأمر، ولم تظهر الحالة الاحتجاجية على سيطرة التيغراي إلا بعد وفاة زناوي وانتخاب سلفه هايلي مريام ديسالين، والذي ينتمي لمجموعة تحالف شعب جنوب إثيوبيا.

كيف صعد آبي احمد؟

عقب تولي هايلي ماريام ديسالين للسلطة بدأت مجموعات عرقية، وعلى رأسها الأورومو (المجموعة العرقية التي تمثل حوالي 40% من سكان البلاد) التململ من طريقة تقاسم السلطة في الإطار المركزي.

ومثلت حادثة منح الحكومة المركزية لبعض من أراضي الأورومو (جنوب العاصمة أديس أبابا) لمستثمرين، الشرارة التي أطلقت احتجاجات شعبية ظلت تخمد وتصعد خلال الأعوام من 2015 حتى 2017، الأمر الذي أجبر ديسالين على الإستقالة، وبدأت التحالفات تنسج لدعم المرشحين داخل المجلس المركزي للتحالف، والمنوط به اختيار رئيس الوزراء، فاجأت جبهة تحرير الأورومو الجميع بأنها استبدلت رئيسها (لما مغرسا) بالعقيد السابق في استخبارات الجيش آبي أحمد (والده من مسلمي الأورومو ووالدته من مسيحيي الأمهرا)، والذي حصل على دعم الأمهرا (من خلال تفاهمات من وراء الستار مع الأميركان) رغم معارضة التيغراي، وتصويت ممثليهم في المجلس ضدّ أحمد.

هل استهدف أحمد التيغراي؟

وما إنْ صعد رئيس الوزراء الجديد حتى قدّم نفسه رجلاً إصلاحياً للعالم، فقام بإطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين، وفتح للصحافة قدراً من الحرية، وشدّد على أنه يريد محاربة الفساد، وأطلق على عام 2018 في إثيوبيا عام المصالحات.

ولفهم سياسة آبي أحمد أكثر، علينا الاطلاع على سلسلة من الخطوات الأساسية التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية من هذا العام:

8 نيسان دعا آبي أحمد إلى حلّ عاجل لنزاع حدودي بين إقليمي أوروميا (جنوب) والصومال (جنوب شرق) الإثيوبيين، ما تمخض لاحقاً عن إنهاء أزمة حدودية بينهما ظلت ملتهبة منذ أيلول 2017، تسبّبت في سقوط قتلى ونزوح المئات من أوروميا إلى إقليم هرر المجاور، وفق الحكومة الفدرالية، ويتمتع الإقليمان بحكم شبه ذاتي، ويتبعان الكونفدرالية الإثيوبية.

6 أيار: صوّت البرلمان بالأغلبية لرفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ 16 شباط الماضي.

7 حزيران: أجرى آبي أحمد أول تغيير لرئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، في تعديلات هي الأولى من نوعها منذ 17 عاماً، وهي النقطة التي اعتبرها التيغراي استهدافاً لهم كقومية باعتبار أنّ رئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات منذ وصول جبهة شعب إثيوبيا إلى الحكم عام 1991 ظلّ من نصيبهم.

22 حزيران: أعلنت المعارضة الإثيوبية في إريتريا التخلي عن المقاومة المسلحة، وتعليق أنشطتها العسكرية. وقالت إنّ هذه الخطوة تأتي في إطار «الخطوات المشجعة»، التي اتخذها رئيس الوزراء الإثيوبي و»التطورات الإيجابية الكبيرة» التي أحدثها في البلاد. وكان آبي أحمد قد اصطحب مطلع حزيران الماضي في رحلة عودته من القاهرة اثنين من كبار قادة «جبهة تحرير أورومو الديمقراطية» المعارضة، التي تتخذ من إريتريا مقراً لها.

5 تموز: رفع البرلمان الإثيوبي حركات المعارضة المسلحة «قنوب سبات» و»جبهة تحرير أورومو» و»جبهة تحرير أوغادين»، من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد التي أعلنتها الحكومة في يونيو/ حزيران 2011. كما أقرّ البرلمان في جلسة استثنائية عقدت في 20 تموز الماضي قانون العفو العام للأفراد والجماعات قيد التحقيق، أو المدانين بتهمة الخيانة وتقويض النظام الدستوري والمقاومة المسلحة.

9أيلول: عاد إلى إثيوبيا برهانو نيقا «رئيس حركة قنبوت سبات» المعارضة، قادماً من الولايات المتحدة، وبصحبته أكثر من 250 من قيادات وأعضاء الحركة، بعد نحو 13 عاماً قضاها في قتال حكومة أديس أبابا انطلاقاً من الأراضي الإريترية. وقبل ذلك التاريخ بأسبوع، عاد مقاتلون من ائتلاف المعارضة الإثيوبية، المكون من حركة «قنبوت سبات» و»الجبهة الوطنية الإثيوبية» للبلاد.

المصالحة مع إريتريا

إضافة للمصالحة الخارجية مع الجارة إريتريا بعد قطيعة منذ 1998، تاريخ اندلاع الحرب بينهما نتيجة لنزاع على منطقة حدودية، والتي كانت من نقاط التحوّل في علاقة التيغراي مع آبي أحمد، جراء الخلافات العميقة بينهم وبين نظام الجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا بقيادة أفورقي، والحرب التي شهدتها المنطقة الحدودية بين التيغراي وإريتريا، وإعلان آبي أحمد موافقته على تسليم إريتريا المنطقة المتنازع عليها في مثلث (بادمي)، تنفيذاً لحكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 2002 واتفاقية صلح وقعت في العام ذاته بين الدولتين في الجزائر.

تأجيل الإنتخابات…؟

تصاعد الخلاف بين آبي أحمد وإقليم تيغراي عندما أقرّ البرلمان بطلب من آبي أحمد تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقرّرة في حزيران 2020، وتمديد ولاية رئيس الوزراء التي انتهت في أيار، والتي كان من المقرّر أن تجري في آب الماضي، وهو ما اعتبره التيغراي غير دستوري، وأعلنت رئيسة البرلمان ثريا إبراهيم المنتمية للتيغراي استقالتها من منصبها خلال مهرجان خطابي أقيم في عاصمة إقليم تيغراي (مكلي)، وقالت «لست مستعدة للعمل مع مجموعة تنتهك الدستور، إنها دكتاتورية في طور التكوين».

وتبع استقالة إبراهيم استقالات أخرى، كما عقد حزب جبهة شعب التيغراي مؤتمره في حزيران 2020، وخلاله أعلن أنه سينظم الانتخابات في الإقليم بصورة منفردة كما هو مقرّر في آب الماضي، وطالب اللجنة المركزية للانتخابات الإشراف على انتخاباته.

انتخابات التيغراي

وعقب تنظيمه لها ومشاركة حوالي 2,7 مليون ناخب فيها، رفضت الحكومة المركزية في أديس أبابا الإعتراف بها، واعتبرتها غير قانونية وغير دستورية، وردّت حكومة إقليم تيغراي بأنها لا تعترف بالحكومة المركزية باعتبار أنها جسم غير دستوري.

ومثل قرار الحكومة المركزية في أيلول 2020 وقف التحويلات المالية منها إلى إقليم تيغراي أقصى أنواع التصعيد بين الطرفين، واعتبره الإقليم إعلاناً للحرب عليه.

وفي الأسبوع الأخير من تشرين الأول 2020 طالب إقليم تيغراي المجتمع الدولي بالتدخل في الأزمة، ثم ألحق ذلك بالإعلان أنه يتعرّض لتهديد عسكري من الحكومة المركزية، والتي وصفت ما يجري في تيغراي بالتمرد.

وفي الثاني من تشرين الثاني الجاري بدأت الاشتباكات المسلحة بين الجانبين في ظلّ اتهام كلّ طرف للآخر ببدئها.

هل بدأ الطلاق
بين أديس أبابا ومكلي؟

للمرة الأولى في تاريخ البلاد تحدث مواجهة مسلحة مباشرة ما بين إقليم والحكومة المركزية، وما يزيد المخاوف من أن إقليم تيغراي قد يذهب في خطوة أبعد من المواجهة، ويقرر الإنفصال عن دولة إثيوبيا المركزية.

بل إنّ البعض ينحو منحى آخر بأنّ الإقليم قد يقرّر استخدام الحق الذي منحته له المادة (39) من دستور إثيوبيا لعام 1995، والتي تنص بما معناه (لكل شعب من شعوب إثيوبيا حق تقرير المصير والإنفصال غير المشروط).

آبي أحمد والعلاقة
مع الكيان الصهيوني

كشفت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لـ «إسرائيل» نهاية العام الفائت عن وجود أبعاد متشعّبة للعلاقة القوية بين الدولة الإفريقية القابعة في القرن الإفريقي، وبين الكيان الإسرائيلي المحتلّ وعن استمرار التعاون الوطيد بينهما منذ موجات الهجرة التي بثتها إثيوبيا من يهود الفلاشا إلى الأراضي المحتلة، وأنّ هذه العلاقة لم تتأثر بأحداث العنف التي شهدتها «إسرائيل» بعد مقتل أحد الشباب اليهود من أصل إثيوبي على يد ضابط إسرائيلي متقاعد.

لقد صدم كثيرون ممن يعوّلون على رئيس وزراء إثيوبيا ذي الأصول المسلمة في توطيد علاقته بالدول العربية والإسلامية، بمشهد ارتدائه لغطاء الرأس اليهودي في إحدى جولاته خلال زيارته إلى الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي أحدث غصة لدى البعض من جراء هذه الزيارة.

عندما تولى الدكتور آبي أحمد رئاسة الوزراء في بلاده توسّم الكثيرون في المنطقة العربية والإسلامية أن يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية الإثيوبية خاصة ما يتعلق بمسألة التعاون مع الكيان الإسرائيلي، لكنها السياسة التي لا تعرف إلا لغة المصالح والمنافع المتبادلة التي تحرك دفة التوجهات السياسية وفق اعتباراتها بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى!

من هذا المنطلق دفعت مجموعة من الظروف التي تمرّ بها إثيوبيا في الداخل إلى تحرك آبي أحمد بحثاً عن شركاء من خارج منطقة القرن الإفريقي بل ومن خارج القارة الإفريقية كلها، لاستكمال المشروعات المعطلة وتحقيق الإنجازات الإقتصادية التي يطمح لإدراكها من أجل تحقيق المجد الذي يسعى إليه.

في عام 2016 زار رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو العاصمة الإثيوبية ووقع مع رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين عدة اتفاقيات تتعلق بدعم التعاون في مجالات التكنولوجيا والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، والاستثمار. كما دعمت «إسرائيل» وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم المرشح لرئاسة منظمة الصحة العالمية وهو المنصب الذي فاز به عام 2017. وتسعى «إسرائيل» إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع إثيوبيا حيث لا يتجاوز 70 مليون دولار في الفترة الحالية وكذلك حجم الإستثمار والذي لا يتجاوز 58 مليون دولار.

وقد مرت هذه العلاقة بمحطات هامة عبر مراحل تاريخية متتابعة، منها وقوف «إسرائيل» إلى جانب إثيوبيا إبان الحرب مع إرتريا، إضافة إلى تلك الفترات التي بعثت خلالها إثيوبيا بيهود الفلاشا إلى الأراضي العربية المحتلة للانضمام إلى الكيان الصهيوني وذلك منذ عقد الثمانينات مروراً بعقد التسعينات من القرن الماضي والذي شهد وصول 14 ألف يهودي إثيوبي للأراضي العربية المحتلة في 36 ساعة، وصولاً للعقد الأول في الألفية الثالثة والذي شهد تدفقاً كبيراً من المهاجرين الإثيوبيين إلى كيان العدو. وقد أدى ذلك إلى تواجد إثيوبي كبير في ما يُسمّى «المجتمع اليهودي» الذي يشكل 1.7% منه حيث يقدر عددهم ب 140 ألف نسمة طبقاً لبيانات مركز التعداد والإحصاء «الإسرائيلي».

ومع ذلك يشكو الإثيوبيون من كافة أشكال المعاناة وخاصة العنصرية داخل المجتمع «الإسرائيلي»، وهو ما أكدته أحداث تموز عام 2019، عندما قام إثيوبيون يهود بعمليات حرق وعنف انتقاماً من سوء معاملة السلطات الإسرائيلية بعدما قام أحد الضباط بقتل شاب عمره 19 سنة وهو ما عُرف في الصحافة الدولية بـ «أزمة الفلاشا».

جاءت هذه الحادثة بينما تمرّ إثيوبيا بظروف حرجة بسبب ما تشهده من أعمال احتجاجية وأحداث عنف من معارضي آبي أحمد وسط حالة من عدم الرضا الشعبي والتذمّر بسبب عدم الإيفاء بالوعد الخاص بالإنتهاء من أعمال أهمّ مشروع يلتفّ حوله الإثيوبيون وهو «سدّ النهضة»، وذلك نتيجة لأزمات تمويل ومشاكل فنية وسياسية تعرقل المشروع. وكان لـ «إسرائيل» دور خطير ومساع كبيرة لتقديم كافة أوجه الدعم المطلوب للجانب الإثيوبي في هذا الصدد بما في ذلك الدعم اللوجيستي والمالي والفني وأيضاً العسكري، وذلك بعدما تردّد عن وجود تعاون عسكري بين إثيوبيا و»إسرائيل» لتنفيذ أنظمة حمائية للسدّ ضدّ أيّ محاولة لاستهدافه.

من أجل ذلك كانت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للكيان الإسرائيلي العام الفائت، والتي جاءت بعد مرور ما يقرب من شهرين على «أزمة الفلاشا»، وقد تناولت تعزيز التعاون الثنائي في مجال المياه والزراعة والتكنولوجيا والتعليم والصحة وذلك بحسب بيانات رسمية للخارجية «الإسرائيلية».

من ناحية أخرى لقيت زيارة أحمد ترحيباً إسرائيلياً كبيراً لأهميتها في تحقيق أجندة «إسرائيل» المتعلقة بالعودة لإفريقيا وتعميق تواجدها في منطقة حيوية من القارة السمراء وهي منطقة القرن الإفريقي وهو ما اعترفت به «إسرائيل» في بياناتها الرسمية. وهناك التقى أحمد مع نتنياهو كما التقى رئيس كيان العدو رؤوفين ريفلين الذي زار أديس أبابا عام 2018، وعلى هامش هذه اللقاءات قام بزيارة متحف تخليد ذكرى المحرقة «ياد فاشيم» ومديرية الإنترنت الوطنية، وظهر رئيس الوزراء الإثيوبي ذو الأصول المسلمة مرتدياً الطاقية» اليهودية خلال تلك الزيارة!

لا شك أنّ آبي أحمد يتحرك وفق ما يتمتع به من شخصية براغماتية أهّلته للصعود لمنصبه الرفيع كاسراً احتكار إحدى قوميات بلاده لهذا المنصب لسنوات طويلة، كما ساعدته على إدارة شؤون بلاده بتوازن ساعده على تجاوز عدة أزمات خطيرة ومحاولات انقلابية نجا منها بأعجوبة. ووفق هذه العقلية العملية كان تحرك رئيس الوزراء الإثيوبي نحو «إسرائيل» محققاً عدة أهداف بخطوة واحدة أولها غلق ملف أزمة الفلاشا وسدّ الطريق على أيّ فرصة تعكر صفو العلاقة مع «الحليف الإسرائيلي» الذي يحتفظ معه بعلاقة تاريخية قوية وفق ثوابت راسخة في السياسة الخارجية الإثيوبية، لا تتغيّر بتغيّر المسؤولين.

وعلى الجانب الآخر ترى «إسرائيل» في هذا النمط البراغماتي فرصة ذهبية للتعمّق في القارة الإفريقية والوقوف لمواجهة ما تراه من خطر إيراني يتهدّد مصالحها في تلك المنطقة الحيوية، وهي محاولة أيضاً لتطويق المنطقة العربية والسيطرة على المفاصل الجغرافية المهمة ذات الصلة بها.

ويعدّ التعاون الأمني الذي يحرص الطرفان على تطويره من أهمّ وأخطر توابع هذه العلاقة على المنطقة، حيث ترى إثيوبيا في «إسرائيل» شريكاً أمنياً ومصدراً للاستثمار، وهو ما جعل أحمد يقول: «أريد بث الروح فى علاقتنا الثنائية وفق المصالح المشتركة وتوجيهها نحو الشراكة الإستراتيجية»! بينما تعتبر «إسرائيل» أن «أبي أحمد أحد أهمّ القادة الأكثر تأثيراً في القارة السمراء» وفق تصريحات نتنياهو، حيث ترى «إسرائيل في اثيوبيا نقطة ارتكاز مهمة للتوغل في المناطق الحيوية بالقارة السمراء.