Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

ريتا حايك في “وبعدين”: الموقف حين لا يعود خيارًا

نور علي زريق –في ظهورها الأخير عبر بودكاست وبعدين مع الإعلامية رابعة الزيات، لم تكن الممثلة ريتا حايك بصدد التبرير ولا في وارد التنفيس العاطفي. جلست بثبات امرأة خرجت من تجربة دقيقة لا لتبرّرها بل لتعيد ترتيب عناصرها، بهدوء لا يخفي حدّة الأسئلة التي لم يعد ممكناً إرجاؤها.

في ” فينوس” لم تكن ريتا حايك بطلة فحسب ، بل كانت جزءًا من النواة الأولى التي اقترحت النص، دافعت عنه، ورهنت سنوات من مسيرتها من أجل أن يبقى حيًّا فوق الخشبة. لم تكن ضيفة على المشروع، بل واحدة من مكوّناته. وحين عاد العمل إلى الحياة بنسخته الأخيرة، لم تكن هناك. لم تُسأل، لم تُستدعَ، لم تُبلغ. ما بدا غيابًا، وصفته بانقطاعٍ مباغت، كأن خيطًا انقطع دون أن يراه أحد، وكأن الصيغة التي جمعت الرفاق لم تعد قائمة .

ما سُمّي لاحقًا  “سوء تفاهم” لم يبدُ لها كذلك ، لم يكن التباسًا في التفاصيل بل خللًا في الجوهر وخذلان لا صخب فيه لكنه كفيل بأن يبدّل معنى العلاقة ويهزّ ما كان يبدو ثابتًا. بحيث صرحت بهدوءٍ خافت: انطعنت بظهريما وقعت عقد بس كنت موقعة إيمان.”جملة تكشف سقوط ما لا يُدوَّن في النصوص  النية، والثقة، والافتراض الصامت بأن البيت لن يُغلق على أحدٍ من خارجه  ، ورغم أن الندبة لا تزال مفتوحة، اختارت أن تترك للزمن دوره فقد قالت: مع الوقت، رح سامح” ، تصريح مفاده لا إعلان تصالح ولا قطيعة ، فقط هدنة داخلية مؤجلة تنتظر ما يُصلح ما كُسر… أو ما يُعيد المعنى إلى مكانه

وما بدأ كمشهد مسرحي اتّسع في حديثها ليشمل خيبات أكبر. إذ امتدّ الكلام نحو الواقع العربي والخذلان المتكرّر على أكثر من جبهة ، فقد عبّرت عن رفضها للتطبيع بصيغة واضحة لا لبس فيها: فَشِرتوا التطبيع. ربطت الموقف بسياق ذاتي وجمعي في آن، واستعادت مشاهد من طفولتها في لبنان خلال الحرب حيث تحدّثت عن الخطف على الهوية، عن الخوف، وعن التفتّت الطائفي الذي شكّل وجدان جيل كامل. وفي استحضارها لغزّة، لم تلجأ إلى الشعارات بل وضعت المشهد في سياقه الأخلاقي  متسائلة عن غياب الصوت في لحظات لا تحتمل الحياد.

في حديثها عن الوسط الفني، عرّجت على تجارب جمعتها بعدد من الممثلين السوريين من بينهم قصي خولي ومعتصم النهار، مثنية على التزامهم المهني وعلى أدائهم الذي وصفته بالرصين والمنضبط. كما توقّفت عند تجربة خاصة جمعتها بـ فارس الحلو في أحد الأفلام المصوّرة خارج لبنان، مشيرة إلى حوارات غنية جمعتهما تناولت الفن والسياسة وسياقات اجتماعية وثقافية أوسع. ورأت فيه شخصية نقدية واعية، تمارس تأثيرها من دون ادّعاء وتُضيء مناطق رمادية لا يُلتفت إليها غالبًا في الحوارات التقليدية.

وحين جاء ذكر الممثلة باميلا الكيك، أوضحت ريتا أنها تلقت منها اتصالًا هاتفيًا قبل توقيع الكيك لمسلسل آسر، معتبرة أن هذه المبادرة تحمل الكثير من اللباقة والاحترام وتعبّر عن موقف شخصي نابع من أصالة بعيدًا عن الاعتبارات التقنية.ووصفتها بأنها “صريحة، حرّة، وأصيلة”، في إشارة إلى أن التفاهم في هذا الوسط لا يكون بالضرورة مشتركًا دائمًا لكن المواقف الفردية تبقى قادرة على ترميم المسافة.

الأمومة أيضًا حضرت في الحوار، لا بوصفها تفصيلًا حياتيًا، بل كجزء من معادلة متّصلة بمسؤولية داخلية. قالت إنها تخشى تآكل المعايير من حولها، وأن تربية ابنها تمر بالنسبة لها من بوابة القيم لا من الروتين اليومي ، معتبرةً أن الجيل الجديد لا بدّ له من مرتكزات أخلاقية واضحة، وسط عالم تتهاوى فيه اليقينيات ويُعاد تعريف الصواب بحسب المزاج العام.

في حديثها عن المرحلة المقبلة، بدت ريتا هادئة تشير إلى مشاريع جديدة لا تزال قيد التشكّل، من دون أن تدخل في تفاصيلها ومع ذلك، بدا واضحًا أنها تطوي صفحة فينوس بلا مرارة، بل بنية التأسيس على وعي مختلف ، فقد تحوّل الوجع لديها إلى مادة إبداعية والخسارة مهما بلغت قسوتها لم تعد نهاية بل لبنة أولى في مسار أكثر نضجًا .

في كلماتها حضور لا يسعى إلى الإقناع بل إلى الوضوح ، كأنها تعرف أنّ الصدق لا يحتاج إلى مؤثرات إضافية. وحين تتكلّم يبدو أن كل عبارة خضعت لاختبار داخلي ، لا تقول ما يُتوقَّع منها ولا ما يريح السامع بل ما يستقيم مع حسّ داخلي دقيق أشبه ببوصلة لا تعمل تحت الضوء. لم تكن تستعرض سيرة ولا تؤسّس لعتب كانت تتحرّك بين الجُمل كما يتحرّك من يعرف معنى أن يُحسب عليه كلّ حرف. ذلك التوازن بين الحضور والانتباه بين العفوية والضبط، لم يكن من أثر التمرين… بل من أثر التجربة .

“وبعدين؟”، عنوان بدا في هذه الجلسة المفتوحة كأنه سؤال يتجاوز التجربة الشخصية ليمسّ موقع الفنان في مجتمعه وهشاشة العلاقات داخل البيئات الإبداعية وحدود الصمت حين يغدو السكوت شكلًا من أشكال الشراكة. ورغم أن النبرة بقيت هادئة إلا أن ما قيل بين السطور بدا كأنه تذكير لهذا الوسط بأن الكلمة مسؤولية، وأن الفن لا يكون دائمًا ملاذًا بل قد يتحوّل في لحظات كثيرة، إلى الشكل الأخير من أشكال المقاومة .