كتبت صحيفة “الجمهورية”: استمرت الاهتمامات المحلية والإقليمية منصّبة أمس على الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية التي دخلت يومها الثالت، في ظل إصرار الجانبين على المضي بها في غياب أي محاولات أو وساطات عملية إقليمية او دولية لوقفها. فتواصل القصف الجوي المتبادل خفيفاً خلال النار وواسعاً خلال الليل، فيما يسود إجماع في كل الأوساط على أنّ الحرب بنتائجها الراهنة واللاحقة ستنقل المنطقة إلى واقع جديد وتوازنات جديدة.
داخلياً، تركّزت الاهتمامات على الحرب الدائرة وتتبع تطوراتها مع الحرص على استيعاب أي انعكاسات أمنية محتملة لها على لبنان، وعدم إعطاء إسرائيل أي ذريعة لتصعيد اعتداءاتها، خصوصاً في ظل استمرارها اليومي في خرق الاتفاق على وقف إطلاق النار والقرار الدولي الرقم 1701.
وقالت مصادر مطلعة على موقف “حزب الله” لـ”الجمهورية”، إنّ الحزب الذي أصدر بياني تضامن مع إيران وإدانة العدوان الإسرائيلي عليها، حرص على اعتماد الغموض البنّاء في موقفه خلافاً لما أشاعه البعض عمّا يمكن ان يكون عليه موقفه من هذا العدوان، إذ لا مصلحة له ولا للبنان في إعلان أي موقف يمكن أن يعطي إشارات غير مناسبة، في الوقت الذي يستمر الإسرائيلي في ممارسة تهديده وعدوانه على الأراضي اللبنانية ويرفض استكمال الانسحاب من التلال والأراضي التي ما زال يحتلها.
وسجّلت هذه المصادر لإيران “حقها في الردّ على العدوان الإسرائيلي عليها، في الوقت الذي تمارس هذا الردّ مقروناً بحرص على تجنّب جرّ المنطقة إلى حرب شاملة، وقد جاء التضامن العربي والدولي مع موقفها ليدعم حقها المشروع في الدفاع عن نفسها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي تعرّضت له، فيما كانت تخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى حل سلمي لبرنامجها النووي”.
المخاض العسير
وفي غضون ذلك، قالت مصادر سياسية لـ”الجمهورية”، انّ مآلات المواجهة بين طهران وتل ابيب سترسم ملامح الشرق الأوسط وتوازناته لسنوات مقبلة، لافتةً إلى انّ لبنان سيتأثر حكماً بهذا المخاض الإقليمي العسير وما سيسفر عنه.
وأشارت المصادر إلى أنّه وعلى أهمية الملفات الداخلية في الحسابات اللبنانية، الّا انّها تبدو تفصيلاً امام حجم ما يجري في المنطقة، وبالتالي فإنّ الأنظار شاخصة حالياً نحو الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية، لأنّ من شأنها أن تحدّد مصير الإقليم ومساره في المرحلة المقبلة.
ولفتت المصادر إلى أنّ ملف سلاح “حزب الله” سيكون على الأرجح الأكثر تأثراً بما ستؤول اليه المواجهة بين إيران و”إسرائيل”، فإذا استطاعت طهران الصمود حتى النهاية سينعكس مردود ذلك إيجاباً على جميع أطراف محور المقاومة، وإذا حقق الكيان الإسرائيلي انتصاراً فإنّ بنيامين نتتياهو قد يتحول لاحقاً نحو الساحة اللبنانية لمواصلة حربه الواسعة على الحزب واستثمار ما يظن أنّها فرصة تاريخية للتخلص كلياً من خطره.
وضعية استنفار
وخلال الأيام الثلاثة الفائتة، بدا أركان السلطة في وضعية استنفار لتدارك أي انعكاسات سلبية للحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران على لبنان، والتي يكتنفها تشويش الرؤية، خصوصاً أنّ إسرائيل لمحّت إلى احتمال استمرار هجومها “أسابيع عدة”.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية”: “إذا لم تنجح المساعي الديبلوماسية لاستئناف الحوار الإيراني ـ الأميركي في عُمان، فثمة مخاوف جدّية من اتساع دائرة القتال بين الطرفين لتشمل جبهات أخرى تمتلك فيها طهران أوراقاً فاعلة، ومنها لبنان”.
لكن مصادر سياسية مواكبة في بيروت عبّرت أمس عن ارتياحها إلى المسار الذي يسلكه الميدان اللبناني، على رغم التهاب الجبهة الإقليمية. وقالت لـ”الجمهورية”، إنّ “حزب الله” بالتزامه تحييد لبنان عن هذه الحرب بعث برسالة واضحة إلى الحلفاء والأعداء مفادها أن لا مجال لاستعادة كوارث العام الفائت التي تكبّدها “الحزب” ولبنان وحدهما، ولا يزالان”. وأضافت المصادر: “إذا كانت طهران في ذروة قوتها قد اكتفت بإسناد “الحزب” ببعض رشقات الصواريخ على إسرائيل، فيما كان يتعرّض لأشنع الخسائر في قيادته وكوادره ومواقعه وتحصيناته، فمن البديهي أن لا تكون قادرة في الظرف الحالي على إسناده إذا شنّت عليه إسرائيل حملة مماثلة. ولذلك، من الحكمة أن يستمر “الحزب” في وضعية الحياد وعدم التورط، حتى نهاية الحرب الدائرة”.
ترامب
إلى ذلك وعلى وقع استمرار الحرب وغياب اي مساعٍ لوقفها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّه إذا هاجمت إيران الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال، فستواجه قوة الجيش الأميركي “بمستويات غير مسبوقة”. وقال ترامب عبر منصته “تروث سوشيال”، إنّ الولايات المتحدة لا علاقة لها بالهجوم الجاري على إيران، وأنّ “في إمكاننا التوصل بسهولة إلى اتفاق بين إيران وإسرائيل، وإنهاء هذا النزاع الدموي!”.
وفي منشور قال ترامب: “على إيران وإسرائيل التوصل إلى اتفاق، وسوف نتوصل إلى اتفاق… سنصل إلى السلام قريبا”. وفي حديث لـ ABC NEWS، قال ترامب: “من الممكن أن نتدخّل لمساعدة إسرائيل للقضاء على البرنامج النووي الإيراني”، الّا انّه اكّد انّ أميركا ليست متورطة في النزاع بين إيران وإسرائيل. وأضاف: “انخراط الولايات المتحدة في النزاع بين إيران وإسرائيل “ممكن” وإنا منفتح على وساطة بوتين”.
ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين في البيت الأبيض، قولهم إنّ ترامب “لا يزال يحاول منع مزيد من التصعيد في الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل واستئناف المحادثات مع إيران في شأن الاتفاق النووي”، وذلك بعد دعوته لإيران وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق وحديثه عن اتصالات تجرى لهذا الهدف.
وأفادت وكالة “رويترز”، نقلًا عن مسؤولين أميركيين، أنّ ترامب “عارض في اليومين الماضيين خطة إسرائيلية” لاغتيال المرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي.
عراقجي
في هذه الأثناء، قال وزير الخارجيّة الإيرانيّة عباس عراقجي في مؤتمر صحافي أمس، إن “اعتداء الكيان الصّهيوني على إيران لم ولن يكون دون التّوافق والدّعم المباشر من الولايات المتّحدة الأميركيّة، ونحن لدينا وثائق تؤكّد دعم القوّات والقواعد الأميركيّة في المنطقة للهجمات الإسرائيليّة على إيران. وأهم من الوثائق، هي تصريحات الرّئيس الأميركي دونالد ترامب”، موضحًا أنّ “أميركا من وجهة نظرنا هي شريكة في هذه الهجمات، وعليها أن تتقبّل مسؤوليّة أفعالها”.
وأضاف: “ردّينا على العدوان الإسرائيلي في إطار الدّفاع عن النّفس، وهذا حق مشروع بحسب القوانين الدّوليّة”، مشيرًا إلى أنّ “قوّاتنا المسلّحة بدأت منذ ليلتين ممارسة هذا الحق، وأمس شاهدتم أبعادًا جديدةً لهذه الرّدود وهي ستستمر”. وأوضح أنّ “هدفنا من هذه الهجمات الصّاروخيّة هو الدّفاع عن النّفس أمام هذا العدوان الغاشم”، مبيّنًا “أنّنا خلال اللّيلة الأولى استهدفنا المواقع العسكريّة فقط، لأنّ الكيان الصّهيوني كان قد استهدف أهدافنا الاقتصاديّة وبعض المناطق السكنيّة. وأمس، استهدفنا مصفاة النّفط في حيفا”. وشدّد على أنّ “جرّ الاشتباك إلى منطقة الخليج الفارسي هو خطأ استراتيجي كبير، والهدف منه جرّ الحرب إلى أبعد من الحدود الإيرانيّة”، مركّزًا على أنّ “منطقة الخليج الفارسي حسّاسة ومعقّدة جدًّا، وأي تطوّر عسكري فيها يمكن أن يشعل المنطقة وكلّ العالم”، معربًا عن أمله من المجتمع الدولي أن “يوقف هذه العدوانيّة”. وطالب المدير العام للوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة، بـ”الدّعوة لاجتماع يوم الإثنين (المقبل)، لشجب الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النّوويّة في مدينة نطنز”، مؤكّدًا أنّ “المنشآت النّوويّة خطّ أحمر واستهدافها انتهاك خطير، وعلى المجتمع الدولي شجبه”.
وذكر عراقجي “أنّنا في ردّنا على الكيان الصّهيوني ركّزنا على الأهداف داخل الكيان، ونحن لا نريد توسيع رقعة الحرب، وجرّها إلى دول المنطقة إلّا إذا أُجبرنا على ذلك”، مشيرًا إلى “أنّنا كنّا نواصل الطّريق الديبلوماسيّة في ما خصّ نشاطاتنا النوويّة، لكن فُرضت هذه الظّروف علينا. ونحن ندافع عن أنفسنا وهذا (حق) مشروع، وهو ردّ على الاعتداء الّذي تعرّضنا له، تتوقّف الهجمات علينا سيتوقّف دفاعنا أيضًا”.
وأفاد بأنّه “كان من المقرّر أن نكون اليوم في مسقط، ونجري الجولة السّادسة من المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتّحدة”، مشدّدًا على “أنّنا مطمئنون لنشاطاتنا النّوويّة وسلميّتها، ولا مشكلة لنا بإثبات هذه الثّقة لكل العالم، وإذا كان هدف الإتفاق حرمان إيران من حقوقها النّوويّة، فنحن لن نرضخ ولسنا مستعدّين لهكذا اتفاق”.
ولفت إلى “أنّنا أجرينا 5 جولات من المفاوضات، وكان من المقرّر أن نقدّم في الجولة السّادسة مشروعنا لاتفاق محتمل”، مشدّدًا على أنّه “واضح جدًّا أنّ الكيان الصّهيوني لا يريد أي اتفاق نووي، ولا يريد التّفاوض والدّيبلوماسيّة”.
وإلى ذلك، وفي بيان صدر عن الرئاسة الإيرانية قال الرئيس مسعود بزشكيان في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني: “نؤكّد أنّ الحكومة العراقية يجب أن تمارس مزيداً من اليقظة وحماية حدودها ومجالها الجوي، لكي لا تتمّ إساءة استخدام الأراضي العراقية ضدّ إيران”.
من جهته، أكّد السوداني “حرص العراق على عدم اتساع نطاق الحرب”، مشيراً إلى “الحراك الذي تقوده الحكومة العراقية على مختلف المسارات من أجل منع اختراق الأجواء العراقية من قبل إسرائيل”، وذلك وفق بيان صدر عن مكتبه. وأبدى “استعداد العراق لتقديم كل أنواع المساعدات اللازمة لمعالجة آثار العدوان”.
وأعلنت وكالة “تسنيم” عن مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري محمد كاظمي ونائبه حسن محقق والجنرال محسن باقري في غارة اسرائيلية امس.
وأعلن الحرس الثوري الايراني مساء امس، انّ قوات الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري ردّت على هذه العملية “بموجة جديدة من العمليات الصاروخية استهدفت مراكز استخبارات الكيان الغاصب، وذلك في إطار المرحلة الثالثة من عملية “الوعد الصادق 3”. وحذّر “داعمي هذا الكيان الإجرامي” من “إنّ العمليات الفعّالة والمركّزة ضدّ الأهداف الحيوية لهذا الكيان المصطنع ستستمر حتى إزالته بالكامل”.
الموقف الإسرائيلي
وفي المقابل، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” الأميركية، عن تفاصيل العمليات التي تنفّذها إسرائيل ضدّ البرنامج النووي الإيراني، قائلاً: “فعلنا الكثير من أجل ضرب المواقع النووية الإيرانية العميقة تحت الأرض”، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل “دمّرت المنشأة النووية الرئيسية في نطنز”، وأضاف: “سنفعل المزيد إذا لزم الأمر”. وأكّد أنّ “قائد الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني تمّت تصفيته”، وأنّ “البرنامج النووي الإيراني تراجع كثيرًا”، معتبرًا أنّ “إيران تفاجأت تمامًا بهجومنا، والمفاجأة عنصر عظيم من عناصر النجاح”. وكشف أيضًا أنّ الاستخبارات الإسرائيلية “دلّت الى أنّ إيران أرادت نقل الأسلحة النووية إلى الحوثيين”، مضيفًا: “لقد دمّرنا مفاعل أصفهان، ومن دونه لا يمكن الوصول إلى سلاح نووي”. وقال: “اغتيال حسن نصرالله كان جزءًا من تفكيك المحور الإيراني، وحققنا ذلك بالمفاجأة”، وأضاف: “هجومنا على إيران سينتهي عندما نقضي على قدرتها النووية، وسنفعل ذلك”.
وحول المفاوضات، قال نتنياهو: “المفاوضات النووية تستحق العناء إذا تخلّت إيران عن قدراتها على تخصيب اليورانيوم”، مؤكّداً: “سنواصل المهمّة للقضاء على التهديد الإيراني المزدوج المتمثل في برنامجها النووي وصواريخها الباليستية”. وختم: “لن ننتظر حتى نواجه هولوكوست نووية… وهذا لن يحدث”.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير: “إذا لم ندمّر مفاعل فوردو فإنّ العملية ستكون غير مجدية. وتدخّل الولايات المتحدة ضروري لاستكمال أهداف الحرب على إيران”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال جلسة تقييم أمني مع مسؤولين أمنيين وعسكريين: “دولة إسرائيل، الشعب الإسرائيلي فخور بكم. استمروا في تقشير جلد الأفعى… قشروا المشروع النووي، الدفاعات الجوية، الصواريخ، وكل الأهداف، بما في ذلك أهداف نظام الحكم في طهران”. وأشار كاتس إلى أنّ “الضربات في طهران، ضدّ المنشآت النووية، ومواقع إنتاج الأسلحة، والدفاع الجوي، والصواريخ، كانت قوية لتقلص التهديدات الوجودية ضدّ إسرائيل”، قائلاً: “خامنئي يحول طهران إلى بيروت، وسكانها إلى رهائن”. وكشف أنّ “الخطة تسير حسب ما هو مخطط لها بل وأكثر… ونحن، كقيادة سياسية وأمنية، نؤيد وندعم، بالتعاون مع الشعب بأكمله”.
وختم: “من يحاول عبر استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية إخضاعنا وإيذاءنا، سيفهم، رغم الثمن الباهظ، أنّه لن ينجح”.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمني قوله “إنّ توجيه كاتس، بإخلاء السكان في طهران هو جزء من خطة تهدف إلى ممارسة الضغط على النظام وذلك ردّاً على القصف الذي استهدف الجبهة الداخلية الإسرائيلية”.
