كتبت صحيفة “الجمهورية”: تتّجه الأنظار اليوم إلى قمّة شرم الشيخ التي سيرأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، لتثبيت الاتفاق على وقف الحرب في قطاع غزة، بالتزامن مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى منه، وقبلها على خطاب ترامب الذي سيلقيه في الكنيست الإسرائيلي، وما سيُطلق من مواقف حول السلام في الشرق الأوسط، الذي يتحدث عنه. فيما تفاعلت داخلياً الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان، ولا سيما منها الاعتداء التدميري الأخير على منطقة المصيلح، الذي جاء غداة الاتفاق على وقف الحرب في غزة، استناداً إلى خطة الرئيس الأميركي، وأثار مخاوف من أن يكون مقدّمة لعدوان إسرائيلي جديد على لبنان.
وصفت مصادر سياسية هذا التصعيد الإسرائيلي بأنّه قد يكون البديل عن حرب باتت إسرائيل لا تستطيع شنها، لأنّ لبنان هو في هذه المرحلة تحت المظلة الأميركية، وأي حرب عليه بعد الآن قد تحتاج إلى غطاء أميركي جديد. وقالت المصادر لـ”الجمهورية”، إنّ ترامب يحاول تجنّب أي حرب إسرائيلية على لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً انّه نجح في نقل المشكلة إلى الداخل اللبناني، وترك الأمر للجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” التي يُفترض أن تجتمع قريباً في حضور الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس.
سلوك جديد
ولكن ديبلوماسيين يخشون أن تكون الضربة التي وجّهتها إسرائيل إلى منشآت هندسية مدنية في المصيلح – الزهراني بداية تطور جديد في نوعية العمليات في لبنان، بعد الإعلان عن اتفاق وقف النار في غزة، بحيث تتأكّد الشكوك التي سادت في المرحلة الأخيرة، بأنّ إسرائيل عازمة على انتهاج سلوك جديد مع لبنان ما أن ترتاح نسبياً من مشاغلها في القطاع. وهذا ما يذكّر بالمرحلة التي عمدت فيها إسرائيل إلى توسيع الحرب على لبنان، نهايات الصيف الفائت، إذ انتظرت لتبرم اتفاقاً لوقف النار في غزة فتتفرّغ للحرب على لبنان.
وقال هؤلاء الديبلوماسيون لـ”الجمهورية”، انّ مسؤولين إسرائيليين كانوا قد أعلنوا قبل أسابيع، أنّ إنجاز إسرائيل سيطرتها العسكرية على القطاع، ولا سيما منه مدينة غزة، سيتيح لها العودة إلى لبنان بزخم أكبر. وقد يحصل ذلك أيضاً في ضوء الاتفاق الذي تمّ هناك. ما يعني أنّ المرحلة التي يدخلها لبنان ستكون عسيرة إذا لم يتمكن من رسم خطط مواجهة متكاملة، يتمّ التوافق عليها بين الدولة و”حزب الله”، بهدف قطع الطريق على أي عدوان إسرائيلي جديد. علماً أنّ رمزية الضربات في المصيلح تحديداً لا تحتاج إلى تحليل. فكل لبنان بات هدفاً للعدوان وليس “حزب الله” وحده.
شكوى لبنانية
في غضون ذلك، وللمرّة الأولى منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، تحرّك لبنان ضدّ اسرائيل في مجلس الأمن الدولي، متجاوزاً لجنة “الميكانيزم”. فاتصل رئيس الحكومة نواف سلام بوزير الخارجية يوسف رجي، وطلب منه تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن في شأن العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف منشآت مدنية وتجارية في المصيلح، بما يشكّل انتهاكًا فاضحًا للقرار 1701 ولترتيبات وقف الأعمال العدائية الصادرة في تشرين الثاني الماضي.
وعلى الفور أعطى رجي توجيهاته إلى مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتّحدة في نيويورك، بتوجيه الشكوى العاجلة إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، في شأن شنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية أمس الاول غاراتٍ على مجموعةٍ من المعارض الخاصة بالجرافات والحفارات على طريق المصيلح- الزهراني في قضاء صيدا، ما أدّى إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين، وإلى إلحاق أضرارٍ جسيمة يالمؤسسات التجارية المستهدفة. كذلك طلب رجي من البعثة نشر رسالة الشكوى وتوزيعها كوثيقةٍ رسمية على كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
مقام رئاسة الحكومة
وفي المواقف الداخلية، قالت مصادر “التيار الوطني الحر” لـ”الجمهورية”، إنّ الرسالة القوية لرئيس التيار النائب جبران باسيل حول رفض المسّ بمقام رئيس الحكومة، “تأتي ضمن سياسة التيار التفاهمية والمؤمنة بالشراكة والميثاقية، فما لم يقبله التيار في رئاسة الجمهورية لا يمكن أن يوافق عليه في رئاسة الحكومة، خصوصاً في ظل هذه الظروف بالذات”. أضافت المصادر: “أما عن الإشارة إلى اتفاق دفاع استراتيجي مع الولايات المتحدة، فقد وضعتها مصادر التيار ضمن تأكيد مصلحة لبنان وسيادته، كركيزة للتعاطي مع تحولات الوضع الإستراتيجي للبلد، وحماية الحقوق الوطنية الجوهرية في حل معضلات النازحين والتوطين وتحقيق الإستقرار”.
أمناء حقيقيون
في هذه الأثناء، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال قداس الأحد في بكركي، “إنّ وطننا هو بيت يضمّ الجميع، لا يُبنى إلّا بالأمانة والحكمة والعدالة. الأمانة في إدارة شؤون الدولة والناس، والحكمة في اتخاذ القرارات التي تصون الكرامة الوطنية وتحمي الصالح العام، والعدالة في المساواة بين المواطنين وحماية حقوقهم في ظلّ قانون يُطبَّق على الجميع”. واعتبر “إنّ ما يهدّد وطننا ليس فقط الأزمات الاقتصادية أو السياسية، بل أيضًا غياب روح الوكالة الأمينة والحكيمة والعادلة التي تدرك أنّ كل سلطة هي خدمة، وكل موقع هو دعوة إلى العطاء، لا إلى التسلّط أو الإهمال”. وقال: “نرفع النداء من جديد: لبنان يحتاج اليوم إلى أمناء حقيقيين، أمناء على المال العام، على المؤسسات، على الدستور، على وحدة الأرض والشعب، وعلى الذاكرة الوطنية. يحتاج إلى حكماء يميّزون بين مصلحة الذات ومصلحة الوطن، بين المكاسب الآنية والرسالة التاريخية. إنّ الأمانة والحكمة والعدالة في الحياة الوطنية تعني أن نكون أوفياء لرسالة لبنان التاريخية، تلك الرسالة التي جعلت منه أرض لقاء بين الشرق والغرب، وجسرًا للحوار والتعايش، ومنارة للحرّية والكرامة. إنّ الحفاظ على هذه الرسالة يتطلّب من الجميع العودة إلى الضمير الحي، وإلى القيم التي أسس عليها وطننا: العيش المشترك، التعددية الثقافية والدينية، الانفتاح، واحترام الكرامة الإنسانية”.
نهج متكامل
في غضون ذلك، أكد الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم “أنّ المقاومة ليست فقط خيارًا عسكريًا، بل هي نهج متكامل”. وخلال تجمّع كشفي حاشد امتلأت به مدرجات المدينة الرياضية في بيروت وأقامته جمعية “كشافة الإمام المهدي”، وفي ذكرى استشهاد الأمينين العامين للحزب السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين تحت شعار “إنّا على العهد يا نصر الله”. قال قاسم: “المقاومة هي خيار تربوي، أخلاقي، ثقافي، جهادي، وسياسي. هي جهاد النفس والعدو، هي عزيمة وصمود، وهي نهج لكل الفئات: الأطفال، الشباب، النساء، الرجال. إنّها تربية على حب الوطن، وسبيل إلى الاستقلال والكرامة”.
لا أحد مستعد
وقال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في بيان أمس “إنّ الحلّ الوحيد لحماية لبنان واللبنانيين وإخراج إسرائيل، يكمن في قيام دولة فعلية تتولّى مسؤولياتها وتُمارس سلطتها وسيادتها كاملةً. ومن يدعو الدولة في وضعها الحالي وفي ظل المعادلة الراهنة إلى القيام بدورها، إنما يُحرّف الواقع على غرار ما قام به منذ 35 عاماً إلى اليوم؛ فالدولة لن تتمكّن من الاستفادة من صداقاتها العربية والغربية قبل أن تصبح دولة فعلية وقادرة على احتكار القرار”.
وأضاف: “لا أحد مستعدٌّ لمساعدة دولة لا تحتكر قرار الحرب والسلم ولا السلاح، ولا تتولّى مسؤولية الأمن والسياسة الخارجية. المطلوب من البعض، بدلًا من ذرف دموع التماسيح يوميًا، أن يسلّم سلاحه للدولة اليوم وليس غدًا، لتمكينها من القيام بواجبها بوقف هذه الاعتداءات وإخراج إسرائيل نهائيًا من جنوب لبنان”.
قمة شرم الشيخ
على الصعيد الإقليمي والدولي، تُعقد في مدينة شرم الشيخ بعد ظهر اليوم قمة دولية تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام” برئاسة مشتركة بين ترامب والسيسي وفي حضور قادة أكثر من 20 دولة. وأوضحت الرئاسة المصرية، أنّ هذه القمة تهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي.
وقبيل القمة سيقوم ترامب بزيارة قصيرة إلى إسرائيل تتزامن، مع البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتبادل الأسرى بين “حماس” وإسرائيل.
وأكّد مصدر مطّلع لوكالة “تسن?م” للأنباء، أنّ “إيران لن تشارك ف? قمّة شرم الش?خ الّتي ستُعقد غدًا، رغم دعوتها”.
بدوره، ذكر موقع “أكسيوس” الأميركي نقلًا عن مصادر، أنّ “وزارة الخارجيّة الأميركيّة وجّهت السّبت دعوةً رسميّةً لقمّة القادة بشأن غزة، وأنّه تمّت دعوة عدد من الدّول إلى هذه القمّة بينها إسبانيا وإيران”. فيما اعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انّ اسرائيل لن توفد أي ممثل لها إلى شرم الشيخ.
وقالت شوش بدرسيان المتحدثة باسم مكتب نتنياهو لوكالة “فرانس برس”: “لن يحضر أي مسؤول إسرائيلي”.
ساحر يحذّر ترامب
وحضّ الساحر الإسرائيلي البريطاني الشهير أوري غيلير، الذي يصنّف نفسه كوسيط روحاني، ترامب على إلغاء زيارته لشرم الشيخ خوفاً من “اغتياله”.
ونشر غيلير على منصة “إكس”، مقطع فيديو موجّهاً إلى ترامب، قال فيه: “استمع إليّ أيها الرئيس دونالد ترامب – لا تذهب إلى شرم الشيخ، لديّ شعور مريع باحتمالية وجود محاولة لاغتيالك! أتلقى إشاراتٍ سيئة”. وأضاف: “هذه فرصة ذهبية للإرهابيين الإسلاميين – أنتم أكبر جائزة في العالم بالنسبة اليهم! تذكّروا أنّ السادات (يقصد الرئيس المصري الراحل أنور السادات) قُتل على يد أحد أفراد قواته الأمنية. لا أحد يستطيع أن يتمتع بحماية كاملة، حتى أنتم”. وختم: “ضاعفوا طوقكم الأمني واختاروا حراسكم الشخصيين بعناية. لا تتحركوا إلى أي مكان دون حماية أمنية”.
وقال في الفيديو: “هذه رسالة لك دونالد ترامب، إنّه لأمر مدهش أنك قادم إلى إسرائيل. من الرائع أنك ستلقي خطاباً مذهلاً في الكنيست. ولكن من هناك، قد تسافر إلى شرم الشيخ. أرجوك أن تقرأ رسالتي. أنا قلق جداً، قلق جداً. أرجو قراءة الرسالة بكاملها. أقول: لا تذهب إلى هناك. لا تذهب إلى شرم الشيخ. ولكن إذا ذهبت، فتأكّد من أنك محمي، محمي بشكل فائق، ومن كل الجهات حولك. لا تسمح لأي شخص بالاقتراب منك. وكن حذراً. كن حذراً جداً. خصوصاً في شرم الشيخ”، على حدّ تعبيره.
مذكرات التوقيف
من جهة ثانية، وبعد التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة، برزت تساؤلات قانونية ودولية حول مصير مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. وأكّد المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبد الله، أنّ “أوامر القبض لا تزال سارية المفعول، ما لم تتخذ المحكمة قرارًا قضائيًا مسببًا بسحبها”، مشيرًا إلى أنّه لا جديد في ما يتعلق بمذكرات التوقيف، على الرغم من التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على المحكمة.
وبحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”، فإنّ إنهاء الحرب أو إطلاق سراح الأسرى لن يؤدي إلى شطب السجلات القضائية، مشيرة إلى أنّ وضع نتنياهو قد يصبح أكثر هشاشة في حال خروجه من السلطة بعد انتخابات 2026، ما يعني تراجع مظلة الحصانة.
ومن جهته، أوضح الخبير في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، أنّ المحكمة رفضت طعن إسرائيل على اختصاصها، ما يعني أنّ مذكرات التوقيف أصبحت أوامر قانونية ملزمة للدول الأعضاء في نظام روما بتوقيف نتنياهو وغالانت وتسليمهما في حال دخولهما أراضيها. وأكّد أنّ “وقف إطلاق النار لا يلغي المسؤولية الجنائية”، مستشهدًا بتجارب يوغوسلافيا ورواندا بعد اتفاقيات السلام، حيث استمرت المحاكمات.
وتطابق هذا الموقف مع رأي أستاذ القانون الدولي العام محمد مهران، الذي شدّد على أنّ جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم ولا تُلغى بأي تسويات سياسية أو اتفاقات وقف نار، بموجب اتفاقية عدم التقادم لعام 1968 ونظام روما الأساسي.
