كتبت صحيفة “الجمهورية”: الحدث إقليمي؛ المرحلة الأولى من اتفاق غزة يبدو أنّها تسير وفق ما هو مرسوم لها، حركة “حماس” أفرجت عن الأسرى الإسرائيليِّين الأحياء لديها، وإسرائيل في المقابل أفرجت عن مئات الأسرى الفلسطينيِّين من السجون الإسرائيلية. ومن المقرّر إطلاق 1966 من الأسرى الفلسطينيين. ويأتي ذلك بالتوازي مع الاحتفالية اللافتة بهذا الحدث، التي بدأت مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، واستُكمِلت في القمّة الموسّعة التي انعقدت في شرم الشيخ، بمشاركته وحضور مجموعة كبيرة من قادة الدول.
والواضح في هذه الاحتفالية، أنّ الرئيس الأميركي قارب الاتفاق الجاري تنفيذه في غزة، على أنّه يُدخل المنطقة “في عصر ذهبي لإسرائيل وللشرق الأوسط، فهذا اليوم يُشكّل فجراً تاريخياً لمنطقة الشرق الأوسط على غرار ما شهدته الولايات المتحدة من ازدهار وسلام، وما يحدث ليس نهاية الحرب فحسب، بل نهاية عصر الإرهاب والموت، والأجيال القادمة ستتذكّر هذه اللحظة باعتبارها اللحظة التي بدأ فيها كل شيء يتغيّر نحو الأفضل”، وفق ما أعلن في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، الذي تناول فيه الملف اللبناني، معلناً عن “تدمير “حزب الله”، وندعم الرئيس اللبناني في مهمّته لنزع سلاح الكتائب الإرهابية لـ”حزب الله” وبناء دولة مزدهرة”.
وأشار ترامب إلى “أنّنا سنطبّق السلام من خلال القوة، ولدينا أسلحة لم يحلم بها أحد، وآمل ألّا نضطرّ لاستخدامها. لقد أنهينا 8 حروب في غضون 8 أشهر، وسأضمّ هذه الحرب إلى القائمة بعودة الرهائن”. وأشاد بدور إسرائيل في استخدام المعدات العسكرية التي قدّمتها الولايات المتحدة، لافتاً إلى اتصالاته المتكرّرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال الأزمة، مضيفاً: “تمكنا من وضع حدّ للدولة الأخطر في العالم، وأنهينا مشروعها النووي بالكامل”، معتبراً أنّ “إيران تعرّضت إلى ضربة قاصمة، وسيكون من الرائع أن نُبرِم اتفاق سلام مع الإيرانيِّين”.
ولفت إلى أنّه لا يُحِبّ الحرب، وأنّ شخصيّته تُفضّل وقف الصراعات، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل في وعودها بعدم نسيان ما جرى في 7 تشرين الأول وعدم السماح بتكراره. وأضاف، أنّ “أمن إسرائيل لن يعود مُهدّداً بأي شكل من الأشكال بعد نزع سلاح “حماس”، والمنطقة بأكملها وافقت على خطة لنزع سلاح حماس”. وشكر “جميع الدول العربية والإسلامية التي توحّدت للضغط على حركة “حماس” لإطلاق سراح الرهائن”، مؤكّداً أنّ “تعاون هذه الدول يعكس رغبة مشتركة في إنهاء العنف وبناء مستقبل من الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وكان ترامب قد أعلن على متن الطائرة الرئاسية الأميركية خلال توجّهه إلى إسرائيل ثم مصر لترؤس “قمّة السلام” في شرم الشيخ: “لا أعتقد أنّ مَن قدّموا لي الضمانات اللفظية بشأن اتفاق غزة يُريدون أن يُشعروني بالإحباط”. واصفاً زيارته إلى المنطقة بأنّها “ستكون مميّزة جداً”، ومعتبراً “أنّ اتفاق السلام في غزة، قد يكون أعظم إنجاز شارك فيه على الإطلاق. سأكون فخوراً بزيارة غزّة، وأود أن تطأ قدماي أرضها”.
أثناء وصوله إلى شرم الشيخ، أكّد ترامب: “أنّ العالم كله متحمّس، وهذه اللحظة تعني السلام للشرق الأوسط”، معتبراً أنّ “اتفاق غزة ما كان ليحدث لو كانت إيران تمتلك سلاحاً نووياً”.
وفي كلمة له في الكنيست، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “ما من رئيس أميركي فعل من أجل إسرائيل مثل ما فعله ترامب”، ووصفه بـ”أعظم صديق حظِيَت به إسرائيل”، مشيداً بالدور الذي لعبه في ملف إعادة الأسرى، ومؤكّداً أنّ إسرائيل أعادت جميع المختطفين الأحياء، وتعمل على إعادة جثامين القتلى. وأعلن أنّه “ملتزم بتحقيق السلام وفق خطة ترامب. الحكومة تُدرك الدور الحاسم الذي لعبه ترامب في إعادة الأسرى”، معرباً عن شكره له على “وقوفه إلى جانب إسرائيل في وجه الأكاذيب التي تعرّضت لها في الأمم المتحدة”، وعلى “اعترافه بحقوق إسرائيل التاريخية في الضفة الغربية. إنّ السنوات المقبلة هي سنوات السلام داخل إسرائيل وخارجها”، مشيراً إلى أنّ “يحيى السنوار ومحمد الضيف واسماعيل هنية وحسن نصرالله وبشار الأسد جميعهم رحلوا. أمدّ يد السلام إلى كلّ مَن يُريد السلام معنا”.
ونقلت القناة 12 العبرية عن نتنياهو قوله بعد وصول الرئيس الأميركي إلى تل أبيب: “إنّ الحرب انتهت”. فيما كان قد أدلى بموقف مناقض قبل ذلك، أعلن فيه “الانتصار في الحرب”، إلّا أنّه أشار إلى أنّ “المعركة لم تنتهِ بعد”، زاعماً أنّ “بعض أعداء إسرائيل، يحاولون التعافي واستعادة قدراتهم”.
ترحيب
أثار هذا الحدث موجة إشادات واسعة على المستوى العالمي، وأجمعت المقاربات على الترحيب بالاتفاق وتبادل الأسرى. وبرز في هذا السياق، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ بلاده مستعدة للانخراط الكامل في الجهود الدولية الهادفة إلى تثبيت الاستقرار في القطاع، مشيراً إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد “عملاً مشتركاً” يضع الأسس لحل سياسي طويل الأمد، قائم على دعم السلطة الفلسطينية وتنفيذ مبدأ حلّ الدولتَين.
ترقّب حذر
في موازاة الحدث الفلسطيني، يتموضع الداخل اللبناني على منصّة التأرجُح بين الترقّب القلق لما قد يَلي اتفاق غزة من ارتدادات عليه، وبين الاستهدافات الإسرائيلية المتتالية والإعتداءات المتمادية، وسط مخاوف جدّية من أن تنتقل إسرائيل بعد انتهاء حرب غزة إلى التصعيد على جبهة لبنان، ومحاولة فرض وقائع أمنية عليه، ولاسيما في المنطقة الجنوبية، وبين التخبّط في الإشكالات السياسية التي تُنذِر بالصدام على الملفات الخلافية، سواء ما يتصل بسلاح “حزب الله”، أو بالاستحقاق الانتخابي الذي فُتحت ساحته لمعركة قاسية حول قانون الانتخابات النيابية، شرارتها كامنة في تصويت المغتربين.
وإذا كانت الأجواء الإنتخابية يسودها حال من التحدّي المتبادل بين مؤيّدي إشراك المغتربين في انتخاب كل أعضاء المجلس النيابي، ومعارضي هذا الأمر، بالتزامن مع ضخّ مناخ في الأجواء الداخلية يُشكِّك في إمكان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في أيار المقبل، إلّا أنّ هذا التحدّي، على ما يقول مسؤول رفيع لـ”الجمهورية”: “لا يعدو أكثر من جزء استباقي من اللعبة الانتخابية، التي عجّلت فيها بعض الأطراف تحت عنوان المغتربين، في محاولة شديدة الوضوح للشحن الانتخابي وحشد الشعبية واستعطاف الناخبين”.
وكشف المسؤول عينه عن معطيات أكيدة، تفيد بأنّ كل المكوّنات الداخلية صارت متيقنة من “أنّ معركة المغتربين لن توصل إلى أيّ مكان، وأنّ طريق اقتراح تعديل القانون الحالي لمنح المغتربين حق الانتخاب لكل المجلس، يصطدم برفض رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن يماشي مَن صوّتوا مع القانون الحالي ثم انقلبوا عليه، لأنّهم لم يعودوا يرَون مصلحتهم فيه، وبتأكيده على “أنّ هناك قانوناً انتخابياً نافذاً فليُطبَّق”، ما يعني أنّ “قدرة تعديل القانون وتمرير تصويت المغتربين، هي منعدمة أساساً”.
وبحسب معلومات موثوقة للمسؤول عينه، فإنّ هذه الأطراف تقوم بالشيء ونقيضه في آنٍ معاً. فهي من جهة، تحافظ على وتيرة تصعيدية عالية حيال هذا الأمر في العلن، إلّا أنّها في الخفاء بدأت تحضيراتها لانتخابات بلا مغتربين، وتؤكّد ذلك حركة الاتصالات المكثفة التي تجري على أكثر من خط سياسي، وكذلك حركة مجموعات نيابية مصنّفة سيادية وتغييرية، بدأت منذ الآن تطرق أبواب أحزاب سياسية وكتل نيابية، توسّلاً لحجز أمكنة لها في اللوائح الانتخابية، علماً أنّ خبراء الإحصاءات والاستطلاعات الانتخابية يتفقون على خيبة شعبية عارمة من هذه الفئات التي لم تكن بقدر التوقعات”.
ورداً على سؤال أوضح: “المستويات الرئاسية جميعها حسمت موقفها لناحية إجراء الانتخابات في موعدها، ومعلوماتي تؤكّد أنّ رئيس المجلس ضدّ التمديد للمجلس النيابي ولو لدقيقة واحدة، وأنّ الانتخابات ستجري في موعدها، وليس ما يمنع ذلك على الإطلاق، وبالتالي لا تأجيل للانتخابات تحت أي ظرف حتى ولو حدث زلزال”.
الجبهة الجنوبية
وفي الجانب اللبناني الآخر، تبقى الإعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان هي الهاجس المقلق لكل المستويات الداخلية، لكن بمعزل عن الضخّ المتعمّد من قِبل بعض الغرف وما تنعق به ألسنة التوتير والتهويل، فإنّ مصدراً قريباً من لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، أكّد لـ”الجمهورية” أنّه لا يرى في الأفق احتمالات تصعيد. لافتاً إلى أنّ أمام اللجنة عملاً حثيثاً في هذه المرحلة، وضمن المسار الذي يضمن حسن تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية وتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة”.
ولفتت المصادر إلى أنّ اللجنة تقدّر المهمّة المنوطة بالجيش اللبناني في المنطقة بالتعاون والتنسيق مع قوات حفظ السلام “اليونيفيل”، وتدعو كل الأطراف إلى تسهيل مهمّته. وأضاف: “الجميع يؤكّدون على تمكين الجيش اللبناني من إكمال مهمّته وتوفير ما يحتاجه من إمكانات في هذا السبيل، كما يُشدّدون على دور قوات “اليونيفيل”، وعدم استهدافها من قِبل أي طرف”. مشيراً في هذا السياق إلى الاستهدافات المتتالية لهذه القوات من قبل الجيش الإسرائيلي.
وإذا كان المناخ الداخلي العام، خاضعاً إلى قلق كبير من تصعيد إسرائيلي محتمل، وخصوصاً بعد العدوان الأخير الذي طال بنية مدنية وآليات في منطقة المصيلح، والذي قُرىء على أنّه رسالة اسرائيلية بعدم السماح بإعادة إعمار المناطق اللبنانية التي تدمّرت أو تضرّرت في عدوان الـ66 يوماً، فإنّ مصادر ديبلوماسية غربية قالت ردّاً لـ”الجمهورية”: “التصعيد ممكن في أي لحظة، طالما أنّ اتفاق وقف إطلاق النار لم يُحترَم من قِبل كل الأطراف، أنا شخصياً لا أرى أي رابط بين ما يجري في غزة وبين لبنان، وتبعاً لذلك لا أعتقد أنّ إنهاء الحرب في غزة يعني أن تشتعل الحرب في لبنان، فوضع لبنان منفصل، وثمة مؤشرات تفيد بتوجّه لدى الدول المعنية بلبنان، وأقصد هنا الولايات المتحدة الأميركية، بإعادة تحريك مساره نحو التسوية والحل”.
النائب المر في قصر بعبدا
استقبل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون النائب ميشال المر أمس، في القصر الجمهوري في بعبدا. وأكّد المر بعد لقائه رئيس الجمهورية: “تشرّفتُ بلقاء فخامة الرئيس، وقد هنأته على مواقفه الوطنية الصلبة، وأكّدتُ خلال اللقاء على أهمّية الموقف الذي صدر عنه بعد قصف إسرائيل لمنطقة المصيلح، وبما يتضمّنه من رؤى ومضامين تعبّر عن نهج واضح في استعادة الدولة لمؤسساتها وهيبتها”. وتابع: “ويقيني أنّ هذا الموقف يشكّل امتداداً طبيعيّاً لخطاب القَسَم، وخارطة طريق لإعادة بناء الدولة على أسس دستورية حديثة وعصرية”.
وختم: “تداولت مع فخامة الرئيس في أبرز الاستحقاقات الدستورية والوطنية المقبلة، إلى جانب قضايا إنمائية واجتماعية تهمّ المواطنين”.
قائد الجيش
من جهته، أكّد قائد الجيش العماد رودولف هيكل خلال تفقّده قيادة لواء المشاة العاشر في بلدة كفرشخنا – زغرتا، “أنّ أمن لبنان مصان بفضل احتراف العسكريِّين وصلابتهم وعزيمتهم وإصرارهم على أداء الواجب عن قناعة وإيمان، على رغم من صعوبة المرحلة الحالية”. لافتاً إلى أنّ “المؤسسة العسكرية تبقى محل إجماع اللبنانيِّين وثقة الدول الشقيقة والصديقة، بفضل تفانيهم”.
وتحدّث عن “تمادي العدو الإسرائيلي في اعتداءاته على المواطنين، واستهدافه الممتلكات والمنشآت المدنية، وآخرها في منطقة المصيلح في الجنوب”، مشيراً إلى أنّ “هذه الاعتداءات تتسبّب بسقوط شهداء وتُخلّف أضراراً مادية كبيرة، وتمثل تهديداً مستمراً للبنان، وخرقاً فاضحاً للقوانين الدولية واتفاق وقف الأعمال العدائية”.
وخلال تفقّده وحدات اللواء في منطقتَي البداوي وتربل، توجّه إلى العسكريِّين بالقول: “نحن ننظر إلى وطننا بمختلف مناطقه بعين المسؤولية، لأنّنا نرتدي بزة الشرف والتضحية والوفاء، والمؤسسة العسكرية هي الضامن لوحدة البلاد، على رغم من الافتراءات والشائعات، ونجاحها يعتمد على نجاح الوحدات وأدائها في مختلف المناطق اللبنانية. لكل منكم دوره الأساسي في استمرار الجيش الذي يتولّى مهمات جساماً ونوعية في الداخل وعلى امتداد الحدود، فلا مجال أمامنا للضعف أو التهاون. الجيش يُجسّد الأمان بالنسبة إلى المواطنين. ولن يتوانى عن تقديم التضحيات من أجل خلاص لبنان”.
