كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
الغموض السلبي، هو سِمة المرحلة الراهنة، تنعدم فيه رؤية اتجاهات الرياح السياسية والأمنية، أكان في اتجاه التصعيد الواسع ربطاً بالإعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت العديد من المناطق اللبنانية في الساعات الأخيرة، وبالتهديدات والتهويلات المتدفّقة من أكثر من مصدر داخلي وخارجي، وبالرسائل العدوانية اليومية التي تُترجَم باعتداءات برّية وجوّية على المناطق اللبنانية، أو في اتجاه التبريد، ربطاً بإشارات خارجية، وتحديداً أميركية ممانعة للتصعيد، بالتوازي مع حراكات واتصالات تجري بصورة مكثفة على خطوط دولية متعدّدة، لضبط الأزمة في مسار سياسي يُنهيها بتفاهمات، وربطاً أيضاً بوعود بإيجابيات منتظرة من لجنة «الميكانيزم»، يؤكّد رعاة اللجنة بأنّها ستتراكم خلال اجتماعاتها اللاحقة.
وضع مفتوح
نظرياً، تبدو الاحتمالات متساوية في الوقت الراهن، إلّا أنّ صورة الميدان تعكس بشكل لا يرقى إليه الشك، بأنّ احتمال التصعيد أعلى من احتمال التبريد، ويعزّز ذلك من جهة، ما هو ملموس من اعتداءات وتهديدات إسرائيلية تكثفت في الفترة الأخيرة، في سياق ضغط إسرائيلي على لبنان لنزع سلاح «حزب الله». ما يعني أنّ الوضع مفتوح.
ومن جهة ثانية، ما يكشفه مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، لجهة انعدام الضغط الجدّي على إسرائيل، وعدم وجود أي ضمانة من أي جهة خارجية، بوصول المسار السياسي وما يُحيطه من اتصالات وحراكات، إلى النتائج التي يرجوها لبنان، بالتزام إسرائيل باتفاق وقف الأعمال العدائية ووقف استهدافاتها واعتداءاتها واغتيالاتها، وسحب جيشها من الأراضي اللبنانية وإطلاق الإسرى اللبنانيِّين.
موقف ترامب
يُضاف إلى ذلك، الموقف اللافت في مضمونه، كما في توقيته، الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحات للصحافيِّين خلال الساعات الماضية، إذ كشف أنّ «لدينا دولاً ترغب في التدخّل والتعامل مع «حماس»، ودولاً أخرى تريد التدخّل للتعامل مع «حزب الله» في لبنان كمثال آخر». مضيفاً: «أنا أقول لهم؛ حالياً لا داعي لذلك. وأرى أنّه ليس من الضروري القيام بذلك الآن. قد تحتاجون إلى ذلك لاحقاً، لكن، لدينا دول تعرض التطوّع للتدخّل وتولّي الأمر بالكامل حرفياً».
ماذا عن شمال الليطاني؟
وفي وقت يواصل فيه الجيش اللبناني تنفيذ مهمّته المناطة إليه في جنوب الليطاني، رفعت إسرائيل من وتيرة تهديداتها بعمل عسكري ضدّ لبنان، فيما المريب في موازاة ذلك، لا بل الخبيث، تبرّع بعض القنوات العربية، ببث أخبار منسوبة إلى مصادر لبنانية، تروّج بأنّ «إسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ عمليات عسكرية في لبنان ما لم ينتهِ الجيش اللبناني من نزع سلاح الحزب». ومن ثم التشكيك بقدرة الجيش اللبناني عبر القول بأنّ «الجانبَين الأميركي والفرنسي لا يريدان التخفيف من الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني، لكن ليست هناك ثقة مطلقة بشأن التقدّم الذي يقوم به الجيش جنوب الليطاني، ولا بشأن التقارير المتعلقة بنسبة نزع السلاح».
في السياق، أكّد مصدر رسمي لـ«الجمهورية»، أنّ «الجيش اللبناني بلغ المرحلة الأخيرة من مهمّته المناطة به في منطقة جنوب الليطاني، ويقوم بمهمّته على أكمل وجه، وفق مقتضيات اتفاق وقف الأعمال العدائية وبشهادة كل الأطراف من دون استثناء. وعلى هذا الأساس، لم يتبقَ أمام الجيش سوى ما دون الـ10% لتصبح مهمّته في تلك المنطقة منجزة بالكامل، ولاسيما في الشق المتعلّق بإخلاء منطقة جنوب الليطاني من السلاح والمسلّحين والمظاهر المسلحة» (رئيس مجلس النواب نبيه بري، أكدّ أمام وفد مجلس نقابة الصحافة اللبنانية أنّ الجيش أنجز 90% من مهمّته، ورفع عديده في المنطقة إلى ما يزيد عن 9 آلاف جندي).
ورداً على سؤال، أكّد المصدر ثقته بأنّ «الجيش سينهي مهمّته المناطة به أصلاً في جنوب الليطاني في الموعد المحدَّد، أي نهاية السنة الحالية. ما يعني أنّ لبنان نفّذ ما التزم به إزاء هذا الإتفاق، إلّا أنّ هذا الاتفاق ما زال مبتوراً حتى الآن، ولاسيما من الجانب الإسرائيلي الذي لم يقم بأي خطوة تخدمه، ولبنان في هذه الحالة صار في حل من أي مطالبة له بأي إجراءات، وبالتالي تصبح الكرة في الملعب الإسرائيلي، وكذلك في ملعب لجنة «الميكانيزم» والراعي الأميركي لها، لممارسة الدور الذي يُلزم إسرائيل بتنفيذ مندرجات الاتفاق لجهة وقف اعتداءاتها والإنسحاب وإطلاق الأسرى، وقبل حصول لذلك، فإنّ كل حديث عن مرحلة ثانية لتنفيذ إجراءات شمال الليطاني بلا أي قيمة أو معنى، فلتقم إسرائيل أولاً، بما هو مطلوب منها في الاتفاق، وبعدها قد يُصبح الحديث ممكناً بمراحل أخرى».
إنجاح «الميكانيزم»
إلى ذلك، وعلى رغم من الجو المشحون بالغموض والاحتمالات، فإنّ الأجواء الديبلوماسية تشي بتفاؤل حذر إزاء المرحلة المقبلة. ووفق ما نقله سفير دولة كبرى إلى أحد كبار المسؤولين، فإنّ «احتمالات التصعيد والحرب الواسعة ضعيفة جداً»، مؤكّداً أنّ لا أحد يرغب في ذلك، ومشيراً إلى ترقّب اجتماعات لجنة «الميكانيزم» في المرحلة المقبلة، موحياً أنّ الأميركيِّين راغبون في إنجاح اللجنة بصورتها الجديدة التي أصبحت عليها بإشراك مدنيِّين فيها، وكان الدافع الأساس إلى ذلك.
ويؤكّد السفير أنّ «رعاة لجنة «الميكانيزم» مُصرّون على إنجاحها في مهمّتها، وقيامها بالدور الفاعل الذي يعوّل عليه أن يفضي من خلال التفاوض الجاري فيها عبر ممثلين عسكريِّين ومدنيِّين لبنانيِّين وإسرائيليِّين، إلى إيجابيات تثبت الأمن والإستقرار على جانبَي الحدود، لكن هذا الأمر قد يتطلّب بعض الوقت، إنّما ليس الوقت الطويل».
ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، يُشير مصدر سياسي مشارك في حركة الاتصالات واللقاءات مع الوفود الخارجية، إلى أنّ الأجواء التي تُنقَل تُفيد بتشديد الدول، خصوصاً الراعية للجنة «الميكانيزم» على أهمّية دورها، كونها في المرحلة الحالية تُشكِّل نافذة عسكرية سياسية ديبلوماسية لمنع الانزلاق نحو تصعيد واسع.
إلّا أنّ ذلك، في رأي المصدر السياسي عينه لا يعدو أكثر من تعبير عن مشاعر، لا يُغيِّر في واقع الحال. فاللجنة منذ تشكيلها بدت إطاراً شكلياً، فاقدة للفعالية والدور، وتحوّلت في كل اجتماعاتها إلى منبر شكلي وصفر نتائج. وبالتالي ستبقى اللجنة على حالها هذا، ما لم تُمنَح الدور الفاعل، وقدرة الضغط الحقيقي لإسرائيل على وقف خروقاتها وإلزامها باتفاق وقف الأعمال العدائية، الذي جعلت منه فسحة حركة أوسع لها، وتتصرّف بحرّية ميدانية شبه كاملة، من دون رادع أو ضوابط لها.
وإذ لفت المصدر عينه إلى أنّ «ثمة وعوداً قد قُطِعت بأن تحمل المرحلة المقبلة (ربطاً باجتماعات «الميكانيزم») إيجابيات ملموسة، ونحن ننتظر ونترقّب ما يُحكى عن فعالية جديدة في عمل هذه اللجنة، عبّر عن خشية بالغة ممّا تبيّته إسرائيل التي من الواضح أنّها لا تريد «اليونيفيل»، ولا القرار 1701 ولا اتفاق وقف الأعمال الحربية، وما يصدر عن مستوياتها السياسية والعسكرية، وكذلك عن الإعلام العبري، يكشف بأنّها تريد فرض قواعد جديدة لمصلحتها، وصولاً إلى المنطقة العازلة، وبأنّها تُمهِّد إلى ذلك في ظل اتفاق اعتبرت أنّه يعُطيها حرّية الحركة، وتعوّل من خلال تماديها في التصعيد على خلق ظروف معيّنة في لحظة ما، تلزم لبنان بقواعد تفرضها، ولا يستطيع أن يرفضها. وقد كان لها الدور الأول في إخلاء المنطقة الجنوبية من «اليونيفيل» (حتى آخر السنة المقبلة)، وإفراغ المنطقة من «اليونيفيل» يعني بالتأكيد إفساح المجال أمام الخطة الإسرائيلية بإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان».
دعم مصري فرنسي
سياسياً، أكّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لوفد «الجمعية اللبنانية للأسرى والمحرّرين»، أنّ «عودة الأسرى المعتقلين في إسرائيل تُشكّل أولوية في المفاوضات، وأنّ الاتصالات مستمرّة لإطلاقهم، آملاً الوصول إلى نتائج إيجابية في أسرع وقت ممكن».
فيما نقل عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله عن رئيس الحكومة نواف سلام، الذي التقاه مع عضو الكتلة النائب أمين شري: «أننا وجدنا من رئيس الحكومة تجاوباً، خصوصاً أنّه أعاد التأكيد على الإلتزام بإعادة الأعمار كما ورد في البيان الوزاري».
وأمام إعلاميين، أكد عون، أنّه «في المفهوم العسكري الصرف، عندما يخوض أي جيش معركة ويصل فيها الى طريق مسدود يتم بعد ذلك الاتجاه الى خيار التفاوض»، وتساءل: «هل لبنان قادر بعد على تحمل حرب جديدة؟ وما هي خياراتنا امام عدو يحتل ارضنا ويستهدفنا كل يوم ولديه اسرى من أبنائنا؟».
وردّا على سؤال حول التصريحات الأخيرة للموفد الأميركي توم براك، قال: «لا تضيعوا وقتكم بها، هي مرفوضة من كافة اللبنانيين».
وعن امتعاض بعض النواب من طريقة ترسيم الحدود مع قبرص، أشار إلى أنه في العام 2011 وضعت حكومة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي قواعد الترسيم، وما قمنا به هو تثبيت هذه القواعد، وقد استشرنا هيئة التشريع والقضايا في ما اذا كانت هذه المعاهدة واجبة الذهاب الى المجلس النيابي فأتى الجواب بالنفي، مضيفًا: «لقد إتبعنا مبدأ الخط الوسط المعتمد في قوانين الترسيم البحري الدولية التي تطبق في ترسيم البحار».
وسئل عن كلام مجموعة نواب من حزب الله انه اعطى الحزب إلتزاما قبل جلسة إنتخابه رئيسا بموضوع إستراتيجية دفاعية ولا إشارة فيه الى سحب السلاح، وتواكب هذا الكلام مع حملة إعلامية اشارت الى ان هناك ورقة موجودة موقعة منه حول هذا الإلتزام سيتم نشرها في الوقت المناسب، فأجاب: «فلينشروها الآن… اذا كانت موجودة. هناك مسؤولية الكلمة. لا إتفاق ولا ورقة موقعة. ولنسلم جدلا بهذا الأمر، فكيف التزم بذلك، وبعد ساعة ألقيت خطاب القسم الذي تعهدت فيه بحصرية السلاح؟».
وكان عون قد استقبل السفير المصري علاء موسى، الذي أكّد أنّ ليس أمامنا سوى العمل لتجنيب لبنان أي تطوّر في الإعتداءات الإسرائيلية على أراضيه، مشيرا الى ان الأمور تسير بشكل جيد والمؤشرات تفيد أنّنا نسير في الطريق الصحيح.على صعيد ديبلوماسي آخر.
ومن جهة أخرى، أعلن السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو من دارة النائب فريد هيكل الخازن، أنّ زيارات الموفد الرئاسي الخاص جان إيف لودريان المتكرّرة، تعكس تصميم باريس على إبقاء الملف اللبناني أولوية دولية. ولفت إلى أنّ فرنسا تواصل العمل للحفاظ على حضور الملف اللبناني في المحافل الدولية، لا من أجل أمن إسرائيل أو استقرار سوريا، بل من أجل مستقبل لبنان نفسه.
وشدّد السفير الفرنسي على أهمّية الهوية اللبنانية المتعدّدة، معتبراً أنّ الوجود المسيحي يلعب دوراً محورياً في توازن الشرق الأوسط، ومشيراً إلى أنّ نموذج العيش المشترك في لبنان يبقى فريداً على رغم من كل التحدّيات. ودعا إلى ضرورة إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية، معتبراً أنّ النهوض بالمؤسسات، خصوصاً المؤسسة العسكرية، يستدعي معالجة أوضاع الدولة المالية، معلناً في هذا الإطار أنّ فرنسا ستُنظِّم مؤتمراً لدعم الجيش اللبناني في الأسابيع المقبلة. وختم ماغرو مؤكّداً ثقته بقدرات اللبنانيِّين وبنوعية طلابهم وشبابهم، ومشدّداً على أنّ فرنسا ستواصل دعم لبنان بالتعاون مع شركائها الدوليِّين، وأنّ أي رئيس أو رئيسة مقبلة في فرنسا سيحافظ على العلاقة الخاصة مع لبنان.
اعتداءات
أمنياً، سُجِّلت أمس سلسلة غارات إسرائيلية جوية عنيفة استهدفت جبل الرفيع، محيط بلدة سجد في منطقة إقليم التفاح، وادي زلايا في البقاع الغربي، أطراف بلدات جباع، عرمتى، الريحان، وادي بنعفول، تبنا، الجرمق، المحمودية وجبل صافي بالجنوب، والمنطقة الواقعة بين بلدتَي أنصار والزرارية. فيما حلّق الطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق البقاع وبعلبك. وأعلن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أنّ الجيش الإسرائيلي أغار على مجمّع تدريب وتأهيل استخدمته وحدة قوّة الرضوان التابعة لـ«حزب الله» بغية تدريب وتأهيل عناصرها.
وأكّد المصدر، أنّ «الجيش نفّذ ما هو مطلوب منه، وفق التزام لبنان بمندرجات اتفاق وقف الأعمال العدائية، وليس مطلوباً منه أكثر من ذلك، فيما العائق الأساس أمام استقرار المنطقة، هو إسرائيل التي تجاوزت هذا الاتفاق، وتضغط باعتداءاتها على لبنان لفرض قواعد جديدة، بل واقع مرفوض من قِبله خارج هذا الاتفاق، وتُهدِّد بمزيد من التصعيد لدفعه إلى نزع سلاح «حزب الله» بالقوّة، بمعزل عن المخاطر التي يمكن أن تتأتى من ذلك على لبنان».







































