نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، مؤتمرا اكاديميا بعنوان: “الآداب والعلوم الإنسانية في العصر الرقمي: المكانة والدور”، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران وحضوره، وبإشراف عميدة كلية الآداب والعلوم الانسانية البروفسورة سهى الصمد، في قاعة المؤتمرات في الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية – المتحف، شارك فيه عدد كبير من الباحثين.
حضر المؤتمر النائبان الدكتور بلال الحشيمي والدكتور ايهاب حماده، رئيسة المركز التربوي للبحوث والانماء البروفسورة هيام اسحاق، المدير العام لوزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، عميدة كلية الاداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية والتي ألقت كلمة راعي المؤتمر البروفسورة سهى الصمد وعدد من عمداء الكليات والمديرين وحشد من الاساتذة والطلاب في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة.
جرجور
بعد النشيدين الوطني الجامعة اللبنانية ألقت منسق مكتب اللغات في الجامعة اللبنانية البروفسورة مها جرجور كلمة قالت فيها: “تاريخيا، نشأت الآداب والعلوم الإنسانية من حاجة الإنسان لفهم ذاته ومجتمعه، لتضع اليد على الإشكاليات الإنسانية، لتبحث فيها وتقاربها وتقترح الحلول. ومنذ أن نشأت الجامعة اللبنانية، كانت كلية الآداب والعلوم الإنسانية حاضرة، محاولة دعم بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات.اليوم، التحديات كثيرة والتقلبات أكثر وتحديدا مع انتشار الذكاء الاصطناعي، فبات على الآداب والعلوم الإنسانية كما هو حال كل العلوم، أن تستلم زمام الأمور وأن تحدث أدوارها”.
أضافت: “يتطلب هذا الأمر تضافر الجهود على صعيد إعداد المناهج وطرائق التعليم وانتاج الموارد التعليمية، ومحاور البحوث العلمية، سن التشريعات ووضع الضوابط القانونية والمعايير اللازمة، من أجل المحافظة على الأمن الفكري والصحة النفسية من مخاطر الانتحال والتزييف العميق وغيرهما من ظواهر تؤثر في تقدم العلوم وصحتها”.
وهبه
ثم ألقى الدكتور طوني وهبه كلمة منسقي أعمال المؤتمر فقال: “تداعينا الى عقد هذا المؤتمر للبحث في محاور أربعة:
-الآداب والعلوم الإنسانية في التعليم ما قبل الجامعي ودورها في بناء الإنسان في العصر الرقمي.
-الآداب والعلوم الإنسانية وفرص العمل.
-الآداب والعلوم الإنسانية والذكاء الاصطناعي وتأثيره في تشكيل المجتمع البحثي المعاصر..
-الآداب والعلوم الإنسانية ودورها في تعزيز الأمن الفكري.
أضاف: “وترجمة لهذه المحاور ستعرض بحوث نقدية عديدة، كتبها باحثون من تخصصات متعددة، ردا على مجموعة من الأسئلة، منها: ما هي التحديات والفرص التي يؤمنها لنا هذا العصر بأدواته المختلفة؟، وما هي الأدوار الجديدة التي ستؤديها الإنسانيات لمواكبة التحول الرقمي؟ وكيف نوظف الذكاء الاصطناعي في التعليم، وما هي حدود هذا التوظيف ومعاييره الضابطة؟، وكيف نحافظ على امننا الفكري وتراثنا الوطني وقيمنا الإنسانية، ونطبق كل ذلك عمليا في مناهج التعليم الجامعي وما قبل الجامعي؟ ما هي الرؤية والاستراتيجيات الواجب اعتمادها لتعليم الآداب والعلوم الإنسانية في المراحل المتنوعة وضمان جودة التعليم ونجاعته؟”
الصمد
ثم القت العميدة الصمد كلمة قالت فيها: “إن الواقع الرقمي الجديد، والمشكلات المعقدة التي نتجت منه تدعونا إلى إعادة التفكر في حلول أو آليات عمل على مستوى الوطن. من هنا، تنطلق الآداب من خلال دورها الحيوي ونهجها التكويني، وتبادر لتتابع وإياكم مهمتها الوطنية هذه”.
أضافت: “وانعقاد هذا المؤتمر، بجهود اللجنة المنظمة اليوم هو خير دليل على حرص الآداب على تقييم الواقع العلمي ومخرجاته، وعيا لتعقيداته، ورغبة في تحديد النمط أو الأنماط المناسبة للمشاركة في التحول الرقمي وضبطه على مستويات التعليم والتربية والبحث العلمي، واقتراح الحلول وتعميم التوصيات ليصار إلى استثمار نتائج أبحاثها في الميادين المرتبطة بها”.
تابعت: “لبيتم دعوة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، اتيتم من المركز التربوي للبحوث والإنماء، والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان، وجامعة القديس يوسف، وجامعة بيروت العربية وجامعة العلوم والآداب اللبنانية والجامعة الإسلامية وجامعة اللويزة، أتيتم من مدارس المهدي، والمقاصد، ومن الجامعة اللبنانية كليتي الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والمعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية، أتيتم أساتذة باحثين متخصصين في مجالات متنوعة، باحثين مشهود لهم في تاريخ العمل البحثي”.
بدران
ثم كانت كلمة راعي رئيس الجامعة الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران فقال: “إن اجتماعنا اليوم في حرم الجامعة الوطنية، ليس مجرد افتتاح لمؤتمر علمي بل تأكيد على أهمية الآداب والعلوم الإنسانية بوصفها مرآة للذات وبوصلة للهوية وجسرا بين الإنسان والحداثة”.
أضاف: “إن عنوان مؤتمركم “الآداب والعلوم الإنسانية في العصر الرقمي: المكانة والدور” هو سؤال مفتوح على المستقبل. فما الذي يبقى من الإنسان حي تتسارع الخوارزميات؟ وما الذي يمكن أن يضيع إذا غابت الكلمة وتوارى التأمل خلف الأرقام والصور؟”
تابع: “في هذا العصر الرقمي الذي يغني ايقاع حياتنا ويعيد تشكيل طرق تفكيرنا وتواصلنا، تبدو العلوم الإنسانية وكأنها على ق طرق، البعض يعتبرها حقلا مفيى آيلا إلى التراجع وآخرون يرون فيها طوق نجاة يعيد للإنسان مركزه وسط زحام البيانات”.
وقال: “نحن في الجامعة اللبنانية، نؤمن بأن الآداب والعلوم الإنسانية ليست ترفا فكريا، بل ضرورة وجودية لفهم الذات والآخر ولإرساء قيم الحوار والعدالة والإبداع”.
واعتبر أن “هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع باحثين أكاديميين، بل دعوة إلى التأمل والمساءلة: كيف نعيد تعريف دور الفلسفة، والأدب، والتاريخ، وعلم النفس في بيئة رقمية تتسم بالسرعة؟ كيف نحافظ على العمق في زمن التغريدات؟ كيف نعلم طلابنا أن يحللوا ويبدعوا، لا أن يستهلكوا ويكرروا؟”
وقال: “لقد أثبتت الأزمات المعاصرة، من الجوائح إلى الحروب ومن انهيارات القيم إلى اضطرابات الهوية، إن الحاجة إلى فهم الإنسان ومكنوناته هي جوهر كل حل مستدام، ولهذا فإن دعمنا للعلوم الإنسانية هو دعم لاستمرارية الإنسانية نفسها”.
أضاف: “إننا في الجامعة اللبنانية لا ننظر إلى الرقمنة كتهديد، بل كفرصة لتجديد طرائق التعليم وتوسيع دوائر الوصول إلى المعرفة وإنتاج أشكال جديدة من التغيير الثقافي. كما أننا نؤمن بأن التكنولوجيا يجب أن تبقى في خدمة الإنسان لا العكس. وهذا جوهر دور العلوم الإنسانية: أن تذكرنا بمن نحن لا بما نملك”.
ختم: “أتوجه بالشكر لعميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ولكل من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر، والشكر موصول للباحثين والباحثات الذين يحملون معهم أفكارا وتجاربا تغني النقاشات والنتائج”.
جلسات المؤتمر
وتوزعت اعمال المؤتمر على خمس جلسات جاءت على الشكل التالي:
الجلسة الاولى بعنوان: الاداب والعلوم الانسانية في مناهج التعليم العام: الواقع والتحديات، بادارة رئيسة المركز التربوي للبحوث والانماء البروفسورة هيام اسحاق، شارك فيها الاستاذ ليون كلزي – الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان: وتحدث عن الرؤية لتعزيز مكانة العلوم الانسانية في العصر الرقمي، والدكتور وليد حمود- جامعة العلوم والآداب اللبنانية: مدخلات التحول نحو أنسنة المنهاج في التعليم العام، والدكتور أنطوان مسرة -جامعة القديس يوسف: إحياء العلوم الإنسانية في عالم اليوم: ما العمل؟
الجلسة الثانية: بعنوان اللغات والاداب في التعليم العام بادارة الدكتورة ريما مولود (عضو المجلس العلمي في الدكتوراه) ومشاركة الدكتور عباس زيناتي: التعبير الكتابي في منهاج التعليم العام ما قبل الجامعي ومقتضيات العصر الرقمي – الجامعة اللبنانية، والدكتور وائل جزيني- مدارس المهدي: دور تعليم اللغات والآداب في تطوير مهارات متعلم القرن الحادي والعشرين، والدكتور غنى بدوي حافظ والاستاذة سحر شعر من جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت عن: توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم الأساسي: فرصة أم مشكلة؟
الجلسة الثالثة: بعنوان الآداب والعلوم الإنسانية وفرص العمل، بادارة العميد الدكتور أحمد رباح (مستشار رئيس الجامعة اللبنانية ) ومشاركة الدكتور غسان مراد: علاقة التقنيات بالعلوم الإنسانية، والدكتور ناجي كعدي: دور الذكاء الاصطناعي في إيجاد فرص عمل في اختصاص الجغرافيا في ظل ميزاته وحدوده – والدكتور نديم منصوري: الإنسانيات الرقمية وعلم الاجتماع، والدكتور حسين رحال: عن العلوم الإنسانية وإشكالية سوق العمل (عميد المعهد العالي للدكتوراه – الجامعة اللبنانية ) من الجامعة اللبنانية
الجلسة الرابعة: بعنوان الآداب والعلوم الإنسانية والذكاء الاصطناعي وتشكيل المجتمع التعليمي والبحثي المعاصر، بادارة الدكتورة صديقة لاشين (عميدة كلية الآداب – جامعة بيروت العربية) ومشاركة الدكتور إبراهيم سرور عن: الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي في الإنسانيات: أداة تشكيل ام استبدال؟ – الجامعة اللبنانية والدكتور حبيب البدوي والدكتور محمد دعبول: استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي: الفرص، التحديات، والتطبيقات- الجامعة اللبنانية والدكتور غسان عبد الحسين جابر: فعالية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي تطبيق ChatGPT أنموذجا – الجامعة الإسلامية وكل من الدكتورة ليال مرعي والدكتورة إليان مهنا: عن الذكاء الاصطناعي في العمل الأكاديمي: مقاربة استشرافية – الجامعة اللبنانية، والدكتورة يسرى صبرا: تأثير الذكاء الاصطناعي في منهجيات البحث في العلوم الإنسانية – الجامعة اللبنانية.
الجلسة الخامسة: الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية ودورها في تعزيز الأمن الفكري بإدارة منسقة دائرة اللغة العربية – جامعة سيدة اللويزة الدكتورة سلمى عطا الله وشارك فيها النقيب ربيع مصطفى بعلبكي – رئيس نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان عن: مواجهة الاستعمار الرقمي من خلال تبني مبدأ حق التربية على الابتكار للجميع ئيس نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان، والدكتور عماد غرلي عن التأريخ ودوره في تحقيق الأمن الفكري في زمن التحولات الرقمية، والدكتور حسن رضا: السايبورغ: دراسة في طبيعته وأخلاقياته وانعكاساته على مستقبل البشرية، والدكتور نصري مسرة: أدوات التأثير الرقمية ووقعها على الرأي العام: مشاكل وحلول-جامعة القديس يوسف.
التوصيات
وفي ختام المؤتمر تلا الدكتور حامد حامد التوصيات وجاء فيها:
على الجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية والبحثية على اختلافها أن تضع ضوابط أولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل عام، تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تحسين التعليم، وبين حماية القيم التربوية والأخلاقية. وضمان جودة المخرجات التعليمية وربطها بسوق العمل. وذلك على الشكل التالي:
على مستوى التشريع:
– إجراء ورش عمل لوضع تشريعات وسياسات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وترعاه من قبل الوزارات المعنية والسهر على تطبيقها. ومن ضمنها، تحديد سن السماح للمتعلم باستخدامه بشكل مستقل.
– إقامة هيئات رقابية مستقلة تضم خبراء في التربية والتقنية والقانون، مهمتها فحص هذه الأنظمة تشريحيا لكشف أي انحيازات خفية قبل انتشارها في الفضاء التعليمي، مما يحول دون تحول التقنية من أداة تحرير إلى أداة قمع وتضليل.
– وضع سياسات لإدراج الذكاء الاصطناعي في التعليم الثانوي والجامعي كمساعد في التعلم، مرفقة بمعايير وضوابط واضحة تحكم هذا الاستخدام.
– إنشاء ترسانة رقمية أمنية آمنة في مواجهة أي تهديدات سيبرانية بخاصة الخروقات الثقافية التربوية، عبر اعتماد خدمة العلم الرقمية.
على مستوى إعداد المناهج:
– تضمين القيم الأخلاقية والإنسانية (النزاهة، التعاون، العدالة، الاحترام) والفلسفة الحديثة كمحاور ثابتة داخل المواد الدراسية والأنشطة الصفية واللاصفية.
– تصميم وحدات دراسية عابرة للتخصصات تتيح للمتعلم رؤية أوسع للعالم، في مرحلتي التعليم ما قبل جامعي والجامعي ولاسيما مواد العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية والتكنولوجيا وربطها بسياقات معاصرة تدعم مهارات القرن 21.
– ربط المناهج بسوق العمل وبخاصة مجالات حوسبة اللغة والذكاء الاصطناعي وغيرهما من اجل تعزيز حضور اللغة العربية واختصاصات الآداب والعلوم الإنسانية على الشبكة والمشاركة الفاعلة في إنتاج المعرفة في العصر الرقمي.
– تزويد الطلاب بمهارات التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، بما يؤهلهم لسوق العمل المستقبلي في مجالات مثل المدن الذكية، الزراعة الذكية، وإدارة الكوارث.
ثانيا: على مستوى العلاقات بالجامعات والمؤسسات الأخرى
– بناء شراكات بين الجامعات والمؤسسات الدولية ولا سيما اليونيسكو، ومراكز البحوث، والشركات التقنية لإنتاج موارد تعليمية متقدمة تراعي السياق اللغوي والثقافي العربي. ولتعزيز البحوث التطبيقية حول فاعلية الذكاء الاصطناعي في تعليم الآداب والعلوم الإنسانية لدعم اتخاذ القرارات التربوية المناسبة.
ثالثا: على مستوى التعليم والبحث العلمي:
– تطوير معايير واضحة تضمن الشفافية في استخدام الذكاء الاصطناعي في العلوم الإنسانية، على أن يبقى عاملا مساعدا في الدراسات لتنمية الإبداع البشري.
– جعل البحث في الآداب والعلوم الإنسانية والذكاء الاصطناعي محورا عابرا للتخصصات في الدراسات على مستوى الماستر والدكتوراه.
– تطوير نماذج تقويم جديدة لقياس المهارات العليا مثل التفكير النقدي والإبداع والتعاون، بالاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية.
رابعا: على مستوى تعزيز الأمن الفكري:
– صياغة وثيقة جامعية خاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وضوابط الأمن الفكري، تجمع النتاج المعرفي العالمي في هذين المجالين، وتؤسس لبنية فوقية واعدة في مستقبل الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية تتناسب مع السياسات التربوية واللغوية في لبنان.
– إجراء المزيد من المؤتمرات والدراسات المعمقة التي تساعد في فهم تعقيدات استخدام الذكاء الاصطناعي في الأوساط الأكاديمية والعلوم الإنسانية، ومواكبة كل جديد في هذا الموضوع.
