نظم ” اللقاء الوطني – حركة فكرية انسانية في قضاء جبيل ، ندوة تكريمية احياء للذكرى ال47 لغياب الامام المغيب موسى الصدر ، على مسرح البطريرك الياس الحويك في ثانوية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في جبيل، “استذكارا لمواقفه الوطنية والانسانية في ظل تصاعد انتهاكات الحريات المدنية والدينية في المنطقة” ، تحدث فيها كل من رئيس اللقاء صادق برق ، امام مدينة جبيل الشيخ غسان اللقيس ، رائد شرف الدين ممثلا عائلة الامام المغيب ، رئيس اساقفة ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون وادارها الدكتور كريستيان الخوري، في حضور المحامي وديع عقل ممثلا الرئيس ميشال عون ، الدكتور طارق صادق ممثلا النائب جبران باسيل ، الدكتورة كلوڤيس بويز يزك ممثلة النائب سيمون ابي رميا ، زاهر حيدر ممثلا النائب رائد برو ، النائب السابق عباس هاشم، الشيخ الدكتور محمد حيدر ممثلا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، نقيب المحررين جوزف القصيفي، رئيس رابطة مختاري قضاء جبيل كريستيان القصيفي وعدد من مختاري القضاء ، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض ، المدير العام السابق لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المهندس جان جبران ، سعيد نصر الدين ممثلا حركة “امل” ومسؤول البلديات في الحركة علي الحاج ، الشيخ حسين شمص ممثلا “حزب الله”و نائب رئيس المنطقة الخامسة في الحزب الشيخ جمال كنعان، رئيس المكتب التربوي في “حركة أمل” الدكتور علي مشيك وفاعليات.
الخوري
بعد النشيد الوطني ونشيد اللقاء وفيلم وثائقي عن الامام المغيب، تحدث الخوري واشار إلى ان “ندوتنا هي تعبير عن المسؤولية بالمساهمة في تسليط الضوء على معالم شخصية الإمام موسى الصدر وسيرته ونهجه وتضحياته وصلابة دفاعه عن المحرومين من مختلف الأديان”، مذكرا بقوله الشهير: يا مسيحيي لبنان، انا على استعداد وأتمنى أن أموت في سبيل رفع الحرمان عنكم. بيتي ليس محصورا بخمسة امتار ولا بعشرة آلاف كلم مربع، بيتي ووطني ممتد من المحيط إلى الخليج. المجتمع اللبناني عالم صغير ومؤتمر للأمم والطوائف في حالة انعقاد دائم. الطوائف في لبنان نوافذ حضارية على مكاسب البشر”.
ولفت إلى أن “الامام الصدر اشتهر بفكره المؤسساتي المنظم وبتمسكه ببناء الدولة والحفاظ على مؤسساتها ورفض أي محاولة لإدارة محلية حتى في أسوأ ظروف الحرب في لبنان ، وامتاز برؤية استراتيجية في شرح العلاقات بين الشعوب وأقام شبكة واسعة من العلاقات عربيا ودوليا ، عمل بكل جهد ممكن في سبيل التواصل والتعاون بين المسلمين لا سيما بين الشيعة والسنة وبين المسلمين والمسيحييين عبر الوحدة والتعايش والحوار”.
وختم: “لم ينحصر تأثيره في أوساط المثقفين بل تمكن بأسلوبه البليغ من طرح أعمق المواضيع بلغة بسيطة مفهومة لدى العامة ما ميزه عن سائر الحركات الدينية”.
برق
و القى رئيس اللقاء صادق برق كلمة قال فيها : “نلتقي اليوم في ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر واخويه ، الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين ، ليس على وقفة بكائية على رجل غاب ، بل تجديدا لعهد مع مدرسة فكرية ووطنية ، ما زالت تنبض في لبنان والامة ، الامام موسى الصدر ، لم يكن مجرد قائد ديني فحسب ، بل كان مشروع نهضة وطن ، وصوتا للعدالة الاجتماعية ، ومدافعا شرسا عن المظلومين ، ايا كانت طوائفهم او مناطقهم او انتماءاتهم ، دعا الى وحدة اللبنانيين ، فكان منبرة عابرا للطوائف ، جامعا لا مفرقا ، آمن بان قوة لبنان في تنوعه ، وان الدولة العادلة والقوية والقادرة ، هي الضامن الوحيد لامن الوطن وكرامته”
تابع:” في شعاره رفع الامام راية السلم بين ابناء الوطن ، وراية المقاومة في وجه العدوان ، فكان رسولا للحوار في الداخل ، ودرعا لمواجهة الاحتلال الصهيوني ، وهو صاحب مقولة : اسرائيل غدة سرطانية ، في نهجه الاصلاحي دعا الى : نبذ الفساد ومحاربة الاقطاع السياسي واعطاء الفقراء حقوقهم ، ومدينة جبيل ، وعبر التاريخ ، قد انتهجت نفس نهج الامام السيد موسى الصدر . فمن العام 1975 ، عندما جرى توقيع ميثاق عنايا ، الذي جنب جبيل احداث الحرب الاهلية المشؤومة ، تطور النهج الوكني ، مع تلاقي الارادات الصافية حين بادر لقاؤنا الوطني كحركة فكرية انسانية في العام 1994 ، الى الدعوة مع هيئات وفعاليات ثقافية ، الى جلسات حوارية منفتحة ، تنهض الوطن من كبوته ، بمشاريع التنمية المستدامة وبترسيخ العيش المشترك . ومحاضر تلك الحوارات لا تزال محفوظة في ارشيف اللقاء” .
اضاف :” ان هذه المبادرات الجبيلية التي تحاكي افكار الامام المغيب ، ما زالت مستمرة في لجنة الحوار الوطني التي بادر الى تأسيسها سيادة المطران ميشال عون السامي الاحترام ، ساعيا الى تكوينها من مكونات مجتمع بلاد جبيل الدينية والسياسية “.
وقال : “لبنان اليوم يمر في مرحلة قاسية ومصيرية ، ازمات اقتصادية ، انقسامات سياسية ، وانهيار في الثقة بين المواطن والدولة . وفي هذا الظرف الدقيق ، نستحضر فكر الامام لنعرف ان الحل لا يأتي بالتعصب ولا بالانعزال ، بل بتجديد العقد الاجتماعي على اساس العدالة والمواطنية الحقيقية ، ان الوفاء لذكرى الامام الصدر ، ليس في الكلمات وحدها ، بل في استلهام مواقفه الجريئة ، في العمل من اجل بناء دولة القانون والكرامة ، دولة تحمي ابناءها من الفقر والظلم ، وتحصن وحدتها الداخلية بوجه الفتن والاعتداءات”.
وختم : “نرفع الدعاء الى رب العالمين ، لاجل ان يوفق المتابعين قضية الامام واخويه ، بكشف مصيرهم وان يعيدهم الى وطنهم وذويهم ومحبيهم سالمين ، بعد عقود من التغييب ، ونعاهد الامام ، اننا سنبقى اوفياء للقيم التي ناضل وغيب من اجلها : لعيش الوحدة ، العدالة ، العزة والكرامة الوطنية” .
اللقيس
من جهته، وصف اللقيس الامام الصدر بأنه “عالم جليل، قوي الإرادة، ثاقب النظر، صاحب رؤية، حديثه عذب المذاق، صاحب فكر بناء، زار جبيل في السبعينات من القرن الماضي مرات عديدة وحاضر فيها وتحدث إلى الناس”.
وقال : “غيبه فكره الذي كان يدعو إليه، فكر تمثل بحبه للبنان وباحترامه لكل الطوائف، والعمل على تثبيت العيش المشترك فيه، مع احترامه الكبير لكل طائفة أو فئة، وإعطاء كل ذي حق حقه وفي المعلومات أن دعوة وجهت أيضا آنذاك إلى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله لزيارة ليبيا، غير أن سماحته لم يلب الدعوة لأسباب لم أعرفها، فكان أن نجا من موت ليقع بعدها في موت قدر الله وما شاء فعل”.
اضاف: “لقد غدا العيش المشترك الذي دعا إليه سماحة الإمام المغيب حالة ضرورية وحاجة ملحة في بناء المجتمع، ليس في لبنان فحسب، بل في كل دول العالم، وهو مشروع يقوم على الاحترام المتبادل بين كل الطوائف والأعراق، وله تفصيلات مهمة، ويقوم أيضا على مبدأ التسامح من أجل بقاء المجتمع وديمومته. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (فاعفوا عنهم واصفحوا)، ويقول تعالى أيضا: (فاصفح الصفح الجميل)”.
تابع : “فالاعتقاد حق لكل فرد يعيش على الأرض، فالخالق وحده هو الذي يحاسب الناس على معتقدهم. يقول الله تعالى في القرآن الكريم مخاطبا النبي محمدا عليه الصلاة والسلام: (أفأنت تكره الناس حتىٰ يكونوا مؤمنين)”.
ودعا جمعية الأمم المتحدة إلى “تفعيل هذا المشروع وأن تعممه على سائر دول العالم، وأن تعمل على تثبيته، وأن تحاسب من يتنكر له ويعمل بخلافه، كما تفعل الآن إسرائيل مع أهلنا في غزة والضفة الغربية، إذ تنكر عليهم حقوقهم في إقامة دولتهم وتقتلهم وتبيدهم تارة بالمدفع وتارة بالتجويع على مسمع من العالم، حتى بات يصعب عليك النظر إلى حالتهم التي هم عليها، وكما فعلت في جنوب لبنان إذ دمرت بنيانهم وقتلت شعبهم ولا تزال تهدد لبنان في أرضه وكيانه”.
وطالب وزارة التربية ب”أن تعتمد هذا المشروع في مادة التربية المدنية لأجل أن يدرس في المدارس وحتى في الجامعات، لتتحقق الغاية وهي إقامة مجتمع مسالم يحيى فيه الناس بعضهم بعضا، ولديمومة لبنان الوطن، الذي يعاني من انقسامات وتشرذم لا مثيل لهما، يهددان كيانه ووجوده في الصميم”، مؤكدا ان “لبنان يقوى بتماسك أبنائه أمام مخططات إسرائيل وأمام كل المنتفعين”، مشيرا إلى أن “قوة لبنان بفكره المنير وبما دعا إليه الإمام موسى الصدر في السبعينات من القرن الماضي”.
أضاف : “أقول هذا الكلام بسبب إيماني الراسخ بأن العيش المشترك هو وحده الذي يرسخ الأمن ويبعث على الطمأنينة والسلام، وقد لمسته من خلال تجربتي في جبيل وقضائها طيلة 45 سنة عشتها، فالعيش معا هو دستور لبنان قبل أن يكون هناك دستور على الورق ، لقد مرت علينا أيام صعبة وشرسة من سنة 1975 إلى سنة 1990، كان فيها تحديات كثيرة وأهوال وبهدلة وما شابهها، ولو أردت أن أكتب فيها مجلدات لفعلت. بيد أن حسن التصرف والحكمة والتحلي بالصبر والثبات على الأمر، والحوار الذي أمدني الله تعالى به، حول حياتنا إلى نعيم دائم وإلى استقرار وإلى تجنب فتن لا يعلم عاقبتها إلا الله. ولذلك سماني من سماني بالإطفائي”.
وختم : “أقولها بكل فخر: أكملت من حيث بدأ به الإمام موسى الصدر، ونحن مستمرون على ذلك “.
شرف الدين
اما شرف الدين فشكر اللقاء الوطني”على مبادرته وتنظيمه لهذا اللقاء الجامع”، معتبرا أنه “يضيف لبنة جديدة في صرح الحوار والتلاقي، ويبقي قضية الإمام الصدر حية في وجدان اللبنانيين”.
وقال : “نجتمع اليوم في الذكرى السابعة والأربعين لتغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر وأخويه سماحة الشيخ الدكتور محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين، الإمام القائد الذي لا يزال حضوره حيا في ضمير الوطن والإنسان، مهما غاب الجسد أو رغم على الصمت ، لا نجتمع لنحصي سنوات الغياب، بل لنجدد عهدا مع فكر لا يزال يحمل في طياته رؤيا خلاص لهذا الوطن النازف، ويضع الإنسان، كل إنسان، في موقع الكرامة والحرية والعدالة”.
تابع : “نحيي هذه الذكرى في لحظة تتفاقم فيها انتهاكات الحريات المدنية والدينية في منطقتنا، وتتسارع التحديات التي تهدد السلم الأهلي والعيش المشترك. وفي هذا المشهد المأزوم، يطل علينا فكر الإمام الصدر كضرورة تاريخية وإنسانية، كصوت ينادي شجاعا مدافعا عن حقوق الإنسان، وكرامة المواطن، وحرية المعتقد، ونبذ الطائفية السياسية، وبناء دولة العدالة والمساواة ، فهم الإمام الصدر لبنان فهما عميقا، كونه -في الجوهر- أكبر من انقساماته وأوسع من طوائفه، إذ رآه وطنا رسالة لا مجرد كيان جغرافي يقوم على توازنات موقتة ، آمن بأن بقاء لبنان لا يكون إلا عبر وحدته الوطنية الحقيقية، القائمة على الشراكة الكاملة بين جميع مكوناته، وعلى احترام الآخر لا تهميشه، وعلى التعددية لا الانعزال، وعلى العدالة لا الغلبة”.
أضاف:”من هذا المنطلق، رأى الإمام الصدر أن التعايش المسيحي الإسلامي في لبنان ليس مجرد مصلحة ظرفية أو حالة سياسية، بل هو أمانة حضارية وتاريخية مقدسة، نابعة من عمق الانسجام التاريخي بين المسلمين والمسيحيين في الشرق، ومن التراث المشترك في القيم الروحية والإنسانية ، وشدد على أن هذا التعايش ليس خيالا بل هو قدر، وركيزة من ركائز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم ، وهو الضمانة الوحيدة لبقاء لبنان وطنا حرا جامعا لجميع أبنائه (لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه – موقف الإمام الذي تبناه اللبنانيون في مقدمة الدستور)”.
وقال : “يعد الإمام موسى الصدر رائدا في التأكيد على أصالة المسيحيين في لبنان والشرق، كشركاء في تكوين الهوية الحضارية والثقافية للمنطقة، إلى جانب المسلمين ، ولذلك، فإن الدفاع عن هذا الوجود ليس مجرد دفاع عن طائفة، بل دفاع عن لبنان، وعن صيغة وطن يحمل رسالة للإنسانية، ورأى أن حماية التنوع مسؤولية وطنية وأخلاقية تعكس عمق التزامنا بقيم العدل والتسامح والحضارة. ورأى في الحوار بين الأديان وسيلة خلاص لا مجرد ترف فكري، وكان يقول: “الاختلاف نعمة لا نقمة”؛ وإن مسؤوليتنا كمواطنين ومؤمنين أن نحول هذا الاختلاف إلى قوة تلاق لا صراع”.
واعتبر ان “ما نعيشه اليوم من تفكك وتعصب وتحريض، هو الكابوس الذي توجس منه الإمام الصدر، وحاول جاهدا أن نتفاداه عبر الحوار والتسامح والانفتاح ، بالنسبة إليه، الأديان ليست أدوات للفرقة، بل هي مصدر للطاقة الأخلاقية الدافعة لبناء السلام والعدالة، مشيرا إلى أنه كان يخاطب الجميع بلا استثناء: أيها المسلمون الذي ليس منكم من لا يهتم بأمر الناس، أيها المسيحيون الحاملون صليب المعذبين؛ وهو بذلك يرتقي بالعيش المشترك من مجرد شعار إلى منهج حياة، وسلوك حضاري متجذر في الإيمان بالله، وفي محبة الإنسان لأخيه الإنسان”.
وقال : “تتضمن قائمة المخاطر الآنية: التوتر الحاد على خلفية الدفاع عن السيادة وأمن الناس، الأزمة المعيشية الخانقة، عزوف الشباب واستشراء اليأس الذي يترجم بالنزف البشري المتمادي، الفساد وأثره في نظرة العالم إلى لبنان ومؤسساته، وغيرها من الأمور المستعصية ، والمذهل أن الإمام الصدر استشرف منذ خمسين عاما معظم الأخطار المحدقة بنا اليوم، هو الذي حذر مبكرا من مخاطر الطائفية السياسية والانقسام، واعتبرها سما زاحفا يفتك بجسد الوطن، ودعا صراحة إلى إلغائها، وبناء دولة مدنية حديثة قائمة على المساواة والعدالة، تحترم التعدد وتحميه”.
واعلن انه في “مدينة صور، وقبل نحو ستين عاما، هناك حادثة لا تنطفئ بمرور الزمن، وذلك عندما زعزع الإمام الصدر حواجز الطائفية بموقف إنساني بسيط – حين تضامن مع بائع البوظة المسيحي “جوزف أنتيبا”، وهو الموقف الذي يفتح نافذة على فضاء التعددية، فالعيش المشترك لا يكون عيشا صامتا، بل حياة نابضة بالتفاعل الإيجابي، بالاعتراف الصادق بحقوق الآخر المختلف، والتعاون معه ندا لند”.
واشار الى انه “خلال مسيرته الناشطة، شارك الإمام الصدر في ندوات فكرية ومحافل روحية جمعت المسلمين والمسيحيين، وتكامل في خطابه مع شخصيات دينية بارزة، مثل المطران غريغوار حداد، والأب يواكيم مبارك، والشيخ صبحي الصالح. وكانت كلها دعوات واضحة لبناء وطن واحد، لا تذيب الانتماءات بل تصونها بالتكامل ، وبعد انتخابه رئيسا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، خاطب الإمام الصدر البطريرك الماروني بولس المعوشي قائلا: يدي ممدودة والقلب مفتوح، معلنا أن الطوائف ليست حواجز بل جسور تعاون في بناء الوطن المشترك، وهي نعمة، في حين أن الطائفية هي النقمة”.
وقال : “من تأسيس هيئة نصرة الجنوب التي جمعت رجال دين من مختلف الطوائف، إلى مشاركته في مؤتمر “السلام والمعتقدات الروحية” في باريس، وصولا إلى رعايته لبيان المثقفين الموقع في العام 1974 من 191 شخصية فكرية وثقافية متنوعة، جعل الإمام الصدر من التفاعل الصادق نهج حياة ونموذج عمل نحو وطن أفضل”.
اضاف : “لم يكن التغييب تغييبا لشخص فحسب، بل محاولة لإسكات مشروع إنساني عابر للطوائف والانقسامات. من مفردات المشروع أن الإمام الصدر دأب على الربط بين قضايا الناس اليومية – من حرمان وتهميش وفقر – وبين قضايا الوطن الكبرى – من سيادة وحرية وعدالة. لذلك، فإن قضيته اليوم، وبعد سبعة وأربعين عاما من تغييبه، تبقى قضية وطن لا قضية فرد، قضية منهج لا لحظة، قضية أمل لا يضام .لقد اختار الإمام الصدر لبنان لأن فيه معظم المسوغات، والشروط، والفرص التي تنفي مخاطر التشرذم والتعصب، أو تتيح دحضها على أقل تقدير وكأن لبنان بتاريخه، وتركيبته، وتجربته، هو نقيض الأحداث المريرة التي تعصف بالمنطقة والعالم، إنه الترياق ، وهو لم يكن يمارس ترفا فكريا، أو يمارس رياضة ذهنية في حقل تجارب اسمه لبنان، بل كافح لإثبات أطروحته بلا هوادة، وبكل ما أوتي من طاقة؛ حيث مارس حقه كمواطن في قيادة الناس وتحشيدهم ، لقد وضع الإصبع على مكامن النزف والهدر والتمييز، وعمل على تعزيز المواطنة بحقوقها وواجباتها”.
تابع : “وحيث أننا نحيي قضية تغييب الإمام الصدر وأخويه، نؤكد ثوابت تلك القضية:
أولا: ننطلق من مبدأ حياة الإمام وأخويه على قاعدة عدم ثبوت العكس، بل بتواتر معلومات عن بقائهم أحياء ونقلهم بين عدة سجون.
ثانيا: هذه القضية تتجاوز حدود لبنان، لتصبح قضية وطنية، وعربية، وإسلامية، ودولية، وإنسانية.
ثالثا: معمر القذافي ونظامه هم من ارتكبوا جريمة الخطف، وكل ما عدا ذلك من أخبار هي اشاعات بهدف التعمية.
رابعا: نحن نطالب بتحرير الإمام وأخويه أولا، لا كشف مصيرهم، ثم الوصول إلى الحقيقة، والمطالبة بالعدالة والمحاسبة، وهذه هي إحدى القواعد المعتمدة دوليا في جرائم الاخفاء القسري.
خامسا: لا تطبيع مع الحكومة الليبية الحالية قبل تعاونها في هذه القضية، وعليها تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان وليبيا.
سادسا: على القضاء اللبناني إكمال عمله الموثوق، وعلى السلطة التنفيذية دعم متابعة هذه القضية.
سابعا: الإمام الصدر لم يذهب للسياحة ولا لحضور مؤتمر، بل للضغط على معمر القذافي من أجل وقف الحرب الأهلية، ومنع تحويل الجنوب إلى ساحة وأرض مفتوحة؛ وهو، وأخويه، لم يغادروا إلى روما؛ وهذا ثابت بحكم قضائي إيطالي مبرم.
ثامنا: على جامعة الدول العربية العمل لإلزام الجانب الليبي بتنفيذ ما هو واجب عليه.
تاسعا: على الهيئات الدولية الحكومية والاهلية أن تتضامن مع الإمام وأخويه.
عاشرا: من حق الإمام على الإعلام والنخب أن ترفع الصوت صونا ودعما”.
وختم : “اللبنانيون اليوم، تحت ضغط الأزمات المتراكمة، مدعوون إلى استذكار الإمام الصدر ليس بالخطابات فقط، بل باستعادة فكره ونهجه، وبإعادة الاعتبار إلى الدولة التي ترعى ولا تقهر، إلى الدولة التي تحكم باسم الشعب لا باسم الطائفة، إلى الدولة التي تنهي زمن المحاصصة والانقسام، وتؤسس لزمن المواطنة والكرامة ، وأمام استحقاق الوحدة الوطنية، نذكر بما كان الإمام الصدر يردده دوما: “الطائفية تحمي نفسها، أما الوطن فيحتاج إلى من يحميه”. فلنكن نحن حماة الوطن، ولنجعل من التعددية والعيش الواحد الفعال نهجا مستمرا لا شعارا موقتا”.
عون
من جهته، اشار المطران عون في كلمته إلى انه “في مثل هذه الأيام، قبل سبعة وأربعين عاما، غاب الإمام السيد موسى الصدر عن لبنان والأمة، لكنه بقي حيا في الوجدان، حاضرا في الضمائر، ناطقا بالحق، صامدا في وجه التفرقة والحرمان، كما كان في حياته تماما”.
وقال : “إنها مناسبة حزينة، ولكنها أيضا مناسبة غنية بالدلالات الوطنية والإنسانية، لأن الإمام الصدر لم يكن فقط مرجعا دينيا، بل كان ضميرا وطنيا حيا، وصوتا صادقا من أجل العدالة، وأخا لكل اللبنانيين، دون تفرقة في الدين أو الطائفة أو الانتماء ، لم يكن مجرد زعيم طائفي، بل كان قائدا وطنيا رؤيويا، آمن بأن الدولة القوية العادلة هي السبيل الوحيد لحماية الإنسان، ورفع الحرمان، وصون كرامة الوطن ودعا إلى دولة لا طوائف فيها، بل مواطنين، إلى عدالة لا تميز بين منطقة وأخرى، وإلى عيش مشترك لا تنكره الأزمات”.
اضاف : “نجتمع اليوم لنحيي ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، الرجل الذي حمل في قلبه محبة الناس، ورفض الظلم، ونادى بقيام دولة الإنسان، دولة القانون، دولة العدالة، ورفع راية الوطن فوق كل انقسام، لقد كان الإمام الصدر رجل حوار حقيقي، عرفناه نحن المسيحيين شريكا في الوطن، وشاهدا على وحدة المصير، وداعية صادقا للعيش المشترك لم يكن رجل عزلة أو تعصب، بل كان جسرا بين الطوائف، ورمزا من رموز الاعتدال والانفتاح”.
واردف :” ليس غياب الإمام الصدر مجرد اختفاء رجل، بل هو فقدان مشروع لبناء لبنان الحقيقي، لبنان الذي نحلم به جميعا، لبنان الذي لا يقاس فيه الإنسان بانتمائه الطائفي، بل بكرامته، وعطائه، ومحبته، لبنان الذي لا تقسم فيه الحقوق، ولا تحتكر فيه الدولة، ولا تغيب فيه الحقيقة، لبنان الذي يعيش فيه المسيحي والمسلم جنبا إلى جنب، مواطنين لا طائفتين ، لقد علمنا الإمام الصدر أن الدولة ليست غنيمة، بل مسؤولية، وأن رجل الدين، إن لم يكن في خدمة الناس، فقد رسالته، وأن الحق لا يبنى إلا بالحوار، والمواجهة السلمية، والمطالبة الصادقة”.
واضاف : “في هذه الذكرى، نحن كمسيحيين، وكشركاء في هذا الوطن، نذكر أن صون كرامة الشخص البشري وتحقيق العدالة الاجتماعية هما في صلب عقيدة الكنيسة الاجتماعية، ومن هنا نجدد الدعوة إلى بناء الدولة القوية والعادلة، الدولة التي تحمي جميع أبنائها، وتنصف محروميها، وتحارب الفساد، وتحرر القرار الوطني من التبعية، والتسلط، والضعف”.
وأعلن أن “الإمام الصدر ما زال حيا في ضميرنا، وأن قضيته ليست فقط قضية طائفة، بل قضية كل من يؤمن بالحقيقة، وكل من يحلم بوطن يجمعنا، لا يفرقنا، وإن استذكار الإمام الصدر اليوم هو دعوة لكل اللبنانيين لكي يواصلوا الدفاع عن مشروع الدولة، مهما تعاظمت الأزمات، ودعوة صريحة إلى الوحدة بدل التفرقة، وإلى العدالة بدل الإهمال، وإلى بناء الدولة، وإلى أن يبقى الإنسان القيمة العليا في كل نظام أو سياسة”.
وقال : “لم يكن الإمام الصدر رجلا عاديا، بل كان ظاهرة استثنائية في الدين، والسياسة، والفكر، والاجتماع، حمل عباءة الدين بعقل منفتح، وقلب محب، ولسان ناطق بالعدل، وارتدى ثوب السياسة وهو يواجه الطغيان ليحطمه ، نادى مبكرا بما لم يجرؤ كثيرون على نطقه ، أن لا دولة دون عدالة، ولا عدالة دون إنصاف الفقير، ولا إنصاف دون مقاومة الحرمان ، آمن الإمام الصدر أن خدمة الإنسان هي جوهر الرسالة الإلهية، وأن السياسة بدون أخلاق هي خيانة للمستضعفين ، وها نحن اليوم، نقف في ذكرى تغييبه، لا لنرثي غيابه، بل لنستنطق حضوره في كل زاوية من زوايا هذا الوطن المأزوم، الذي ما زال يفتش عن ذاته في دهاليز الطائفية، والمحاصصة، والفساد، والتبعية”.
اضاف : “لقد رأى الإمام الصدر أن الدولة هي الضامن الوحيد للعدالة والاستقرار، شرط أن تكون دولة حقيقية، لا أشلاء طوائف. وكان صوته صريحا عندما قال:” لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ، لا طائفة فوق الوطن، ولا سلاح فوق الدولة”.
وقال:”اليوم، في ظل الانهيار الشامل الذي يضرب مؤسسات الدولة، وفي ظل الانقسام العامودي الحاد الذي يعصف بالبلد، نتوجه بنداء وطني صريح لإحياء مشروع الدولة الذي آمن به الإمام الصدر، دولة المواطنة، والعدالة الاجتماعية، والحقوق المتساوية”.
وختم : “في ذكرى الإمام الغائب، لا بد أن نسأل أنفسنا هل نعمل فعلا من أجل الدولة التي أرادها الإمام الصدر؟ هل نربي أبناءنا على الوطن لا على الطائفة؟ هل نقف حقا إلى جانب الفقراء، والمظلومين، والمحرومين، كما أوصى؟أم تركنا كل ذلك خلفنا، وركضنا نحو زواريب الطائفية ومصالح الزعامات؟ في هذه الذكرى، نجدد عهدنا أن نبقى أوفياء للحق، وللإنسان، وللوطن، كما أراد الإمام الصدر دوما. ونحن مدعوون إلى السير معا على طريق الحوار، والعدالة، وبناء المؤسسات، ولنحمل هذا الغائب الحاضر في ضمائرنا، لأنه كان صوتا لكل لبنان ، وفيما نطالب بجلاء الحقيقة عن تغييب الإمام السيد موسى الصدر، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، نسأل الله أن يلهمنا كي نكون أمناء لرسالة الوطن والإنسان”.
سليمان
وتليت خلال الندوة رسالة وجهها الرئيس ميشال سليمان إلى اللقاء الوطني رئيسا وأعضاء شاكرا دعوته للمشاركة في ذكرى تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر، مشيرا إلى أن “هذه الذكرى تبقى حية في وجدان كل لبناني يؤمن بالعدل والكرامة والوحدة”.
وإذ أعرب عن اسفه لعدم تمكنه من الحضور، أكد أن “الإمام الصدر شكل رمزا وطنيا وإنسانيا فريدا، جمع بين الإيمان العميق بالإنسان وبين الالتزام الصادق بلبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه ، لافتا إلى أننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، في أمس الحاجة إلى حكمته ورؤيته لبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية “.
