كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وقع استمرار إسرائيل في التصعيد قصفاً واغتيالاً في الجنوب كما في البقاع، جالت الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس على الحدود الجنوبية، يرافقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي هدّد أمامها بـ«استمرار الهجمات على لبنان، واتخاذ كافة الإجراءات لضمان أمن سكان الشمال والحدود»، على ان تنتقل من تل ابيب إلى بيروت اليوم للقاء المسؤولين، قبل أن تشارك في اجتماع «الميكانيزم» في الناقورة بعد غد. في الوقت الذي تلقى لبنان من مصر مضامين رسائل عربية ودولية حول التطورات الأخيرة المتصلة بالحدود الجنوبية، واستمرار التصعيد الإسرائيلي الذي بدأ يثير مخاوف من أن يكون مقدمة لعمل عسكري واسع.
تتقاطع التقديرات لدى عدد من الأوساط السياسية حول إمكان قيام إسرائيل بعمل عدواني على لبنان في الفترة القريبة المقبلة، لأنّ عدداً من المؤشرات الإسرائيلية تبرز ذلك، ولا سيما منها التصعيد الميداني الواضح الذي ظهر في الأيام الأخيرة، وامتد من المناطق المحاذية للحدود الجنوبية إلى البقاع، وبكثافة لافتة. والمثير كان أمس التقرير الذي نشرته صحيفة «معاريف»، وتضمّن تلميحات مبطنة إلى أنّ قيام إسرائيل بتوسيع ضرباتها بات أمراً اضطرارياً ومحسوماً.
ويتهم التقرير «حزب الله» بأنّه يعتمد نهج «التضحية التكتيكية» بكوادره في الجنوب، ليتسنى له استعادة قواته في مناطق جنوب الليطاني، أي أنّه يفضّل تحمّل الخسائر اليومية الباهظة بمنظومته البشرية بصمت، لكي يتابع عملية بناء قدراته هناك. فالردّ على إسرائيل في لحظة غير مناسبة سيعرّضه لضربات ليس مستعداً لتحمّلها. وفي عبارة أخرى، هو يفضّل أن يتلقّى الضربات المكلفة من دون ضجيج، لأنّه سيردّ في الظرف المناسب، بعد أن يستكمل خطة استعادة القدرات.
وهذا التقرير قرأه كثير من الخبراء بوصفه تحريضاً واضحاً على الحزب، الذي يعلن في وضوح أنّه يتعاون تماماً مع الجيش اللبناني في جنوب الليطاني ويقوم بتسليمه مخازنه ومنصات صواريخه. ويلتقي التقرير مع إعلان إسرائيل قبل أيام عن عمليات تهريب للسلاح من بقعة جبل الشيخ في سوريا إلى «حزب الله» في لبنان. وهذه التسريبات الإسرائيلية تصبّ في خانة التمهيد لعمليات عسكرية موسعة ضدّ لبنان.
اورتاغوس
وفي هذه الأجواء، ستصل الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس مساء اليوم إلى لبنان آتية من إسرائيل، لتبدأ غداً لقاءاتها مع المسؤولين، بدءاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في جولة تستكمل فيها المسار الأميركي في موضوع حصرية السلاح بيد الدولة وانتشار الجيش، على أن يزور المبعوث الأميركي توم برّاك لبنان بداية تشرين الثاني المقبل، علماً انّ المراجع المسؤولة لم تتلق بعد أي إشارات او اتصالات في شأن زيارته هذه. وستتزامن زيارته مع وصول السفير الأميركي الجديد إلى لبنان ميشال عيسى.
وستتّوجه اورتاغوس بعد غد الأربعاء إلى الناقورة للمشاركة في اجتماع لجنة «الميكانيزيم» في الناقورة. ونُقل عن مصادر ديبلوماسية تأكيدها، انّ الرسالة الأميركية التي تحملها اورتاغوس تتخطّى ملف حصرية السلاح إلى إيجاد آلية للتفاوض مع إسرائيل.
وأشارت هذه المصادر إلى أنّ الرسالة تحمل «هامشًا زمنيًا غير بعيد»، ما يعني أنّ المهلة المحدّدة لاتخاذ إجراءات ملموسة قد تكون «أسابيع وليس أشهراً». ولفتت المصادر إلى انّ هذه الرسالة، تحمل إشارات واضحة إلى الأطراف اللبنانية حول حدود المهلة الزمنيّة وأهمية تحركهم السريع، مما يعكس الضغوط الدولية المستمرة على لبنان لتسريع التوصل إلى حل سياسي وأمني للأزمة القائمة.
وذكرت قناة «العربية»، أنّ أورتاغوس ستصل إلى بيروت اليوم «للمشاركة في اجتماع مخصص للبحث في التطورات الميدانية وآليات منع التصعيد وتسليح «حزب الله»، ضمن مسعى أميركي ـ عربي لتثبيت خطوط التهدئة ومنع انزلاق الأوضاع إلى مواجهة شاملة».
جولة على الحدود
وقد استبقت أورتاغوس زيارتها للبنان بجولة على الحدود الجنوبية برفقة وزير الدفاع يسرائيل كاتس، حيث اطّلعا على الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة. وقد رافقهما في الجولة السفير الأميركي في إسرائيل، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، وممثلون عن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، وعن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وهدّد كاتس امام أورتاغوس بـ»استمرار الهجمات على لبنان، واتخاذ كافة الإجراءات لضمان أمن سكان الشمال والحدود».
في هذه الأثناء، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ «إسرائيل لا تحتاج إلى إذن من أحد لضرب أهداف في غزة أو لبنان، على رغم من موافقتها على الهدنة الأخيرة». واشار خلال اجتماع لحكومته إلى انّ «إسرائيل دولة مستقلة، لسنا مستعدين للتسامح مع هجمات ضدّنا. نردّ على الهجمات وفق ما نراه مناسباً، لا نسعى للحصول على إذن من أحد للقيام بذلك. نحن نتحكّم في أمننا». واعتبر أنّ «إسرائيل وحدها ستقرّر أياً من الدول سيُسمح لها بالانضمام إلى القوة الأمنية الدولية التي من المقّرر نشرها في غزة».
المخابرات المصرية
وفي غضون ذلك، يزور رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد لبنان غداً، في زيارة رسمية، يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة، في إطار جولة إقليمية تتزامن مع تصاعد الاتصالات الدولية حول الوضع في لبنان والجنوب.
ونُقل عن مصادر سياسية لبنانية، أنّ هذه الزيارة المصرية «لافتة من حيث هوية الزائر»، إذ يُعدّ اللواء رشاد من الشخصيات الأمنية الرفيعة في مصر، ومن المقرر أن ينقل مضامين الرسائل الدولية والعربية الموجّهة إلى لبنان في شأن التطورات الأخيرة، ولا سيما منها تلك المتصلة بالحدود الجنوبية واستمرار التصعيد الإسرائيلي.
وذكرت قناة «الحدث»، أنّ الزيارة تأتي بعد أسبوع واحد على لقاء رشاد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في إشارة إلى تنسيق مصري ـ إسرائيلي حول آفاق التهدئة ومساعي منع توسع دائرة المواجهة.
«حزب الله»
وقال الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ضمن مقابلة مع قناة «المنار» رداً على سؤال عن جهوزرية «حزب الله» لأي معركة محتملة، «أننا كمقاومة جاهزون للدفاع وليس جاهزين لشن معركة وليس لدينا قرار لشن معركة ولا قرار لمبادرة بالقتال، لكن إن فُرضت علينا معركة ولو لم يكن لدينا سوى خشبة فلن نسمح للإسرائيلي أن يمرّ، سنقاتله حتى لو لم يبق منا رجل أو امرأة». وأشار إلى أنّ «استمرار الأميركي والإسرائيلي بهذه الوتيرة للضغط، حتى تأخذ أميركا بالسياسة ما لم تأخذه إسرائيل بالحرب، وهناك قدر من الردع موجود قد لا يمنع الحرب لكنه يمنع تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية». وقال: «أنا أنصحهم وحتى وهم أعداء، إذهبوا وطبّقوا الاتفاق الذي حصل والكل يطلع ربحان، إن لم تطبّقوا الاتفاق لن تحصلوا على نتيجة، ونحن سنستمر في الاستعداد لنقاوم أي عدوان يمكن أن يحصل». وللمرّة الأولى، كشف قاسم أنّ «عنصراً من «الحزب» حدّد الإحداثيات الدقيقة لضرب منزل نتنياهو، وكانت الضربة مقصودة إما لإصابته أو لمنزله».
وعن ردّ «الحزب» على اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد نصرالله قال قاسم: «قمنا بما يلزم وبما نقدر عليه». ووصف العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ»الممتازة جداً»، وقال: «نحن وإياه نتشارك وجهة نظر واحدة، ونتقاطع في الفهم، والوعي، والحرص على الطائفة، والحرص على لبنان، والحرص على المقاومة». وتوجّه إلى رئيس الحكومة نواف سلام قائلاً: «نحن إيجابيون، ونريد التعاون معك، ونجاح البلد، ولا نريد أن نختلف معك. والقضايا الكبيرة التي فيها مشكل استراتيجي أو قد تسبب أزمة في قلب البلد، فدعها جانباً». واكّد «إنّ لدى الرئيس جوزاف عون نفَساً إيجابياً في معالجة الأمور بالتفاهم، وقد عبّر عن ذلك في محطات مختلفة، وتنسيقنا معه أساسي وضروري ومستمر». ورأى «أنّ الجيش اللبناني جيش وطني، وأداؤه الآن أيضاً جيد ويعمل بطريقة متوازنة، ونحن دائماً مع شعار: جيش، شعب، مقاومة». وفي ملف الانتخابات النيابية، أكّد الشيخ نعيم قاسم أنّ «حزب الله» مع إجراء الانتخابات في موعدها، والتأجيل لا ينفع، ونحن مع القانون الساري، فليذهبوا وينفّذوه. والقانون يعطي حقاً للمغتربين، ويقول إنّ لهم 6 مقاعد خارج الدوائر».
الاستحقاق النيابي
ومن جهة ثانية، وعلى خلفية النزاع السياسي الدائر حول استحقاق الانتخابات النيابية وموضوع اقتراع المغتربين من عدمه، يتّجه عدد من الكتل النيابية، إلى مقاطعة جلسة مجلس النواب التشريعية المقرّرة غداً، اعتراضاً على عدم إدراج بند تعديل قانون الانتخاب على جدول الأعمال.
وأعلن تكتل «الجمهورية القوية» بعد اجتماع استثنائي له برئاسة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، مقاطعة الجلسة النيابية. معتبراً أنّ عدم إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر الذي تقدّم به 9 نواب بتاريخ 9 أيار 2025 ويرمي إلى إلغاء المادة 112 من قانون الانتخابات النيابية «سابقة تعبّر تعبيراً صارخاً عن ازدراء رئيس المجلس بإرادة أعضائه». وقال: «إنّ هذه المادة الجائرة تحرم اللبنانيين المنتشرين في أصقاع الأرض من حقهم الدستوري الطبيعي في انتخاب ممثليهم الـ128 أسوةً بكل لبناني مقيم، وتحصرهم في 6 مقاعد رمزية لا تعبّر عن وزنهم الوطني ولا عن مساهمتهم التاريخية في بقاء لبنان وازدهاره، وهي مقاعد أعربت الحكومة صراحة عن استحالة توزيعها على القارات وتطبيق الانتخابات بشأنها». وطالب التكتل «رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، وفي اول جلسة يعقدها، بتحمّل مسؤولياته الوطنية من خلال إقرار مشروع قانون في مجلس الوزراء يقضي بإلغاء المادة 112 وإحالته إلى المجلس النيابي بمرسوم معجّل مكرّر لإقراره قبل انقضاء المهل القانونية التي تقترب من الانصرام، استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2026». وأكّد أنّ «معركته ليست ضدّ أشخاصٍ بقدر ما هي موجّهة ضدّ نهجٍ متمادٍ في مصادرة المؤسسات واحتقار الدستور، وأنّه سيواصل النضال من داخل المجلس وخارجه لإعادة الاعتبار لدولة القانون والمساءلة، دولةٍ نفد صبر اللبنانيين في انتظار قيامها».
وبدورها كتلة «تحالف التغيير»، أعلنت بعد اجتماع لها مقاطعة الجلسة النيابية، معتبرة انّ «من غير المقبول منع النواب من ممارسة حقهم ودورهم في تعديل أيّ قانون أو حتى تعديل الدستور عند الضرورة، فالقوانين ليست نصوصًا مقدّسة وليست كتباً سماوية، وأصول تعديلها هي من صلب العمل التشريعي». وقالت: «لا يجوز منع الحكومة من ممارسة دورها في طلب تعديل القوانين، فهذا من أبسط حقوقها التي يكفلها الدستور». مشدّدة على «أنّ حقّ اللبنانيين المقيمين في الخارج في التصويت هو حقّ دستوري غير قابل للتشويه أو الابتزاز السياسي».
تصعيد واغتيالات
تواصل التصعيد الإسرائيلي جنوباً وبقاعاً، وأسفرت الهجمات الجوية بالطيران الحربي والمسيّر في الجنوب والبقاع عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى بينهم مقاتلون في «حزب الله».
وفي تصعيد لافت، اغتال الطيران الإسرائيلي الحربي والمسيّر عدداً من القيادات العسكرية في «حزب الله». وأفادت القناة 14 الإسرائيلية، أنّ الاستخبارات الإسرائيلية تتابع من كثب التطورات في لبنان، مؤكّدة أنّ العمليات ستستمر «طالما استمر حزب الله في تهديد الحدود الشمالية والمواطنين الإسرائيليين».
وقد استهدفت الاغتيالات خمسة عناصر من الحزب، في إطار ما تقول إسرائيل إنّه «جهد لمنع «حزب الله» من إعادة بناء قدراته العسكرية في الجنوب». وهم: زين العابدين، حسين فتوني، محمد أكرم عربية، عبد محمود السيد، علي حسين الموسوي.
وإلى ذلك، أعلنت قوات «اليونيفيل« في بيان، انّ مسيّرة إسرائيلية اقتربت مساء امس من دورية تابعة لها قرب بلدة كفركلا وألقت قنبلة، وبعد لحظات، أطلقت دبابة إسرائيلية النار في اتجاه قوات حفظ السلام، ولكنها لم تُلحق أي إصابات أو أضرار بأفراد «اليونيفيل» أو معداتهم.
واعتبرت «اليونيفيل» انّ «هذه الأفعال التي قام بها الجيش الإسرائيلي تُشكّل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 وسيادة لبنان، وتُظهر استخفافاً بسلامة وأمن جنود حفظ السلام الذين يُنفّذون المهام التي كلّفهم بها مجلس الأمن في جنوب لبنان».





































