كتبت صحيفة “الجمهورية”: في زمن التفاوض الذي دخله لبنان «يذهب العاشق ويأتي المشتاق»، ولكن شيئاً لا يتغيّر في مسار الأوضاع، فإسرائيل مستمرة في عدم التزامها وقف إطلاق النار والانسحاب من المناطق التي تحتلها، على رغم من «التطعيم المدني» للجنة «الميكانيزم»، فيما لبنان كان ولا يزال يعوّل على المساعي والوساطات الإقليمية والدولية، ولا سيما منها الأميركية، في وقت بدأ يسود بعض الأوساط السياسية مخاوف تتعدّى التهديد الإسرائيلي بحرب جديدة، إلى أحداث أمنية داخلية يمكن أن تحصل وتفرض نفسها من خارج المسار.
قال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»: «بدأنا نلمس خفض منسوب التشاؤم، لكن هذا لا يعني أننا أبعدنا شبح الحرب عن لبنان، لأنّ إسرائيل مستمرة في عدوانها اليومي، ووصلتنا رسالتها أنّها لن توقف النار للتفاوض، والنار بالنسبة اليها هي فوق التفاوض».
وكشف المصدر «انّ المعنيين استطاعوا أن ينتزعوا عدم نكران الموفدين الدوليين من أنّ لبنان يقوم بخطوات إيجابية». ودعا المصدر إلى «التوقف ملياً عند كل كلمة قالها رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. فالأزمة في صلبها تكمن في عدم التزام إسرائيل بكل الاتفاقات، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً انّ «حزب الله» التزم وانسحب كلياً من جنوب نهر الليطاني بحسب الاتفاق، وفي المقابل فإنّ العدو لم يقم بأي خطوة لا لجهة وقف الأعمال العدائية ولا الانسحاب. والذي استجد أننا قدّمنا خطوة إضافية تدحض الإدّعاءات الإسرائيلية ولم نسمع الصدى».
وقال المصدر نفسه «إنّ ما يتجاهله البعض وللأسف، يتقاطع مع مَن في الداخل، انّ إسرائيل ملزمة بتطبيق الاتفاق، ونحن نكرر الموقف، وهو أن لا يصح التفاوض تحت النار، والخوف أن تستمر إسرائيل في حربها لا بل تذهب إلى أبعد من الخطوط المرسومة حالياً، وإنّ كل التدخّل الخارجي لا يعمل بطريقة فاعلة، وخصوصاً الجانب الأميركي ذو التأثير الأكثر فعالية، في اعتبار انّ العدو لا يعير اهتماماً لأي مطالب أخرى، وربما ما يؤخّر التصعيد الكبير أننا لا نعطي عدونا ذريعة». ويؤكّد المصدر «انّ الالتزام بالمكتوب هو الحل، ونحن ننتظر تطبيقه ومساعدة الأميركي على فرضه من دون لا مهل ولا رهانات».
وأكّد المصدر، انّ جولة الموفد الفرنسي لن تقدّم ولن تؤخّر في الواقع شيئاً، حتى انّ اللقاء الرباعي الذي تردّد انّه سيُعقد في 18 من الجاري في باريس بين لودريان ولوجاندر والموفد السعودي يزيد بن فرحان والموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس وقائد الجيش العماد رودولف هيكل عشية اجتماع لجنة «الميكانيزم» في 19 من الجاري، لا تأكيد بعد انّه سيحصل وربما لن يحصل.
الحراك الفرنسي
في سياق متصل، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، إنّ المؤشر الأبرز الذي توحي به عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، هو أنّ مسار التفاوض قد تحرّك فعلاً، وأنّ هناك حاجة إلى تفاعل مجموعة كبيرة من الأفكار والطروحات، خارج الطرحين الأميركي والإسرائيلي اللذين يدوران حول نقطة واحدة هي: نزع سلاح «حزب الله» بكامله وقبول الحكومة اللبنانية بمسار التفاوض خارج إطار «الميكانيزم».
وأوضحت هذه المصادر، أنّ الحراك الفرنسي جاء منسقاً مع المبادرات العربية الثلاثية، السعودية ـ القطرية ـ المصرية، التي استؤنفت جميعها بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة على خط بيروت، بهدف تجنّب وصول الوضع اللبناني إلى نقطة الانفجار الحتمية، كما كان متوقعاً، مع مطلع العام الجديد.
وأكّدت المصادر، وفق ما وصل إليها من معلومات، أنّ مبادرة باريس التي بقيت جامدة لفترة طويلة بسبب تعثر المفاوضات، تمّ تحريكها بالتزامن مع بدء «المفاوضات المدنية» بين لبنان وإسرائيل، بطلب من واشنطن وبتنسيق دقيق معها، لما لفرنسا من رصيد لدى كل الأطراف في لبنان، بما في ذلك «حزب الله». ولذلك، سيلعب الفرنسيون في الناقورة دوراً مهمّاً في تسهيل المخارج في الفترة المقبلة، بدعم عربي، ولكن تحت المظلة الأميركية.
جولة لودريان
وكان لودريان واصل جولاته على المسؤولين اللبنانيين، والتقى أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، ودام اللقاء أكثر من ساعة، وتناول تطورات الاوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية على ضوء مواصلة إسرائيل لاعتداءاتها على لبنان، إضافة للعلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا.
والتقى لودريان أيضاً قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، وعرض معه للتطورات في لبنان والمنطقة وسبل دعم الجيش في ظلّ التحديات الراهنة. ثم زار الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي شدّد على ضرورة دعم الخطوات اللبنانية الإيجابية، سواء مبادرة رئيس الجمهورية بتكليف السفير سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، أو الإجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني. وتمّ التشديد على الالتزام ببنود التفاوض التي كان جنبلاط قد تناولها مع رئيس مجلس النواب، ويأتي في طليعتها تثبيت وقف إطلاق النار وعودة الجنوبيين وتحرير الأسرى. وأكّد المجتمعون أهمية الدور الفرنسي في تعزيز المسار الإيجابي للعلاقات اللبنانية ـ السورية.
كذلك التقى لودريان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، وتمحورالبحث حول المؤتمر الدولي الذي سيُخصّص لدعم الجيش اللبناني، بمشاركة أميركية وسعودية وفرنسية، فضلًا عن ضرورة إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها المحدّد. وعقب اللقاء الذي دام ساعة، اكتفى لودريان بالقول للصحافيين: «Quand je parle je parle».
وفي المساء التقى لودريان رئيس الحكومة نواف سلام على مأدبة عشاء في قصر الصنوبر في بيروت بحضور عدد من الوزراء.
قمة لبنانية ـ عُمانية
على انّ التطورات في لبنان والمنطقة كانت محور بحث في سلطنة عمان، خلال لقاء القمة الذي انعقد مساء أمس في قصر العلم في مسقط بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وسلطان عمان هيثم بن طارق.
وأكّد الرئيس عون أنّ «زيارته لسلطنة عمان ستفسح المجال أمام تعزيز التعاون الثنائي اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وتعليمياً»، لافتاً إلى أنّ «اللبنانيين يتطلعون الى آفاق جديدة من التعاون بين لبنان والسلطنة»، منوّها بـ«عمق العلاقات الثنائية».
ومن جهته، شدّد سلطان عمان على «اهتمام السلطنة بالوضع في لبنان ومتابعتها آخر التطورات فيه»، مركّزاً على «عمق العلاقات الأخوية بين البلدين وضرورة تعزيز التعاون والتنسيق الثنائي»، مؤكّداً «الدور الإيجابي الذي يقوم به اللبنانيون المقيمون في عمان».
وكان الرئيس عون والسلطان هيثم بن طارق انتقلا معاً من المطار إلى قصر العلم، وبعد مراسم الاستقبال عُقدت محادثات موسعة تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في المجالات كافة.
وثمّن الرئيس عون «الدعم الذي تقدّمه سلطنة عمان إلى لبنان في مختلف المجالات، استناداً إلى ما يربط البلدين من علاقات متجذرة». وأشار إلى أن «اللبنانيين يتطلعون الى آفاق جديدة من التعاون بين لبنان والسلطنة، التي تلعب بقيادة جلالته، دوراً مميزاً في المنطقة والعالم، وجعلت لها مكانة مرموقة ودوراً محورياً في تعزيز الاستقرار والنزاعات بالوسائل السلمية».
ثم عرض عون والسلطان لعدد من المواضيع في المنطقة، لا سيما منها الوضع في الجنوب اللبناني نتيجة استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. وشرح عون ما حققه الجيش اللبناني منذ انتشاره في جنوب الليطاني لتطبيق القرار 1701. كما تناول موضوع الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية التي تقوم بها الحكومة. واتفق عون والسلطان على عقد اجتماع للجنة العمانية- اللبنانية المشتركة برئاسة وزيري الخارجية في مسقط، والعمل على توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تعزز التعاون بين البلدين. ثم عُقدت خلوة بين رئيس الجمهورية وسلطان عمان دامت نحو ساعة.
وأفادت وكالة الأنباء العمانية انّه «تمّ البحث في الفرص المتاحة لفتح آفاق جديدة من التعاون والشراكة والاستثمار بين البلدين الشقيقين، لا سيما في القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، علاوة على مناقشة المستجدات السياسية الراهنة في المنطقة وسبل دعم مسارات الامن والاستقرار».
برقية للشرع
من جهة ثانية، أفادت وكالة «سانا» السورية، أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع تلقّى برقية من الرئيس عون خلال عبوره الأجواء السورية متوجهاً إلى سلطنة عُمان، و«ذلك بالتزامن مع احتفال سوريا بالذكرى الأولى للتحرير من النظام البائد».
وجاء في البرقية: «فخامة الرئيس أحمد الشرع المحترم، يطيب لي وأنا أعبر أجواء بلادكم في طريقي إلى سلطنة عمان أن أعبّر لكم عن خالص أمنياتي لكم وللشعب السوري الشقيق، سائلاً الله المولى عز وجل أن يمنّ عليكم بوافر الصحة، ويمكنكم من مواصلة قيادة بلادكم إلى برّ الأمان والاستقرار».
جنوباً
وعلى الجبهة الجنوبية، توالى الخرق الإسرائيلي لوقف اطلاق النار، إذ مشط الجيش الإسرائيلي بالأسلحة الرشاشة من تلة حمامص سهل مرجعيون. وكان الطيران الحربي الإسرائيلي، شن منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، ثماني غارات على مواقع في الجنوب، فاستهدف مرتفعات اقليم التفاح، ومنطقة جبل صافي ووادي رومين وأطراف بلدة جباع ووادي عزة بين قضاءي النبطية وصيدا. وإلى ذلك، تسلّلت قوة إسرائيلية قرابة فجر أمس الى وسط بلدة عديسة، وفجّرت منزلاً على الطريق العام. كما تسللت قوة أخرى إلى منطقة وادي العصافير في الخيام وفجّرت أحد المنازل.
وكتبت صحيفة «معاريف»، أنّ تقديرات في تل أبيب تشير إلى إمكان تحرّك الجيش الإسرائيلي بعد تحسن الأحوال الجوية وانقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة، وذلك بهدف استكمال عملية نزع سلاح «حزب الله». وحذّرت قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي من أنّ الظروف الجوية القاسية المتوقعة خلال الأيام المقبلة، بما في ذلك الضباب وانخفاض مستوى الرؤية، قد تمنح «حزب الله» فرصة لنقل أسلحة وذخائر أو تحريك وحدة «قوة الرضوان» لتنفيذ عمليات ضدّ إسرائيل، وفق صحيفة «معاريف». وأكّد الجيش الاسرائيلي أنّه رفع مستوى الجاهزية والاستعداد على الحدود الشمالية لمواجهة أي تحرك محتمل.
وفي غضون ذلك، أعلنت قوات «اليونيفيل» في منشور على حسابها عبر منصة «إكس»، أنّ جنود حفظ السلام يواصلون تنفيذ المهمات الموكلة إليهم على رغم من المخاطر الأمنية المتكرّرة التي تواجههم خلال الدوريات. وأشارت إلى أنّ عناصرها يرصدون الانتهاكات للقرار 1701 ويرفعون تقارير في شأنها إلى مجلس الأمن، مؤكّدة أنّ أي انتهاك، مهما كان صغيرًا، قد يهدّد التقدّم نحو الاستقرار على المدى الطويل.
كاتس
في غضون ذلك، زار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس صباح امس قيادة المنطقة الشمالية يرافقه نائب رئيس هيئة الأركان اللواء تامير يدعي، وقائد المنطقة الشمالية اللواء رافي ميليو، إلى جانب عدد من القادة الآخرين.
وتلقّى كاتس إحاطة عملياتية واستخباراتية شاملة حول المواضيع ذات الصلة بالمنطقة. وأشاد بنشاط القيادة الهجومي في مختلف القطاعات، مؤكّداً على أنّ الجيش الإسرائيلي يجب أن يبقى داخل المنطقة كحاجز يفصل بين «أعداء جهاديين» وبين سكان الجليل والجولان. وقال: «مهمتنا هي حماية مواطني إسرائيل من أي تهديد – وهذا ما سنفعله».




































