Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

من حسنات كورونا : بقلم السيد صادق الموسوي

 

 

من حسنات كورونا
لما أن خلق الله سبحانه أبانا آدم عليه السلام لم يُشهده كيفية بدء حياته، لكنه لما ولدت زوجته أول أولاده شاهد كيف تبدأ الحياة عند بنيه، أما الإحساس بحقانية الموت فإن آدم وأولاده لم يعرفوها إلاّ بعد أن قتل قابيل هابيل فرأى كيف يموت الإنسان قتلاً، لكنه انتظر أبناء آدم حتى وفاة ابيهم ليشاهدوا كيف يأتي الموت إلى الإنسان طبيعياً.
إذن كان التصور الأولي أن لا فناء للإنسان في هذه الدنيا إلى أن رأى الموت رأي العين، ومع تكرار الوفيات علم الإنسان أن لا مفر من الموت البتة، وحاول التكابر على الموت وتأكيد الخلود عبر عمليات التحنيط والمومياء وغير ذلك لأجل الإبقاء على الجسد أطول فترة ممكنة لما عجز عن الحفاظ على الروح في داخله.
إن الموت هو لاحق بالإنسان خصوصاً وكل أنواع الأحياء عموماً، ورغم يقين الإنسان بحتمية الموت ومن دون إخبار فإنه في الأغلب لا يأخذه في الإعتبار أثناء عمله وتحركاته، ولا يظهر اعتقاده بالموت في سلوكه وعلاقاته؛ إذ لو كان يرى الإنسان ظل الموت فوق رأسه على الدوام، واستعد لفراق هذه الدنيا في كل لحظة، لكان الزهد في الحياة مسلكه، والصدق في الأقوال منهجه، والصفاء في التعامل مع الآخرين شريعته، ولكانت البشرية في أسعد حال، ولما تسابق الناس على نهش لحوم بعضهم، ولما نشبت الحروب الظالمة في العالم، ولما كان استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، ولما مارس الحكام الظلم والجور بحق مواطنيهم الضعفاء.
إن ظهور أنواع البلاء بين البشر وخاصة تلك التي تصيب أصحاب الطَوًل والسلطة والثروة، ولا تمنعها كافة الإحتياطات، ولا تردعها أنواع الحراسات، ولا تعيق حركتها أشد الإجراءات، يفرض بين الفينة والأخرى التنبه بأن لا خلود لأحد في هذه الدنيا مهما علا شأنه وقويت شوكته وتوسع سلطانه، وعلى ذلك يجب التخلي عن الأنانيات والتزام القيم التي فطر الله الإنسان عليها، وسلوك سبيل الصالحين، حتى إذا أتت الإنسان المنية فارق الحياة الدنيا وهو غير متعلق بها، وخرج منها وهو غير متشبث بزخارفها، وانقطع عن ملذاتها وهو غير نادم لاستعداده لفراقها.
إن فيروس كورونا الذي فاجأ العالم كله منذ أكثر من عام، وكلما حاولت المختبرات في أهم دول العالم اكتشاف دواء له تبين للعلماء عجزهم أكثر، وكلما فرحوا بإنتاج لقاح شافٍ ظهر نوع جديد أشد خطراً وأكثر فتكاً، والعالم حائر في التعامل مع فيروس لا يُرى بالعين ولم تُكتشف حقيقته بعد، لكن كافة وسائل الإعلام في العالم مشغولة في اليوم والساعة بتعداد المصابين وبيان أعداد المتوفين، وبين المصابين من هم يقيمون في بروج مشيّدة، وتحميهم أشد الحراسات، وضمن الذين فتك بهم هذا الفيروس من كانوا يملكون كافة الإمكانات، وتحت تصرفهم أحدث التقنيات، ولديهم ما لا يُمكن عدّه من الثروات، لكن هذا المرض اندسّ إليهم خلسة، وتجاوز الحراس والعوائق من دون أن يشعروا، وأصابهم بغتة وقضى عليهم فجأة، ولم يستطع كل من يحيطون به مساعدته بشيء، ولم تنفع كل الإجراءات والإحتياطات في التغلب على فتك الفيروس به.
إن لهذا الفيروس رسالة واضحة لجميع البشر في كافة الدول والبلدان تقول أن تهيّأوا دائماً للموت فهو صار اقرب من إي وقت مضى، ولا يمنعه شيء، ولا يحجبه عائق، ولا يُستثنى منه كبير ولا صغير، ولا يقوى عليه شاب قوي البنية، ولا يصدّه صاحب العضلات المفتولة، فالذين نسوا الموت من قبل ولم يصدّقوه قبل ظهور هذا الفيروس فقد جاءهم ما يذكّرهم به، وأكوام جثث الموتى خير دليل، وامتلاء المستشفيات بالمصابين أكبر برهان، وتعارض آراء العلماء حول الوباء إعلان صريح عن عدم كشفهم للحقيقة، وتناقض تصريحات الأخصائيين تعبير عن فشلهم في الوصول إلى الدواء النافع، وتخبط المؤسسات المعنية في أهم دول العالم والمخصصة لها الميزانيات الكبيرة في وصف خصائص الفيروس وتعريف طرق انتشاره إذعان بجهل كنهه، والحال أن عدّاد المصابين يسجل كل يوم الإرتفاع بالملايين في أنحاء العالم، والمقابر لم تعُد تتسع لدفن الموتى بهذا الوباء.
فماذا ينتظر الغافلون كي يتنبهوا من غفلتهم، وماذا يريد المتعلقون بالدنيا كي يخففوا من تشبثهم بها، ويقللوا من عشقهم لها، وهم في كل لحظة يتلقون خبر إصابة قريب لهم أو عزيز أو صديق بالفيروس، ولا يمضي وقت طويل حتى يعلموا بنبأ وفاته على أثر الإصابة، والمؤلم أن لا مشيعين للميت بالكورونا ولا مودعين لجثمانه، وذلك من شدة الخوف على حياة أنفسهم، ولا تقام عن روحه المجالس لخطورة تقارب الأشخاص، فيذهب صاحب الجاه الكبير والموقعية العالية في مختلف الأرجاء غريباً من الدنيا من دون أن يجرؤ أقرب الناس منه على الإقتراب إليه لتوديع جثمانه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه.
وهنا لا بد أن نتدبر آيات الله في هذا الشهر الفضيل، ونتذكر بالصيام الإستعداد الطوعي لترك الملذات على أنواعها قبل أن نُجبر على ذلك عنوة، وبالدعاء والقيام والتوسل في لياليه وأيامه تمهيد الطريق لكسب رضى الله سبحانه الذي بيدة الملك والملكوت وهو خالق السماوات والأرضين ورب الدنيا والآخرة، وهكذا يكون نال أحدنا نصيبه من الدنيا من دون التكالب عليها، وعبّد لنفسه طريق السعادة في الأخرى من غير أن يحرّم على نفسه طيبات ما أحل الله، حيث قال في كتابه: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي