رأى رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ في بيان، ان “ظاهرة التقشف تجمع بين أربع شخصيات بارزة كان لها حضورها في المجتمع السياسي والمدني في آن معا، وسعت إلى إقامة دولة مدنية وربطت بين عناصر ثلاثة، الوطن والمواطنة والدولة واعتبرت الطائفية السياسية المشكلة العميقة في التاريخ اللبناني”.
وقال:” الشخصيات الأربع من مكوّنات وأزمان مختلفة ومتداخلة. الجنرال فؤاد شهاب عسكري استخدم نفوذ المؤسسة العسكرية لإرساء مؤسسات الدولة وتحريرها من وصاية الإقطاع السياسي، وسعى إلى ربط الأطراف اللبنانية بالمركز بيروت عبر شبكات الطرق والكهرباء والماء والمدارس، وتطوير الإقتصاد المحلي، واعتمد الكفاءة في الوظيفة”.
تابع:”محاولة فؤاد شهاب الإصلاحية، عانت من أمرين أساسيين: الأول هو أنها لم تؤسس لحاملة اجتماعية تحمي هذه التجربة. والثاني المحاولة الإنقلابية العسكرية عليه. ويضاف إلى هذين الأمرين قبضة الشعبة الثانية على النظام السياسي بعد المحاولة الإنقلابية. وأيضا تلاقي الإقطاع السياسي من كل الطوائف في الإعتراض على مساعي الجنرال شهاب لبناء دولة حديثة، ولخروجه على المألوف في سلوك المرجعيات السياسية في كونه زاهد ومتقشف ولا طائفي”.
أضاف:”الشخصية الثانية ، هي الإمام السيد موسى الصدر الذي جمع بين الثقافات الدينية والحديثة في آن معا، والذي امتلك شخصية آثرة تعرف كيف تخاطب العامّة من الناس كما النخب والذي أدرك أن دولة لبنان الكبير ما هي إلا نظام المتصرفية الذي ضمّ الأقضية الأربعة شكليا بالدولة ، فبقيت عمليا خارجها في الإقتصاد والإجتماع والدور السياسي ما ولّد حرمانا في كل المناطق والطوائف”.
وقال: “من هنا كانت محاولة الإمام هي تطوير الشهابية السياسية وإرسائها ما يجمع بين اللبنانيين وإقامة العدل، واعتبار الدولة سياجا للوطن والمواطن وصيانة لبنان من الصراعات العربية – العربية على أرضه مع الإلتزام بما يمليه عليه الصراع العربي الاسرائيلي”.
واعلن ان “محاولة الإمام الصدر الإصلاحية، اعترضتها الحرب الأهلية التي حاول وقفها بالإعتصام وبالإعتراض على شعار (عزل الكتائب)… ومن ثم برفض ما كان يدعو إليه العقيد القذافي، ومعه بعض القيادات اللبنانية من أن المسيحيين في لبنان هم امتداد للصليبية. ولعل هذا السبب الأخير كان وراء اختفاء الإمام موسى الصدر… من بين أسباب متعددة”.
ولفت الى ان “الشخصية الثالثة، هي المطران غريغوار حداد الذي أسس الحركة الإجتماعية، والتقى مع الإمام موسى الصدر حول فكرة الدولة المدنية، وحول أن غاية الدين هي ‘بناء الإنسان وأنه هدف الوجود، وأن من وظائفه العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والتحرر من القيود الطائفية على ما كان يعتقده المطران حداد. ولذلك توجّه إلى إقامة المكتبات والنوادي والمستوصفات في الأطراف اللبنانية البعيدة، من دون الأخذ بالإعتبار للونها الطائفي. هكذا تعرّفت مدينة الهرمل على المكتبة والنادي والمستوصف عبر المطران غريغوار حداد ومثلها قرى اللبوة وراس بعلبك وعرسال والتي تنتمي إلى بيئات دينية مختلفة. ولأنه آمن بأن القيم العلمانية والدينية تلتقي في جانبها الإنساني وأن العلمانية ليست إلحادا اعتبره البعض أنه معاد للتقاليد الكنسية المحافظة ودعا إلى حجبه”.
واضاف:” الشخصية الرابعة، هو الفنان الراحل زياد الرحباني العبقري الذي جمع في شخصه أبعادا كثيرة وحاول رسم حلم حول لبنان جديد، لجميع اللبنانيين خارج التوصيف الطائفي. لغته كانت المسرح والأغنية والقصيدة والموسيقى والسخرية ونقل المعاناة بلغة بصرية”.
وقال:”استخدم زياد الرحباني إشارات رمزية لما يريده بصدق وشفافية وعبثية. فهو خارج الطوائفية البغيضة ومع العدالة الإجتماعية ومع الدولة المدنية والتغيير. والأرجح أنه استنتج أن حلمه انكسر،فآثر الرحيل إلى عالم أكثر عدالة كونه ربط حياته بشغف التغيير والمعنى”.
وختم:”هؤلاء الأربعة جمعهم التقشف والزهد والإيمان بمستقبل واعد تركوه لأجيال لم تولد بعد ولقادة من رحم المجتمع يأملون من بعيد تفسير حلم يكمن في ما ردده زياد الرحباني حول (الشعب العنيد)الذي اعتبروه متحدا اجتماعيا للتغيير”.
