Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

الراعي: ما يهدد وطننا هو غياب روح الوكالة الأمينة والحكيمة والعادلة التي تدرك أن كل سلطة هي خدمة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، في حضور قنصل جمهورية موريتانيا إيلي نصار، رابطة ” كروس رود ” برئاسة روكز مسلم، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “من تراه الوكيل الأمين الحكيم” (متى 24: 45)، قال فيها: “في هذا المقطع الإنجيلي، يستخدم الرب يسوع صورة الوكيل الذي أقامه سيده على أهل بيته، ليعطيهم الطعام في حينه، أي ليهتم بشؤونهم بأمانة وحكمة. وهنا، يتحدث الرب عن كل إنسان، لأن كل إنسان هو وكيل على حياته، على عائلته، على مسؤوليته، على موهبته، وعلى الأرض التي يعيش عليها.

وهذا المقطع هو دعوة لنا جميعًا، مسؤولين ومواطنين، رعاة وعلمانيين، شبابًا وكهولاً، أن نعيش في كل يوم أمانة الدعوة وحكمة التصرف، لأن سيد البيت سيأتي في ساعة لا نعرفها، وسيُحاسِب كل واحد وواحدة حسب أمانته. فكل واحد منّا، مهما كان موقعه في العائلة أو الكنيسة أو المجتمع أو الوطن، هو وكيل. نحن لا نملك شيئًا، بل أوتمنّا على الحياة، على الوقت، على المواهب، على الجماعة، وعلى الوطن. والرب سيسألنا يومًا: «كيف عشتَ هذه الوكالة؟».

الوكيل الأمين الحكيم هو الذي يعيش الحاضر بمسؤولية ويقظة، لا يتهرّب من واجبه ولا يستخف بثقة سيده. يسهر لا بدافع الخوف، بل بدافع المحبة والوفاء. أما الوكيل الرديء فهو الذي يظن أن سيده بعيد، فيظلم الآخرين ويعيش اللامبالاة. أمّا الدينونة التي يتحدث عنها الرب فليست حكمًا مفاجئًا، بل هي ثمرة مسار الحياة: مسار أمانة أو إهمال، حكمة أو استهتار. إنّنا نرحّب بكم جميعًا، وبخاصّةٍ بعائلة المرحوم أنطوان قيصر رشدان. فنصلّي لراحة نفسه وعزاء أسرته: زوجته وأولاده وسائر أفراد العائلة، وقد ودّعناه معهم منذ أسبوعين. مع تحيّة خاصّة لCross Road  – درب الصليب”، وهي مجموعة معوّقين وذوي الاحتياجات الخاصّة بدأت سنة 1995، بهدف مساعدة رفاق آخرين، مصابين ولكنهم غير قادرين على العمل وسد احتياجاتهم. ومع الوقت ازداد عدد الرفاق تباعًا من مساهمين ومحتاجين. وفي سنة ٢٠٠٦ حصلت المجموعة على رخصة قانونية باسم “كروس رود – درب الصليب”. وبمساعدة العناية الإلهية استطاعوا خدمة من هم في منازلهم ومساعدة بعضهم بعضًا في العمل وفي مواجهة المخدرات والآفات السامة”.

أضاف: “إنهم لا يزالون لغاية الآن يخدمون رفاقهم من خلال تأمين احتياجاتهم الطبية وأدويتهم ومتابعة دورية للفحوصات العامة وما يحتاجون إليه، وهم يخططون لإنشاء مركز روحي، ثقافي، رياضي وصحي وفق الاحتياجات بمثابة متنفّس يؤمّن لهم الدعم الكامل روحيًا ومعنويًا وماديًامن تراه الوكيل الأمين الحكيم” (متى 24: 45)القداس الإلهي الذي نحتفل به اليوم هو علامة لأمانة الرب التي لا تتغير. ففي كل ذبيحة، يعطي الرب أبناء بيته «الطعام في حينه»، أعني كلمته المحيية وجسده الكريم ودمه. هذه المائدة السماوية تعلّمنا أن نكون نحن أيضًا أمناء وحكماء في رسالتنا اليومية، نسهر على خدمتنا بمحبة ووعي، ونوزع الخير في وقته. تضعنا الليتورجيا الإلهيّة اليوم أمام حقيقة عميقة: نحن نحتفل بذبيحة الإفخارستيا، التي فيها يجتمع السيد بوكلائه، لا ليحاسبهم فورًا، بل ليغذيهم بكلمته ويقويهم بجسده ودمه، حتى يستطيعوا أن يعيشوا دعوتهم بأمانة وحكمة وعدالة. إنّ كلمات الإنجيل عن الوكيل الأمين الحكيم تتجاوز حدود الحياة الفردية لتبلغ قلب الحياة العامة والوطنية. فكما أوكل السيد إلى وكيله مسؤولية بيته، هكذا أوكل الله إلينا، جميعًا دون استثناء، مسؤولية هذا الوطن: مسؤولين كنّا أو مواطنين، قادة أو عاملين، كبارًا أو صغارًا. كلٌّ في موقعه مؤتمن على «بيت مشترك» اسمه لبنان، وعلى رسالة فريدة لا يملكها أحد بمفرده بل نحملها جميعًا معًا”.

وتابع: “إنّ وطننا هو بيت يضمّ الجميع، لا يبنى إلا بالأمانة والحكمة والعدالة. الأمانة في إدارة شؤون الدولة والناس، والحكمة في اتخاذ القرارات التي تصون الكرامة الوطنية وتحمي الصالح العام، والعدالة في المساواة بين المواطنين وحماية حقوقهم في ظلّ قانون يُطبَّق على الجميع. إن ما يهدد وطننا ليس فقط الأزمات الاقتصادية أو السياسية، بل أيضًا غياب روح الوكالة الأمينة والحكيمة والعادلة التي تدرك أن كل سلطة هي خدمة، وكل موقع هو دعوة إلى العطاء، لا إلى التسلّط أو الإهمال. في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، يقف كل مسؤول وكل مواطن أمام سؤال الإنجيل: «هل أنت وكيل أمين حكيم على بيت سيدك؟». هذه ليست مجرد كلمات رمزية، بل دعوة صريحة إلى تحمّل المسؤولية الوطنية والاخلاقية، في وجه التحديات الكبرى التي تعصف ببلدنا. من على هذا المنبر البطريركي، الذي كان عبر الزمن صوت ضمير في أصعب المنعطفات، نرفع النداء من جديد: لبنان يحتاج اليوم إلى أمناء حقيقيين، أمناء على المال العام، على المؤسسات، على الدستور، على وحدة الأرض والشعب، وعلى الذاكرة الوطنية. يحتاج إلى حكماء يميّزون بين مصلحة الذات ومصلحة الوطن، بين المكاسب الآنية والرسالة التاريخية. إنّ الأمانة والحكمة والعدالة في الحياة الوطنية تعني أن نكون أوفياء لرسالة لبنان التاريخية، تلك الرسالة التي جعلت منه أرض لقاء بين الشرق والغرب، وجسرًا للحوار والتعايش، ومنارة للحرية والكرامة. إن الحفاظ على هذه الرسالة يتطلب من الجميع العودة إلى الضمير الحي، وإلى القيم التي أسس عليها وطننا: العيش المشترك، التعددية الثقافية والدينية، الانفتاح، واحترام الكرامة الإنسانية”.

وختم الراعي: “نصلي اليوم من أجل أن يزرع الرب في قلوبنا جميعًا نعمة الأمانة والحكمة والعدالة، في العائلة والكنيسة والوطن. نصلي من أجل لبنان، لكي ينهض بوكلاء أمناء وحكماء يعطون أبناءه “الطعام في حينه” – طعام العدالة، طعام الحرية، طعام الكرامة. ونرفع المجد والشكر لله، الآب والابن والروح القدس إلى الأبد، آمين”.

في ختام القداس قدم مسلم   للبطريرك الراعي صليب رابطة “كروس رود” عربون محبة وامتنان ووفاء وتقدير.