كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وقع حراك داخلي وخارجي يواكبها، تفاعلت أمس في مختلف الأوساط السياسية، المواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حول موضوع السلام، وكيف يجب أن يكون وبأي شروط، فيما وُضعت قيد الاهتمام الأميركي والاوروبي، خصوصاً انّها جاءت بعد قليل من المواقف حول لبنان والسلام في الشرق الأوسط، التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من على منبر الكنيست الإسرائيلي وفي قمة السلام التي انعقدت في شرم الشيخ المصرية.
بعد مشهدية «قمة السلام» التي انعقدت في شرم الشيخ، وبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تحولت الأنظار إلى لبنان الذي ينتظر على قارعة الرصيف لئلا يطاوله رذاذ من موجة تسونامي السلام التي تجلّت في شرم الشيخ…
وقالت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، إنّ مواقف الرئيس عون الأخيرة من السلام في لبنان والمنطقة، كان لها وقع ارتياح، بمقدار ما هي محور اهتمام أميركي واوروبي بمضمونها. فما يعني لبنان في النهاية هو السلام، ولكن السلام، أي سلام، غالباً ما يكون له ثمن، ولكن الثمن الذي يريده لبنان هو أن تتحرّر أرضه المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي وتتوقف الاعتداءات عليه.
وأكّدت المصادر نفسها، انّ هناك متابعة حثيثة لمواقف الرئيس عون داخلياً وخارجياً، وستتظهر عملياً في الساعات المقبلة، وانّ مبعث ارتياح كثيرين إلى هذه المواقف هو انّها جاءت مشروطة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة والتزام اسرائيل بوقف اطلاق النار ووقف الاعتداءات اليومية، وهذه الشروط يتمسك بها لبنان بشدّة. وأشارت إلى انّ لبنان ليس داعية حرب، وإنما داعية سلام. وقد انطلقت مواقف رئيس الجمهورية من هذه القاعدة. فإذا كانت هناك نيات حسنة للمعالجة، فمن المفترض بالأميركيين وغيرهم من المهتمين بشؤون لبنان والمنطقة، أن يؤازروا هذه المواقف ويتجاوبوا معها، ويدفعوا في اتجاه أن تحصل خطوة إيجابية إسرائيلية في المقابل، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
تغطية كاملة
وفي غضون ذلك، كان لافتاً كلام الرئيس عون الذي أوحى فيه باستعداد لبنان للدخول في مناخات التفاوض الجارية في المنطقة. ما طرح علامات استفهام حول مغزى هذا الكلام، ومدى انسجامه مع السياسة التي يعتمدها لبنان الرسمي في هذا الشأن.
ولوحظ أنّ القوى السياسية التي تمثل «خط المقاومة» التزمت جانب الصمت المشوب بالحذر، خوفاً من أن يكون هذا الموقف مدخلاً إلى مسار مرفوض مع إسرائيل، تحت وطأة الضغوط التي تمارسها مع الولايات المتحدة على لبنان.
لكن أوساطاً مواكبة أكّدت لـ«الجمهورية»، أنّ الموقف الذي أعلنه عون يحظى بتغطية كاملة من جانب أركان الحكم جميعاً. وإنّ المقصود به رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي في مسألة المفاوضات كما في مسألة استكمال خطة حصرية السلاح في يد الدولة. ففي الحالين، سيبلغ لبنان إلى القوى الدولية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، أنّ أي خطوة لاحقة سيلتزم بها لبنان جدّياً، شرط أن تنفذ إسرائيل ما عليها الآن، أي الانسحاب من النقاط التي تحتلها ووقف العمليات العسكرية والسماح بإعمار القرى المهدّمة وإعادة أهلها إليها. وهذا الموقف سيتكفّل على الأقل بإيضاح الموقف اللبناني على حقيقته وتخفيف الضغط الأميركي على حكومته.
ليبدأ المسار
وكان عون قال أمس الاول الاثنين، إنّ «الجو العام في المنطقة هو جو تسويات»، مشدّداً على «ضرورة أن نصل إلى وقت تلتزم فيه إسرائيل وقف العمليات العسكرية ضدّ لبنان ليبدأ مسار التفاوض، لأنّ هذا المسار الذي نراه في المنطقة يجب أن لا نعاكسه». وأكّد انّه «سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أميركية والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية تمّ الإعلان عنه من مقرّ قيادة «اليونيفيل» في الناقورة. فما الذي يمنع أن يتكرّر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيما وانّ الحرب لم تؤد إلى نتيجة. فإسرائيل ذهبت إلى التفاوض مع حركة «حماس» لأنّه لم يعد لها خيار آخر بعدما جرّبت الحرب والدمار. واليوم الجو العام هو جو تسويات ولا بدّ من التفاوض، اما شكل هذا التفاوض فيُحدّد في حينه».
مختلف عن غزة
وإلى ذلك، أكّد مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، انّ «الوضع في لبنان مختلف عن غزة. فهنا يوجد اتفاق وتفاهم ينص على نقاط متعددة، ويوجد قرار والمطلوب التنفيذ ووقف إطلاق النار، أعلنه رئيس الولايات المتحدة وليس رئيس بلد آخر. والمشكلة انّ إسرائيل ترفض التطبيق، أحياناً تلزمها الولايات المتحدة واحياناً لا. والاتفاق ينص على وقف إطلاق النار والانسحاب، ولبنان ملتزم منذ إعلان الاتفاق، والشكاوى التي نقدّمها إلى مجلس الأمن هي اكبر دليل على انّ المشكلة تكمن في عدم التزام العدو. والمطلوب قرار أميركي بتنفيذ الاتفاق».
وأضاف المصدر «إنّ التزام لبنان بالاتفاق وبالقرار الدولي 1701 هو ما يمنع التصعيد العسكري الإسرائيلي الواسع حتى الآن». ورأى «انّ كلام رئيس الجمهورية الأخير حول استكمال التفاوض هو ردّ مباشر على ترامب الذي أتى على ذكر لبنان مرّتين، الأولى من البيت الأبيض قبل أن يتوجّه إلى الشرق الأوسط، والثانية من تل ابيب. وهذا يعني انّ ورقة لبنان لا تزال على الطاولة وليست مهملة، وهذا ما يهمّنا وسط كل هذه الهمروجة التي حصلت الاثنين. وما يجب التركيز عليه حالياً هو حسم الخلاف على الأولويات بيننا وبين أميركا وإسرائيل». وكشف المصدر انّ الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس أبلغت إلى المعنيين أنّها أجّلت زيارتها إلى لبنان لترؤس لجنة «الميكانيزم» بسبب الإقفال الحكومي في بلادها، وستحدّد الموعد لاحقاً بعد حل المشكلة.
ولكن لجنة «الميكانيزم» ستجتمع اليوم في مقر قيادة قوات «اليونيفيل» في الناقورة، وسيكون على رأس جدول أعمالها القصف الإسرائيلي الأخير للمنشآت المدنية في منطقة المصيلح ـ الزهراني.
ماكرون يدعم
في سياق متصل، وغداة الموقف الأميركي الداعم للرئيس عون، كرّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في رسالة وجّهها إلى نظيره اللبناني «تصميمه على تنظيم مؤتمرين لدعم لبنان قبل نهاية السنة الجارية، الأول لدعم الجيش اللبناني والقوات المسلحة، حجر الزاوية في تحقيق السيادة الوطنية، والمؤتمر الثاني لنهوض لبنان وإعادة الاعمار فيه». وشدّد ماكرون في رسالته على «الصداقة التي تجمع بين البلدين الصديقين»، مؤكّداً «استمرار دعم فرنسا للبنان في المجالات كافة»، معرباً عن سعادته للقرار الذي اتخذه مجلس الأمن بالتجديد للقوات الدولية العاملة في لبنان (اليونيفيل) وقال: «أحيي في المناسبة القرارات الشجاعة التي اتخذتها لتحقيق حصرية السلاح بيد القوات الشرعية اللبنانية».
مستشار بريطاني
وكان الرئيس عون أوفد أمس مستشاره العميد المتقاعد اندره رحال إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، واستقبل مستشار وزارة الدفاع البريطانية عن منطقة الشرق الأوسط الادميرال ادوارد الغرين، الذي كان جال على بري ووزير الدفاع ميشال منسى وقائد الجيش العماد رودولف هيكل.
وقد عرض عون مع الزائر البريطاني الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، وما استجد من تطورات بعد الإعلان عن اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وقمة السلام في شرم الشيخ وما صدرت عنها من مواقف. وتطرّق البحث إلى العلاقات اللبنانية – السورية، حيث أكّد الرئيس عون للمسؤول البريطاني انّ التنسيق قائم بين البلدين في مختلف المجالات، خصوصاً الأمنية والاقتصادية. وقيّم رئيس الجمهورية مع الغرين العلاقات المتينة التي تجمع بين لبنان وبريطانيا، لاسيما التعاون القائم في المجال الأمني والدعم البريطاني في إنشاء أبراج المراقبة على الحدود الشرقية والجنوبية. وفي هذا السياق شكر الرئيس عون الدعم البريطاني للبنان في مختلف المجالات.
وخلال لقاء الغرين مع وزير الدفاع، تمّ البحث في سير العمل في تنفيذ الخطة التي وضعها الجيش اللبناني لحصر السلاح بيد السلطة الشرعية ومراحل تطبيقها، إضافةً إلى عملية انتشار الجيش وفقًا للقرار 1701. وتناول البحث أيضًا التحدّيات التي قد تواجه المؤسسة العسكرية في ملء الفراغ الناتج من انتهاء مهام قوات «اليونيفيل» البرية والبحرية في لبنان نهاية 2026. وأكّد الغرين مواصلة دعم بلاده في تأمين احتياجات الجيش اللبناني خلال هذه المرحلة الدقيقة، لا سيّما في ما يتعلق بإنشاء أبراج ومراكز مراقبة على الحدود البرية.
مواقف
في المواقف من التطورات الداخلية والإقليمية، أكّد رئيس حزب «الحوار الوطني» النائب فؤاد مخزومي من دار الفتوى، لمفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي استقبله على رأس وفد من «منتدى بيروت للحوار»، أنّ «لبنان يجب أن يستفيد من هذا المناخ الإيجابي، وأن يقف خلف دولته ومؤسساتها الشرعية، بحيث تكون الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح والقرار». وشدّد على أنّ «لا قيام لدولة قوية في ظلّ سلاح خارج الشرعية، ولا مستقبل لوطن منقسم بين ولاءات متنازعة». وقال: إنّ ما شهدناه في مصر يبرهن أنّ السلام ليس ضعفاً، بل هو شجاعة ووعي ومسؤولية، وعلينا في لبنان أن نتحلّى بالشجاعة نفسها: أن نختار الدولة، أن نختار السيادة، وأن نختار لبنان أولاً». ودعا «كل القوى السياسية إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء ظاهرة الميليشيات أياً كانت، حمايةً لوحدتنا الوطنية واستقلالنا». وأكّد أنّه «آن الأوان أن نلتقط هذه اللحظة التاريخية، وأن نعيد إلى لبنان دوره الطبيعي بين الدول العربية الساعية إلى السلام والاستقرار ونؤمّن مستقبلاً افضل لأولادنا وللأجيال القادمة».
ترامب وغزة
وعلى صعيد تنفيذ الاتفاق على وقف الحرب في غزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة يبدأ الآن. واكّد أنّ على «حماس» إلقاء سلاحها وإلا سيُنزع منها».
وقال ترامب على منصة «تروث سوشيال»، بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وسط حالة من الغموض تكتنف اتفاق وقف إطلاق النار مع تأخير إسرائيل للمساعدات وتشديد حركة «حماس» قبضتها على القطاع.
وحضّ ترامب «حماس» على تسليم الجثث المتبقية للرهائن المتوفين، قائلاً «إنّ هذه الخطوة ضرورية للانتقال إلى المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة المدعوم من الولايات المتحدة». واضاف: «أزيل عبء كبير، لكن المهمّة لم تُنجز»، مشيراً إلى أنّه لم يتمّ الوفاء بوعد قُطع بإعادة كل الجثث.
وفي وقت لاحق، قال ترامب، خلال اجتماع في البيت الأبيض مع نظيره الأرجنتيني خافيير ميلي: «إذا لم يلقوا سلاحهم، فسننزعه. وسيحدث ذلك سريعاً وربما بعنف». وأضاف أنّه أبلغ إلى «حماس» بذلك، ووافقت على إلقاء السلاح المنصوص عليه في اقتراحه للسلام المكون من 20 نقطة. وأضاف: «تحدثت مع «حماس»، وقلت لهم، ستلقون سلاحكم، صحيح؟ نعم يا سيدي، سنلقي السلاح. هذا ما أخبروني به»، وأوضح لاحقاً أنّه نقل الرسالة عبر وسطاء.
وقد اكتنف الغموض آفاق خطة ترامب للسلام منذ عودته من زيارته لإسرائيل ومصر أمس الاول، إذ فرضت إسرائيل أمس قيوداً على دخول المساعدات إلى غزة، وأبقت حدود القطاع مغلقة أمس، في حين أظهر مقاتلو «حماس» العائدون إلى القطاع سيطرتهم، من خلال تنفيذ عمليات إعدام علناً في الشارع.
وأيّد ترامب قتل «حماس» أفراداً من عصابات أخرى، في وقت تعيد فيه «حماس» إحكام قبضتها الأمنية.
