كتبت صحيفة “الجمهورية”: قبل الحديث عن مبادرات وطروحات وأفكار طموحة لحلّ سياسي يوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقبل إبداء الرغبة والاستعداد لإجراء مفاوضات بمعزل عن شكلها، سواء أكانت مباشرة او غير مباشرة، او سياسية – أمنية او غير ذلك، بين لبنان وإسرائيل، لتحقيق هذه الغاية، ينبغي أوّلاً الوقوف على جواب واضح عن السؤال التالي: هل هناك إرادة جديّة من قبل الدول الخارجية الصديقة للبنان لإطلاق مسار حل سياسي حقيقي؟ وقبل ذلك، هل إنّ إسرائيل مستعدة للتجاوب مع أي جهود لوقف هذا العدوان؟
ما من شك انّ لبنان الرسمي عبّر عن موقفه بصورة واضحة لبلوغ حلّ يوفّر الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية، ولا يمسّ بسيادته ويضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين، وعلى هذا الأساس وافق على الورقة الأميركية التي قدّمها الموفد الأميركي توم برّاك، والتي قامت أساساً على قاعدة سمّاها برّاك نفسه بـ«خطوة مقابل خطوة»، إلّا أنّ هذه الورقة أحبطتها إسرائيل باشتراطها نزع سلاح «حزب الله» قبل أي أمر آخر، وإعفاء نفسها من اي التزامات او موجبات.
لقاء ممتاز
المستجدات على هذا الصعيد، كانت محور تداول في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في القصر الجمهوري في بعبدا أمس، والذي اكّد بعده رئيس المجلس رداً على سؤال: «اللقاءات دائماً ممتازة مع فخامة الرئيس».
تراجع الحماسة
ما حصل في الأيّام الأخيرة، على ما تكشف معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، ظهّر رغبة أميركية بإعادة تحريك المسار السياسي على جبهة لبنان، لبلوغ حلّ او اتفاق او تفاهم يتوازى من الإنجاز الأميركي في غزة، يمهّد له بوقف لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وورقة توم برّاك تشكّل الأساس لذلك، وتلقّى لبنان إشارات مباشرة بهذا المعنى من برّاك نفسه، وعلى هذا الأساس جاء الطرح باستعداد لبنان لإجراء مفاوضات غير مباشرة برعاية أميركيّة، على شاكلة ما جرى في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ الأميركيين كانوا مرتاحين للتجاوب اللبناني مع طرحهم المتجدد بإطلاق مسار الحل السياسي، إلّا انّ هذا الطرح لم يعمّر طويلاً، إذ سرعان ما بردت حماسته، حتى لا نقول إنّه تمّ التراجع عنه بشكل نهائي، حيث اصطدم بالرفض الإسرائيلي، ما أعاد الأمور إلى المربّع الاّول، وأبقى الوضع في دائرة التصعيد الذي تمارسه إسرائيل. وأما ما يعني الطرح اللبناني حول المفاوضات غير المباشرة، فهو لم يعد قائماً، أقلّه في هذه المرحلة». وعلى ما يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد فشل الطرح الأميركي «لم يعد هناك مسار قائم سوى العمل بحسب الآلية المعتمدة حالياً ضمن اللجنة الخماسية (الميكانيزم)».
ومعلوم انّ إسرائيل تريد إلزام لبنان بمفاوضات مباشرة ذات طابع سياسي، تفضي إلى حلّ وفق مصلحتها، ويفرض واقعاً جديداً في المنطقة الجنوبية، الكلمة العليا فيه لها. وانعكس الموقف الإسرائيلي بصورة واضحة في رفع وتيرة الاعتداءات والاستهدافات للبنى والمنشآت المدنية في الجنوب في الفترة الأخيرة، واستُتبعت أمس بغارات جوية عنيفة من الطيران الحربي، استهدفت منطقة المحمودية والجرمق ومجرى نهر الليطاني ومزرعة الدمشقية في منطقة النبطية، وذلك بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران التجسسي في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية على علو منخفض.
تصعيد للضغط
على أنّ ما يثير المخاوف في رأي المصادر عينها، هو أن تبادر إسرائيل في المرحلة الراهنة إلى التدرّج التصعيدي في اعتداءاتها، في محاولة واضحة منها لفرض مزيد من الضغط على لبنان لجرّه إلى التسليم والموافقة على عقد مفاوضات مباشرة معها، لتحقيق هدفها الجوهري بالوصول إلى تطبيع وفق شروطها مع لبنان.
لا للتطبيع
وضمن هذا السياق، تؤكّد مصادر رسمية لـ»الجمهورية»، أنّ الموقف الرسمي موحّد حيال هذه المسألة، اولاً، بالتأكيد على وقف العدوان الإسرائيلي وتحقيق الانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق الاسرى، وثانياً، بالتأكيد على المفاوضات غير المباشرة، وثالثاً، بالالتزام الكلي باتفاق وقف العمليات الحربية المعلن في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وبمندرجات القرار 1701، ولبنان قام بما هو مطلوب منه في هذا المجال، والشاهد الأساس قوات «اليونيفيل» ولجنة «الميكانيزم»، ورابعاً، بالرفض القاطع لما يسمّى «التطبيع الواضح» او ما يسمّى «التطبيع المقنّع» مع إسرائيل. وهذا الموقف مبلّغ بصورة واضحة إلى كلّ الاطراف المعنية في الداخل والخارج».
وعلى الرغم من تعثّر الطرح الأميركي، تؤكّد المصادر الرسمية عينها «انّ حركة الاتصالات، لم تتوقف، سواء على الخطوط الداخلية او على الخطوط الخارجية»، وتجزم بأنّ «الامور ليست مقفلة بالكامل، وخصوصاً أنّ الحل السياسي بين لبنان وإسرائيل يشكّل اولوية وهدفاً بالنسبة إلى الأميركيين، ومن هنا من غير المستبعد أن يعطى هذا الامر بعض الزخم في المدى المنظور، الذي قد يتزامن مع حضور مباشر للموفدين على خطّ تحريك مسار الحلّ السياسي».
وعندما تسأل المصادر الرسميّة عن مصير حصريّة السلاح، وما إذا كان سحب سلاح «حزب الله» هو السبب الذي تتذرّغ فيه إسرائيل لرفض مسار الحل، فضّلت المصادر عدم الخوض في التفاصيل، كما لم تنف او تؤكّد ما تردّد عن شرط إسرائيلي بنزع سلاح «حزب الله» اولاً، واكتفت بالقول: «القرار بحصر السلاح بيد الدولة وحدها، اتخذته الحكومة، وثمة آلية تنفيذية يعتمدها الجيش اللبناني بكلّ مسؤولية وحرص على الأمن والاستقرار والسلم الاهلي».
برّاك
إلى ذلك، كان لافتاً في الساعات الاخيرة، ما أورده برّاك في منشور موسّع على حسابه على منصة «إكس»، بأنّ «نزع سلاح «حزب الله» داخل لبنان، وبدء المحادثات الأمنية الحدودية مع اسرائيل، يشكّلان ركيزة في الإطار الامني الشمالي لإسرائيل».
واعتبر انّ «اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، سعى إلى وقف التصعيد لكنه فشل في النهاية».
ورأى برّاك «انّ لبنان يواجه الآن خيارًا حاسمًا: إمّا انتهاز فرصة التجديد الوطني أو البقاء غارقًا في الشلل والتدهور». وقال: «على الولايات المتحدة دعم بيروت للانفصال سريعًا عن «حزب الله». ورأى أنّه «إذا لم تتحرك بيروت، فسيواجه الجناح العسكري لـ»حزب الله» حتمًا مواجهة كبرى مع إسرائيل في لحظة قوة إسرائيل ودعم إيران لـ»حزب الله» في أضعف نقاطه. وفي المقابل، سيواجه جناحه السياسي، بلا شك، عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات أيار 2026»… «الآن وقت لبنان للعمل».
وأضاف: «إذا تعرّض «حزب الله» لهجوم عسكري جدّي من إسرائيل وواجه خسائر إقليمية أو سياسية أو في سمعته، فمن المرجح جداً أن يسعى لتأجيل الانتخابات للحفاظ على قاعدة سلطته وإعادة ترتيب صفوفه. الانتخابات في مثل هذه اللحظة ستكشف وضعه الضعيف، وتعرّض حلفاءه لخسائر انتخابية، وتشجع الفصائل المنافسة على تحدّي هيمنته ضمن النظام الطائفي الهش في لبنان. ومن خلال الاستناد إلى «الأمن القومي» و«عدم الاستقرار في زمن الحرب»، قد يبرّر «حزب الله» التأجيل كوسيلة للحفاظ على الوحدة وحماية المجتمع الشيعي من الاستغلال الخارجي المتصور. في الواقع، فإنّ التأجيل يمنحه وقتاً – لإعادة البناء عسكرياً، وإعادة التنظيم سياسياً، وإعادة التفاوض حول توازن القوى بعد الحرب قبل مواجهة الناخبين».
وشدّد برّاك على أنّ «تأجيل انتخابات 2026 بذريعة الحرب سيثير فوضى كبيرة في لبنان، ويقوّض نظاماً سياسياً هشاً أصلاً، ويعيد إشعال عدم الثقة الطائفية. العديد من الفصائل اللبنانية خاصة الكتل المسيحية والسنّية والإصلاحية، ستعتبر التأجيل استيلاءً غير دستوري على السلطة من قبل «حزب الله»، لترسيخ سيطرته وتجنّب المساءلة عن دمار الحرب. ومن المرجح أن يؤدي هذا التحرك إلى شلل في البرلمان، وتعميق فراغ الحكومة، وإطلاق احتجاجات شعبية على مستوى البلاد تشبه انتفاضة 2019 – ولكن هذه المرّة في ظل توتر مسلح وانهيار اقتصادي. التصور القائل بأنّ ميليشيا واحدة يمكنها تعليق الديمقراطية قد يقوّض ثقة الجمهور بالدولة، ويفتح الباب لتدخّل إقليمي، ويزيد خطر دفع لبنان من أزمة إلى انهيار مؤسساتي كامل».
تقرير إسرائيلي
في سياق متصل، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، تقريراً سألت فيه عمّا إذا كان لبنان سيتمكن من التحرر من قيود «حزب الله».
وووفق التقرير فإنّه «بعد أشهرٍ من المُواجهة المدمّرة مع إسرائيل، يقف لبنان عند مفترق طرق مصيري، فالبلاد، المُنهكة اقتصادياً واجتماعياً وبُنيوياً، مُمزقة بين قوتين مُتعارضتين: الرغبة في إعادة البناء والاندماج في نظام إقليمي جديد، وقيود «حزب الله» القديمة التي تُسيطر عليه من الداخل». وسأل: «هل سيجد لبنان الشجاعة للتغيير، ولتفكيك سلاح «حزب الله»، ولاختيار المسار الديبلوماسي؟ أم سيبقى متشبثاً بالماضي الذي شهد على طريق قاده مراراً وتكراراً إلى الخراب؟ وهل يمكن للبنان الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام؟ قد تبدو الفكرة بعيدة المنال، لكنها ليست مستحيلة». وأضاف التقرير: «في الوقت الحالي، من غير المرجح الانضمام رسمياً إلى اتفاقيات إبراهام. فلا يزال «حزب الله» قوياً، والدولة ضعيفة، والمجتمع خائف ومُشرذم. ومن المرجح أن يمرّ طريق التطبيع، إن تحقق، بمرحلة وسيطة من عدم الاقتتال، إلى جانب آلية تنسيق أمني على طول الحدود الشمالية».
جعجع يهاجم وبري يردّ
على الصعيد الإنتخابي، نقلت مصادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، رداً على كلام تناوله فيه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قوله لرئيس «القوات»: «من أين لك هذا الكلام الذي نسبته إليّ، ألم يعد في جعبتك غير إستصدار كلام عن لساني والجواب إليك»؟!
وكان جعجع قد أدلى بتصريح أمس، توجّه فيه إلى الرئيس بري قائلاً: «لا تستطيع اختزال المجلس النّيابي بشخصك. إنّ قولك «إنّنا قد جرّبنا تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية السّابقة لمرّة واحدة وأخيرة، ولا إمكانيّة على الإطلاق لتكرار هذا الأمر لمرّة ثانية مهما علا الصّراخ والضّجيج»، هو قول يضرب المجلس النّيابي، والنّظام البرلماني، والنّظام اللّبناني، والدّيموقراطيّة برمّتها».
وأشار جعجع إلى أنّه «ربّما في السّنوات الأربعين الماضية، لم يقل لك أحد ذلك، وأنا أقوله لك اليوم: إنّ من يقرّر في المجلس النّيابي هو الأكثريّة النّيابيّة، لا أنت، ولا أي شخص آخر بحدّ ذاته، مع كامل احترامنا لك ولكل شخص آخر. فإمّا دستور وقانون ونظام، وإمّا شريعة الغاب. ولن نقبل بعد الآن بشريعة الغاب».
