كتبت صحيفة “الجمهورية”: ظلت المواقف التحذيرية التي أطلقها الموفد الأميركي توم برّاك تجاه لبنان موضع تفاعل في مختلف الأوساط السياسية الداخلية والخارجية، على وقع ارتفاع منسوب الاعتداءات الإسرائيلية وتزايد حركة الطيران الاستطلاعي فوق الجنوب وبيروت وضاحيتها الجنوبية والبقاع، مما يثير مخاوف من أن تكون إسرائيل في صدد تحضير بنك أهداف جديد، تمهيداً لشن عدوان جديد على لبنان، خصوصاً بعد رفضها العرض اللبناني للحل الذي تحدث عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقال إنّ برّاك أبلغه إلى إسرائيل ولكنها رفضته.
كان اللافت للمراقبين في هذا المجال، أنّ برّاك بدلاً من أن يتّهم إسرائيل بعرقلة الحلول لرفضها العرض اللبناني، إنبرى يلقي اللوم على لبنان ويحذّره من الويل والثبور وعظائم الأمور إن لم ينزع سلاح «حزب الله»، فيما المطلوب من الولايات المتحدة الأميركية الضامنة لاتفاق 27 تشرين الثاني 2024، أن تضغط على إسرائيل لكي تلتزمه وتنسحب من المناطق التي احتلتها، خصوصاً انّ لبنان التزم المطلوب منه وينفّذه، واتخذ القرار بحصر السلاح بيد الدولة وباشر تنفيذه ابتداءً من جنوب الليطاني، لكن هذا الضغط الأميركي لم يحصل بعد.
وقالت مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي»، إنّ ما أعلنه الرئيس بري من ربط للوضع بلجنة «الميكانيزم» رداً على الرفض الإسرائيلي للعرض اللبناني، كان في محله، لأنّ التخلّي عن اتفاق موجود والإندفاع إلى اتفاق جديد هو قفز في المجهول.
وأشارت المصادر، إلى أنّ إسرائيل برفض الطرح اللبناني، أظهرت عدم اهتمام، بل إنّها لا تريد أي حل، وستستمر في اعتداءاتها اليومية وعدم التزام وقف النار، وفي هذه الحال لا يمكن لبنان الدخول في أي مفاوضات غير مباشرة. ولفتت المصادر إلى انّ المبادرة التي طرحها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لا يبدو أنّ إسرائيل تقبل بها.
واعتبرت المصادر انّ أي مبادرة لا تستند إلى معطيات ومقومات توفّر لها إمكانية النجاح، تتحول ضدّ الجهة التي تطلقها مهما كان لديها من نيات حسنة للوصول إلى حلول. ولذلك وبعد الرفض الإسرائيلي للمبادرة اللبنانية، يجب التركيز على تنفيذ الاتفاق الموجود، بعيدا من أي طروحات جديدة، خصوصاً أنّ إسرائيل لم تبد أي تجاوب معها.
تجنّب المأزق
وأشارت مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، إلى مخاوف متزايدة تصيب أركان الحكم في هذه الفترة، نتيجة الضغوط الديبلوماسية المتفاقمة التي تمارسها واشنطن، وقد عبّر عنها الموفد الأميركي توم برّاك أخيراً في شكل واضح، إذ لوّح إلى أنّ البديل من عدم استكمال خطة نزع السلاح هو أن تطلق إسرائيل يدها في تصعيد واسع ضدّ لبنان. ويسود شعور بالعجز لدى لبنان الرسمي، لأنّه لا يستطيع حسم الملف من الجهة الداخلية بسبب رفض «حزب الله» التخلي عن سلاحه، كما أنّه عاجز تماماً عن القيام بأي خطوة تفرض على إسرائيل الالتزام بالموجبات التي نصّ عليها اتفاق إطلاق النار.
وتحدثت هذه المصادر عن اتصالات حثيثة أجراها لبنان، من خلال الأقنية الديبلوماسية، مع عدد من العواصم المعنية بالملف اللبناني، وتركّزت خصوصاً على باريس والرياض، في محاولة للحصول على تغطية تساعد لبنان في تجنّب المأزق الذي يمكن أن تدفعه إليه إسرائيل. لكن المصادر أشارت إلى أنّ النتائج لم تكن مشجعة في مجال طمأنة لبنان.
من جانب واحد
في غضون ذلك، وفي موقف تصعيدي جديد، قال مسؤول إسرائيلي «إنّ تل ابيب قد تتحرك من جانب واحد ضدّ «حزب الله». وانّ العواقب ستكون وخيمة».
وأضاف مسؤول استخباراتي إسرائيلي، أنّ «الحكومة اللبنانية تتردّد في التحرك ضدّ حزب الله». وأوضح «أنّ «حزب الله» زاد من وتيرة بناء قوته شمال الليطاني».
وإلى ذلك، نقلت قناة «الجديد» عن مصادر ديبلوماسية، قولها، إنّ «توافقاً فرنسياً ـ أميركياً حصل خلال لقاء المبعوث الأميركي توم برّاك ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، على أولوية إنجاز الإصلاحات في لبنان، ولا سيما منها هيكلة المصارف وقانون الفجوة المالية، تمهيدًا لعقد مؤتمر دولي لإعادة الانتظام الاقتصادي والإعمار». واضافت المصادر، أنّ «على المسؤولين اللبنانيين الذهاب إلى حصر السلاح في كل لبنان، والتفاوض المباشر مع إسرائيل بعد إهمال واشنطن للملف اللبناني ووضعه في حساب إسرائيل».
قاسم
في غضون ذلك، وفي كلمة له أمس خلال الاحتفال بإطلاق كتاب «الغناء والموسيقى.. بحوث للإمام الخامنئي» وجّه الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم رسالة مباشرة إلى الإدارة الأميركية ومبعوثها برّاك قائلاً: «كفى تهديدًا للبنان من أجل إعدام قوّته وجعله جزءًا من إسرائيل الكبرى». ولفت إلى أنّ «الاستعراض الذي قام به (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب في شرم الشيخ ليس عرضًا للسلام».
وشدّد على أنّ استقرار لبنان يتحقق فقط من خلال كفّ يد إسرائيل عنه، مؤكّدًا أنّ لبنان «لن يعطي إسرائيل ولا أميركا ما تريدان، طالما هناك شعب أبيّ قدّم تضحيات كبيرة وقادر على تقديم المزيد دفاعًا عن كرامته وسيادته». وقال إنّ «من يظن أنّ إلغاء سلاح «حزب الله» ينهي المشكلة مخطئ، لأنّ سلاحه جزء من قوة لبنان»، مضيفًا: «نحن لا يؤثر بنا التهديد، وطبّقوا الاتفاق. فلبنان طبّقه، وكل المناورات والضغوط هي استنزاف وتضييع للوقت».
ولاحظ قاسم «أنّ المنطقة تمرّ في محطة جديدة من محطات النزاع، «فيها الكثير من الألم والأمل»، لأنّ إسرائيل لم تحقق أهدافها ولن تحققها رغم كل محاولاتها العسكرية والسياسية. وقال: «لا شيء جديداً عملياً سوى أنّ أميركا تحاول أن تأخذ بالسياسة ما لم تتمكن إسرائيل من أخذه بالحرب»، مشيرًا إلى أنّ التدخّل الأميركي في لبنان والمنطقة سيئ جدًا، ويُثبت أنّ واشنطن «تقود الإبادة والمجازر ولديها مشروع توسّعي يهدّد استقرار المنطقة بأسرها». وأضاف: «رغم التواطؤ الدولي الطاغوتي، لم تحقق إسرائيل أهدافها ولن تحققها، فهي معتدية ومجرمة وتعمل على الإبادة»، مؤكّدًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «يستطيع القول إنّه يقتل في كل مكان، لكنه لا يستطيع القول إنّه استقرّ، أو أنّ المستقبل للكيان الإسرائيلي». وقال: «عندما يطرح نتنياهو ما يسمّيه إسرائيل الكبرى، فإنّها في خدمة أميركا الكبرى، لأنّنا نرى ما يصنعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل العالم».
وتوجّه قاسم للحكومة: «عليكم أن تكونوا مسؤولين عن السيادة، فاعملوا بطريقة صحيحة من أجل حماية السيادة»، و«أنتم مسؤولون عن إعادة الإعمار». ولفت إلى أنّ «حاكم مصرف لبنان (كريم سعيد) ليس موظفًا عند أميركا لكي يضيّق على المواطنين بأموالهم، وعلى الحكومة أن تضع حدًا له»، مشدّدًا على أنّ «وزير العدل (عادل نصار) ليس ضابطة عدلية عند أميركا وإسرائيل، وعليه أن يتوقف عن منع المواطنين في معاملاتهم»، متسائلًا: «هل لبنان سجن لمواطنيه بإدارة أميركية؟ هل وزير العدل أو حاكم مصرف لبنان موظفين عند الإدارة الأميركية في السجن الأميركي في لبنان؟». وأضاف: «نحن لا نقبل أن يكون لبنان سجناً، وعليكم أن تكونوا تحت إمرة الحكومة اللبنانية وادارتها لمصلحة الشعب اللبناني».
الإنذار الأخير
في الموازاة، أشار النائب غسان سكاف في حديث اذاعي إلى «أنّ المفهوم التفاوضي الذي طرحه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يقوم على تجربة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، وهي رسالة أولية في انتظار الأصداء التي ستصدر عنها، وهناك ضغط أميركي للتفاوض المباشر لإنهاء النزاع، وأميركا تعمل على فتح قنوات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، كما أنّ إسرائيل ترغب بذلك، دون ضمانات أميركية، وعلى لبنان إيجاد صيغة توفّق بين التفاوض المباشر وغير المباشر». وأضاف: «ما قاله توم بّراك كان الإنذار الأخير. ولبنان يجب ان يمهّد للمفاوضات ويعمل على تحقيقها، قبل ان تقوم إسرائيل بحرب واسعة على لبنان».
ميدانياً
ميدانياً، وعلى وقع استمرار تحليق المسيّرات الإسرائيلية على علو مخفوض وبكثافة فوق الأراضي اللبنانية خصوصاً فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية والجنوب، كتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي أدرعي عبر منصة «إكس»: «دمّرت قوات احتياط من لواء الجبال (810) تحت قيادة الفرقة 210 في وقت سابق هذا الأسبوع مرابض تابعة لحزب الله الإرهابي في منطقة جبل روس (هار دوف) حيث دُمّرت هذه المرابض بهدف منع تموضع مستقبلي لحزب الله في هذه المنطقة».
تعديلات طفيفة
على الصعيد النيابي، رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة النيابية التي خُصّصت لانتخاب أميني السر والمفوضين الـ3 وأعضاء اللجان، إذ بقيت هيئة مكتب المجلس على ما كانت عليه، فيما طرأ تعديل طفيف على لجنتي الإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث حلّ النائب ملحم رياشي مكان النائب غياث يزبك في لجنة الإعلام، والنائب اديب عبد المسيح مكان النائب فريد الخازن في لجنة تكنولوجيا المعلومات.
كذلك أعلن بري بقاء رؤساء ومقرري اللجان في مواقعهم، حسب ما تبلّغ من اللجان النيابية.
الانتخابات النيابية
وعلى صعيد الجديد في الاستحقاق النيابي، قال رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان بعد اجتماعها أمس: «نحن مصروّن على إجراء الانتخابات في موعدها. والحل في ما خصّ تصويت غير المقيمين يكون من خلال مشروع قانون تحضّره الحكومة وترسله إلى مجلس النواب. وأوجّه دعوة إلى الرئيسين عون وسلام لإدراج المشروع المقدّم من وزير الخارجية والتصويت عليه». ودعا عدوان إلى «طرح المسائل الخلافية على الهيئة العامة، وسنلتزم أي قرار يصدر عنها، ولكن لن نقبل أن نبقى في المجهول بالنسبة للانتخابات النيابية».
فيما اعلن النائب غسان سكاف انّه سيطلب تأجيل الانتخابات إلى 15 تموز، للسماح للمغتربين بالانتخاب خلال وجودهم في لبنان. مضيفاً «هذا ضمن تسوية سياسية تُطبخ خلف الكواليس».
«إكسبو الرياض»
على صعيد آخر، سلّم سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور وليد بخاري إلى وزير الخارجية يوسف رجي أمس، دعوة للجمهورية اللبنانية إلى المشاركة في «إكسبو الرياض 2030»، الذي تستضيفه العاصمة السعودية خلال الفترة من 1 تشرين الاول 2030 وحتى 31 آذار 2031، تحت شعار «استشراف المستقبل». وجاء في الدعوة «انّ المملكة العربية السعودية تعتزم تقديم نسخة استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ إقامة هذا المحفل العالمي بأعلى مراتب الابتكار، والإسهام بأداء دور فاعل وإيجابي لغد مشرق للبشرية؛ من خلال توفير منصة عالمية تسخّر أحدث التقنيات وتجمع ألمع العقول؛ بهدف الاستثمار الأمثل للفرص وطرح الحلول للتحدّيات التي تواجه كوكبنا اليوم، وذلك عبر ثلاثة مواضيع فرعية للمعرض: تقنيات مبتكرة، وحلول مستدامة، ومجتمعات مزدهرة».
جلسة حكومية غداً
يجتمع مجلس الوزراء غداً الخميس عند الثالثة بعد الظهر في القصر الجمهوري، لبحث جدول أعمال يضم أكثر من 40 بنداً حيوياً. وتشمل البنود اقتراحات قوانين أبرزها تعديل ولاية حاكم مصرف لبنان ومنع شطب الودائع، بالإضافة إلى مشاريع تتعلق بالإصلاح المصرفي واتفاقية استكشاف النفط في الرقعة 8. كما يبحث المجلس تعيينات إدارية وشؤوناً مالية، منها اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص وعرض مؤسسة البترول الكويتية لتوريد الفيول، إلى جانب مشاريع إنمائية وطابع تذكاري للجيش.
