Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

كتب السيد صادق الموسوي : بين أمريكا وإيران من المقصّر ؟

 

 

بين أمريكا وإيران
من المقصّر ؟
رحلت حكومة الشيخ حسن روحاني وذهب معها الدكتور محمد جواد ظريف، وتوقفت جلسات المفاوضات النووية إلى حين تسلم الرئيس الإيراني المنتخب السيد إبراهيم رئيسي مهامه رسمياً بعد أيام، ومن ثم يتم تعيين فريق جديد وسياسة جديدة وأسلوب مفاوضات جديد، وهذا ما نبهت إليه وحذّرت منه في مقالات سابقة.
إن تلكؤ الجانب الأمريكي في العودة إلى الإتفاق النووي واستعمال منطق أنت أولاً من الجانب الأمريكي والجانب الإيراني كل ذلك ضيّع الفرصة الذهبية لخروج الولايات المتحدة أولاً ثم الجمهورية الإسلامية من الأزمة التي يعاني منها الطرفان، فالأمريكي لا يمكنه الإستمرار في سياسته السابقة، إذ لم تنجح كل إجراءات الرئيس السابق ترامب في إخضاع المسؤولين الإيرانيين، وهذا ما يقرّ به جميع المراقبين وحتى المسؤولين في الولايات المتحدة، إذن لا يوجد أمام الرئيس الحالي جو بايدن سوى تغيير أسلوب التعامل الأمريكي، وهذا لا يكون إلاّ بالعودة إلى الإتفاق الذي سبق لرئيسه باراك أوباما أن توصل إليه مع الجانب الإبراني، والجانب الإيراني أيضا لا يمكنه التراجع عما تم إنجازه حتى الآن من قبل فريق الرئيس روحاني، لأن الخطوات كلها كانت بإشراف القائد آية الله خامنئي وموافقته، وهو لا يسمح للرئيس القادم أن يعبث بما تمّ التوصل إليه؛ لكن التلكؤ الأمريكي ووضع الشروط أمام إيران والتأثر بالإيحاءات الصهيونية ضيع تلك الفرصة الذهبية التي كانت سانحة للرئيس الأمريكي.
اليوم نسمع التصريحات الأمريكية والغربية يومياً على أعلى المستويات تطالب الجمهورية الإسلامية بالعودة إلى جلسات المفاوضات، والجميع الآن هم في انتظار الموقف الإيراني، وطهران الآن بيدها المفتاح، فإن شاءت فتحت الباب واستؤنفت المفاوضات، وإن ارادت جعلت العالم كله في الإنتظار، وإن التهويل من بعض الأمريكيين بأن لدى الولايات المتحدة وسائل جديدة للضغط على الجمهورية الإسلامية هو هراء لا يؤثر أبداً في الجانب الإيراني، إذ هم يعرفون أن ترامب المعتوه لم يترك نوعاً من أنواع العقوبات إلاّ فرضها على إيران، ولم يترك سلاحاً إلاّ استعمله ضد الجمهورية الإسلامية، فهل يوجد بعد السواد لون، وهل يوجد في جعبة الطرف الأمريكي وسيلة ضغط جديدة لم يستعملها ترامب ليقوم بايدن بالإستفادة منها ؟.
إن انتهاز الفرصة هو من صفات الأذكياء، وإن تضيع الفرصة يكون من جانب الأغبياء، وإن الجانب الأمريكي لم ينتهز الفرصة حتى شارف الشيخ روحاني وفريقه من مغادرة الحكم وتسليم مفاتيح المكتب الرئاسي في شارع ” پاستور ” في العاصمة الإيرانية للرئيس الجديد، وإن الرئيس الجديد سيسلك مسار سلفه لكن ذلك يحتاج إلى قليل من الوقت حتى تهدأ نفوس المتطرفين الذين حرضهم المحافظون طوال السنوات الـ ٨ الماضية ضد الشيخ روحاني وظريف على أساس دخولهما في المفاوضات النووية، وبذلوا كافة الجهود للتشويش عليها وخلق العراقيل في وجه الرجلين رغم تأكيدات آية الله خامنئي المتكررة على إشرافه شخصياً على عملية المفاوضات واطلاعه على تفاصيل ما يجري وثقته بالفريق المفاوض، لكن لا حياة لمن تنادي.
وكان آخر تلك العراقيل إصدار مجلس الشورى الإسلامي الجديد الذي يهيمن عليه المحافظون قانوناً يمنع الحكومة من إنجاز الإتفاق قبل نيل موافقة مجلس الأمن القومي وتصديق مجلس الشورى الإسلامي عليه، واليوم يريد الرئيس الجديد السير على نفس طريق الشيخ روحاني، فكيف يمكن للسيد رئيسي إسكات الأصوات التي دأبت على التهجم على الفريق الإيراني المفاوض وحتى اتهام أعضائه بالخيانة وذلك إذا سلك السبيل نفسه، وكيف يمكن للذين بحّت أصواتهم طوال ٨ سنوات وبلغ صراخهم السماء السابعة وهم يطعنون بالإتفاق ويوجهون السهام من الخلف للمشاركين في اجتماعات المفاوضات أن يبلعوا ألسنتهم ويبرروا سكوتهم بل التعامل بإيجابية مع المفاوضات عند استئنافها ؟!.
إذن يحتاج السيد رئيسي بعض الوقت لكي يقوم خصوم الشيخ روحاني طوال عهده بالتكويع وتبرير موقفهم الجديد أمام جمهورهم، حتى لا يصاب هذا الجمهور بالصدمة، هذا الجمهور المعبّأ حتى العظم ضد أصل التفاوض مع الأمريكيين والغرب عموماً، فيتمكن العهد الجديد من إقناع الناس بوجود فرق كبير حقيقي بين أسلوبه في التعامل مع دول العالم مع طريقة فريق الشيخ روحاني، ثم انتظار ظروف تسهل تبرير انخراط الرئيس الجديد وفريقه في العملية التفاوضية من جديد.
إن الخاسر الأكبر في عدم إنجاز الصفقة حتى اليوم هو الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريق عمله؛ ولا ننكر أن الجمهورية الإسلامية هي أيضاً تعاني من أزمة إقتصادية خانقة وجراء شح المياه نتيجة قلة هطول المطر ما أدى إلى موجة من التظاهرات في بعض المناطق والتي يعمل أعداء إيران على استغلالها وإعطائها طابعاً سياسياً، لكن التجربة أثبتت أن هذه الرهانات كلها فاشلة، ويمكن للسلطات الإيرانية السيطرة على الأوضاع بسهولة.
الآن لا يبقى أمام الادارة الأمريكية الاّ طريق واحد وهو المسارعة في إلغاء كافة العقوبات والإعلان بالتزامها بنود الإتفاق من جانب واحد، لعل هذه الخطوة تدفع السيد رئيسي إلى إعلان الجمهورية الإسلامية أيضاً التزامها ببنود الإتفاق مبرراً تلك الموافقة بالخطوة الأمريكية أولاً، ويسجل ذلك فوزاً كبيراً للرئيس الجديد، ما يضطر الذين ظلوا يهاجمون الشيخ روحاني إلى تأييد موقف السيد رئيسي، وتتغير الأجواء نتجة انفراج في الوضع الإقتصادي واستعادة العملة الإيرانية لقيمتها، وتحسن القوة الشرائية لدى المواطنين جراء تدني أسعار السلع بشكل كبير، وهذا يعطي للسيد رئيسي الحجة ليتمكن من إرضاء المجموعات المتطرفة التي تعمل دائما على خلق أزمات وإيجاد عراقيل أمام الحكومات الإيرانية المتعاقبة، ولا ندري حقيقة من يقف وراء هؤلاء و يساندهم ويدفعهم إلى الشارع في كل مرة وبكل مناسبة، فمرة تتم مهاجمة السفارة البريطانية واقتحامها والعبث بمحتوياتها ثم تضطر الحكومة الإيرانية إلى الإعتذار من السلطات البريطانية والتكفل بدفع كافة الخسائر الناجمة عن الإقتحام ودلك حسب التقديرات البريطانية، ومرة يقوم أولئك المتطرفون بمهاجمة السفارة السعودية وإضرام النار فيها ما يعطي الذريعة للرياض بأن تعلن قطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية والدخول في معركة ” كسر عظم ” في كافة الميادين، ومضى سنون حتى نمّ مؤخراً فتح كوّة صغيرة لعودة الإتصالات بين الطرفين والحديث عن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران.
إنني قد قدمت مراراً وفي مقالات عديدة نصيحة للطرف الأمريكي بأن يستفيد من وجود الفريق المفاوض الإيراني نفسه الذي أنجز الإتفاق الأول مع إدارة الرئيس أوباما في الحكم بالجمهورية الإسلامية، وذكرت مراراً بأن تضييع هذه الفرصة قد تجعل الإدارة الأمريكية تعض أصابع الندم، خاصة وأن الولايات المتحدة قد ضعف موقعها في أفغانستان وأعلنت الإنسحاب بعد ٢٠ عاماً من التواجد هناك وقوي، موقع إيران نتيجة علاقاتها الحسنة مع طرفي الساحة الأفغانية أي الحكومة وطالبان، وفي العراق اضطرت أمريكا للتراجع الواضح أمام ضربات فصائل الحشد الشعبي والإنكفاء، وفي اليمن لا تجد المملكة العربية السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة مناصاً من العمل سريعاً لوقف الحرب ضد الحوثيين بعد ٧ سنوات واستعمال أكثر الأسلحة فتكاً بحق الشعب الأعزل، ودول الخليج واحدة بعد أخرى تحاول التقارب مع الجمهورية الإسلامية، أما مصر فإنها حاولت مراراً التواصل مع طهران لكن الإيرانيين لا يتجاوبون مع تلك الجهود، أما الكيان الصهيوني الذي بذل رئيس وزرائه المهزوم نتنياهو كل ما أمكنه لعرقلة التقدم الإيراني في المجال النووي واغتال عدداً من العلماء النوويين وقام بعمليات تخريبية عديدة في المؤسسات النووية، لكنه يعلن هذا الكيان اليوم أن إيران أصحبت على مشارف انتاج قنبلة نووية، والخلاصة أنه كلما تأخرت الولايات المتحدة في الإتفاق مع الإيرانيين كلما تقدم الإيرانيون خطوات في توسيع مدى نفوذهم في المنطقة وحتى في الحديقة الخلفية لأمريكا في البحر الكاريبي، وكان يقال قديماً ” كل نصيحة بجمل ” لكن مع الأسف لم تتم الإستفادة من النصائح وضاعت الفرصة والحق هذه المرة ليس على الطليان بل على الأمريكان.
السيد صادق الموسوي