Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

#الإمام موسى الصّدر والشّيعة اللبنانيّون والفلسطينيّون في لبنان (4) الخصومات والخلافات والمواجهات

لعبت “فتح” دورًا قياديًا في الاعداد العسكريّ لحركة “أمل”. كانت العلاقات جيّدة على مستوى القيادة، خصوصًا بين الإمام موسى الصّدر وياسر عرفات. على سبيل المثال، أطلق الإمام موسى الصّدر على زعيم منظّمة التّحرير الفلسطينيّة لقب “شعلة الثّورة وضمير الشّعب الفلسطينيّ” (ضاهر، 2000، صفحة 29). ومع ذلك؛ فإنّ الجناح اليساريّ في فتح الّذي جَسَّدَهُ آنذاك أبو موسى وأبو صالح وماجد أبو شرار، خاض صراعًا مديدًا مع رئيس المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى، وتزايدت المناوشات شيئًا فشيئًا اعتبارًا من العام 1976، عندما انغمست منظّمة التّحرير الفلسطينيّة كلّيًّا في الحرب الأهليّة اللبنانيّة. كما احتدم الصّراع بين الفصائل اليساريّة الرّاديكاليّة في منظّمة التّحرير وأمل، وخصوصًا الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين-القيادة العامّة الّتي تزعّمها أحمد جبريل، وجبهة التّحرير العربيّة الموالية للعراق، وبدرجةٍ أقلّ الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين والجبهة الدّيمقراطيّة لتحرير فلسطين. أضف إلى ذلك، أنّه على الرّغم من انضمام حركة أمل إلى الحركة الوطنيّة اللبنانيّة بقيادة كمال جنبلاط؛ فإنّ التّناقضات والخصومات احتدمت علنًا في بداية الحرب الأهليّة بين الفصائل اليساريّة (في منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة) وبين الحركة الشّيعيّة، لأسبابٍ سياسيّة وتنافسيّة وأيديولوجيّة واستراتيجيّة.

المنازعات التّنافسيّة والتّباينات الأيديولوجيّة والاستراتيجيّة

قبل انطلاقة حركة أمل بوقتٍ طويل، وحتّى بعد ذلك، انضمّ العديد من النّاشطين الشّيعة إلى تنظيمات فلسطينيّة مختلفة (على سبيل المثال، كان القادة العسكريّون اللّاحقون في حزب الله عماد مغنيّة ومصطفى بدر الدّين وفؤاد شكر أعضاءً في القوّة 17، الّتي كانت قوّةً خاصّة وجهاز استخبارات فتح في الوقت عينه). وكان العديد من قيادات الأحزاب اللبنانيّة المتحالفة أساسًا مع الفلسطينيّين، ينتمون إلى الطّائفة الشّيعيّة، مثل أمين عام منظّمة العمل الشّيوعيّ محسن ابراهيم، والأمين القطريّ لحزب البعث السّوريّ في لبنان عاصم قانصوه، وحسن حمدان (مهدي عامل) وكريم مروّة من الحزب الشّيوعيّ اللبنانيّ، وأيضًا علي حميّة وعلي قانصوه من الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ. لكنّ الإمام موسى الصّدر، كان يريد وضع حدّ لتشتّت الشّيعة سياسيًّا وتنظيميًّا وجمعهم تحت راية حركته. “اتّهم العديد من قيادات أمل لاحقًا الأحزاب اليساريّة ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة باستغلال بؤس الشّيعة واستخدامهم “كبش محرقة” لغاياتهم السّياسيّة” (Norton, 1987, pp. 26-27). “وهكذا تشاهدون كيف حلّت نكبة جديدة على هؤلاء المساكين المحرومين من خلال اضطرارهم لبيع أنفسهم إلى هذه الأحزاب لقاء تحصيل لقمة عيشهم فقط” (شمران، 2018، صفحة 333). في المقابل، اتّهم يسار منظّمة التّحرير الفلسطينيّة موسى الصّدر بالعمالة للسافاك، ولوكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة (السي آي أيه)، وحتّى لإسرائيل. وانتقد بشدّة تقرّبه إلى المسيحيّين التقدّميّين ورجال الدّين المسيحيّين ونظام دمشق (شمران، 2018، الصفحات 197-307-344-352-354-455-459).

احتدمت هذه المنازعات والتّوتّرات بين أمل، والفصائل اليساريّة في منظّمة التّحرير الفلسطينيّة على خلفيّة التّنافس على استقطاب المحازبين والتّباينات الأيديولوجيّة الحادّة. في الواقع، أشهرت حركة أمل إسلاميّتها وإيمانها، على النّحو المنصوص عليه في البند الأول من ميثاقها: “إنّ هذه الحركة تنطلق من الإيمان بالله بمعناه الحقيقيّ”. في 24 أيّار 1976، وخلال الاحتفال التّكريميّ الأوّل لشهداء أمل، خاطب الإمام موسى الصّدر ياسر عرفات بعباراتٍ بقيت في الذّاكرة: “خذ علمًا يا أبا عمّار (الاسم الحركيّ لياسر عرفات)، أنّ شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلّا على يد المؤمنين…ونسأل الله أن نكون إلى جانبك يوم تدخل المسجد الأقصى…” (ضاهر، 2000، صفحة 242). قبل أن يؤكّد دعمه لفتح، هاجم الإمام موسى الصّدر برنامج الحركة الوطنيّة اللبنانيّة (الّتي كانت تؤيّد الإدارة المحلّيّة للمناطق الخاضعة لسيطرة لجان شعبيّة مختلفة بدلًا من الدّولة اللبنانيّة) والتّوجّه العلمانيّ لبعض تنظيماتها: “الّذين نادوا بالإدارة المحلّيّة لا فرق بينهم وبين الّذين نادوا بحكومة الظّلّ في المناطق الأخرى (الكتائب). والّذين ينادون بالعلمنة الكاملة، إنّما يريدون القضاء على القيم وإبعاد ملكوت الدّين من الحياة الخاصّة والعلاقات السّليمة بين النّاس…. ولا فرق بينهم وبين الإسرائيليّين…” (ضاهر، 2000، صفحة 57). أثارت هذه التّصريحات عاصفةً إعلاميّة، ووجّهت التّنظيمات اليساريّة في الحركة الوطنيّة اللبنانيّة ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة نقدًا لاذعًا للإمام موسى الصّدر. تشير مذكّرات مصطفى شمران إلى الاختلافات الأيديولوجيّة بين هذين القطبين، لكنّها تظهر أيضًا، على وجه الخصوص، الصّراع المحموم على استقطاب الشّيعة: “إنّ الشّباب الشيعيّ كان مُنْجَرًّا وراء الأحزاب اليساريّة والشّيوعيّة بسبب واقعهم البائس والتّعيس. ولكنّ المسألة اختلفت بعد تأسيس حركة المحرومين، حيث عاد الكثير من هؤلاء الشّباب إلى أصلهم ومبدئهم. وبتعبيرٍ آخر؛ فقد سحبوا البساط من تحت أقدام الأحزاب اليساريّة…” (شمران، 2018، صفحة 119).

#الخلافات والتّوتّرات حول أهداف الحرب ومسارها

في 17 كانون الثّاني 1976، حين وجدت القوّات المشتركة (القوّات العسكريّة المشتركة من الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والفلسطينيّين) نفسها في موقف ضعيف بمواجهة ميليشيات الأحزاب اليمينيّة المسيحيّة، كَلَّفَ القادة الموالون للفلسطينيّين في قمّة عرمون ( لقاء إسلاميّ انعقد في منزل مفتي الجمهوريّة آنذاك الشّيخ حسن خالد في بلدة عرمون) الإمام موسى الصّدر بالتماس تدخّلٍ سوريّ بحكم قربه من حافظ الأسد. في اليوم التّالي، أُرسِلَت وحدات من جيش التّحرير الفلسطينيّ كانت متمركزة في سوريا إلى لبنان لمساندة الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، ولعبت دورًا حاسمًا في سقوط الدّامور والسّعديّات (قريتان ساحليّتان تشكّلان حصنًا استراتيجيًّا بين بيروت وجنوب لبنان). “شارك مقاتلون من حركة أمل في الهجوم على قصر الرّئيس الأسبق للجمهوريّة كميل شمعون في السّعديّات” (شمران، 2018، الصفحات 424-426). لكن، عندما شنّت القوّات المشتركة هجومًا لسحق الميليشيات المسيحيّة في جبل لبنان نهائيًّا، وأعلن صلاح خلف (أبو إياد) دعمًا لكمال جنبلاط، أنّ طريق القدس يمرّ من جونيه (مدينة مسيحيّة تقع شمال بيروت)، نأى الإمام موسى الصّدر بنفسه عن الحركة الوطنيّة اللبنانيّة واصطفّ خلف الموقف السّوريّ. دعت دمشق إلى تسوية، وأكّدت استحالة انتصار طرف على آخر في لبنان، ووقفت ضدّ خيار الحسم العسكريّ الكامل الّذي تبنّاه كمال جنبلاط بتأييدها تسوية “لا رابح ولا خاسر”، أي (لا غالب ولا مغلوب)، كما حصل في نهاية الحرب القصيرة في العام 1958. عندما دخلت القوّات السّوريّة إلى لبنان في 1 حزيران 1976 لصدّ هجوم القوّات المشتركة، ترك الإمام موسى الصّدر الحركة الوطنيّة اللبنانيّة وأيّدَ التّدخّل، وأعلن في اليوم نفسه: “إنّنا نعتقد أنّ التّصادم بين سوريا والمقاومة الفلسطينيّة مؤذٍ للطّرفين…سنبذل ما بوسعنا من جهد في سبيل عدم وقوعه…” (ضاهر، 2000، صفحة 133). بالفعل، حاول القائد الشّيعيّ بعد التّدخّل السّوريّ، إيجاد وسيط نزيه لرأب الصّدع بين الموقف السّوريّ وموقف منظّمة التّحرير الفلسطينيّة. في 14 حزيران 1976، بعد أن ألحقت القوّات السّوريّة ضربات موجعة بالقوّات المشتركة، حثّ الإمام موسى الصّدر سوريا على وقف هجومها وإعطاء ضمانات للفلسطينيّين: “…لتنسحب سوريا إلى حدود الاطمئنان الفلسطينيّ…” (ضاهر، 2000، صفحة 67). على مدار العام 1976، وفي ذروة التّوتّر بين دمشق ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة، زار الإمام موسى الصّدر العاصمة السّوريّة تسع عشرة مرّة في سعيٍ حثيث لمصالحة حافظ الأسد وياسر عرفات (ضاهر، 2000، الصفحات 67-100)

يمكننا أن نذكر ملابسات حصار النّبعة (شرقي بيروت) وسقوطها في صيف العام 1976 من بين أبرز الصّراعات الّتي نشأت بين أمل والفلسطينيّين والحركة الوطنيّة اللبنانيّة. وقد اتُّهِمَ قائد أمل بتسليم الحيّ إلى الجبهة اللبنانيّة، في حين أنّ مصطفى شمران اتّهم الجبهة الدّيمقراطيّة لتحرير فلسطين بمهاجمة أرمن برج حمّود، المحايدين سابقًا، بشكلٍ متعمّد، ممّا تسبّب بسقوط الحيّ في أيدي الميليشيات المسيحيّة” (شمران، 2018). كانت هذه المنازعات والتّباينات السّياسيّة والأيديولوجيّة والاستراتيجيّة سببًا لاندلاع العديد من المناوشات والاشتباكات، في جنوب لبنان وبيروت على وجه الخصوص. في هذا السّياق، “تعرّض مقرّ الإمام موسى الصّدر الكائن في شارع فردان في المنطقة الغربيّة من بيروت في 19 حزيران 1976 لحادث تطويق على يد مقاتلي منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة، الّذين وصفتهم مصادر أمل بعصابات صلاح خلف وجنبلاط” (ضاهر، 2000، صفحة 67). جُرِّدَ حرس المقرّ من أسلحتهم. بعد ذلك بيومين، ندّدَ بيان صادر من وكالة الصّحافة الفلسطينيّة “وفا” بهذه التّصرّفات. ردًّا على هذا التّرهيب، “عزم أبناء العشائر الموالون للسّيّد موسى الصّدر في بعلبك على إبادة جميع الفلسطينيّين المقيمين في بعلبك” (شمران، 2018، صفحة 309). فأوفد الإمام موسى الصّدر، الّذي كان حينها في دمشق، معاونيه المقرّبين إلى البقاع لمنع أيّ تصعيد. ثمّ أعلن قائد حركة المحرومين: لا أريد أن يذكر التّاريخ بعد ألف سنة أنّ أيدينا قد تلطّخت بدماء الفلسطينيّين. ولا نريد أن نعطي العذر للغير ليقوم بإبادة المقاومة الفلسطينيّة” (شمران، 2018، الصفحات 308-309). وصفت مليحة الصّدر ابنة الإمام موسى الصّدر مفارقات هذه العلاقة بقولها: “كان أبي يتعرّض لاعتداء من فصيلٍ صباحًا، ثمّ يأتي فصيلٌ آخر بعد الظّهر ليعتذر. ويطلع صباح اليوم التّالي؛ فيجتمع بياسر عرفات” (الصّدر، 2018). مقابلة مع مليحة الصّدر، بيروت في 27 كانون الأوّل 2018

هكذا، استهدفت الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين- القيادة العامّة وجبهة التّحرير العربيّة مؤسّسة جبل عامل المهنيّة، وهي مكان لتدريب العديد من ناشطي أمل ومقاتليها. فقصفتاها غير مرّة ابتداءً من العام 1976، ما أسفر عن قتل حرّاسها وجرح طلّاب ومعلّمين. ينطبق الأمر نفسه على مقرّ المجلس الاسلاميّ الشّيعيّ الأعلى في الحازميّة وأماكن حضور أمل المتواضع في الجنوب (في زبدين وأنصار والخرايب وقبريخا…) (شمران، 2018، الصفحات 377-387)، الّتي كانت مسرحًا لاعتداءاتٍ واشتباكات خطيرة مع عناصر من القوّات المشتركة بين العامين 1976 و1978.

#خلاصة

بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة، اشتدّت المنازعات والتّوتّرات والتّباينات بين أمل ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة. وإذا كان الإمام موسى الصّدر، الّذي رفض الانخراط في مواجهةٍ مع الفلسطينيّين، قد تمكّن من احتواء حماسة مناصريه واستيائهم؛ فإنّ إخفاءه في ليبيا في العام 1978 افتتح مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين أمل والفصائل الفلسطينيّة. فالتّوتّرات الكامنة، الّتي كانت تنزلق أحيانًا إلى اشتباكات خطيرة، تحوّلت بعد تغييب الإمام موسى الصّدر إلى صدامات حقيقيّة ومعارك ضارية، بالتّحديد بين العامين 1978 و1982 وإبّان حرب المخيّمات (1985-1988).

 

بقلم د. تريستان هيليون –لوني : طالب دكتوراه في التّاريخ في مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة في باريس (EHESS) يعدّ أطروحته بعنوان (Amal et les guerres du Liban (1975-1990), Histoires croisées) تحت إشراف Sabrina Mervin.

(نُشر في 29 آذار 2021 من دفاتر المعهد الفرنسي للشّرق الأدنى- L’Ifpo)

ترجمة د. يونس زلزلي : دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللبنانيّة وجامعة غرينوبل ألب الفرنسيّة.

Bibliographie

Ḍāhir, Ya‘qūb, Masīrat al-imām Mūsā al- Ṣadr yawmiyyāt wa waṯā’iq (Le parcours de l’Imam Mūsā al-Ṣadr, chronologie et documents), 12 tomes, Beyrouth, Dār Bilāl, 2000.

De Clerck, Dima et Malsagne, Stéphane, Le Liban en guerre (1975-1990), Paris, Belin, 2020.

Fondation Mūsā al-Ṣadr pour la recherche (Markaz al-Imām Mūsā al-Ṣadr li-l-Abḥāṯ wa al-Dirāsāt), Ta’sīsan li-muǧtama‘ muqāwim (Pour la création d’une société résistante), Kalimat sūwā’, Beyrouth, 2001.

Norton, Augustus Richard, Amal and the Shi’a: Struggle for the soul of Lebanon, Austin, University of Texas Press, 1987.

Šamrān, Mahdī, Les mémoires de Mustapha Chamran au Liban (Muḏakkirāt al-šahīd al-duktūr Muṣṭafā Šamrān fī Lubnān), Beyrouth, Dār al-maḥḥaǧa al-bayḍa, 2018.