Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

خمسة عصافير بحجر واحد: بقلم السيد صادق الموسوي

 

خمسة عصافير بحجر واحد
انشغلت وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية بأخبار وصول شحنات الوقود من الجمهورية الإسلامية في إيران إلى لبنان، وكثرت التحليلات السلبية والإيجابية من قبل السياسيين والإعلاميين، لكن هناك حقائق خافية لم يلتفت اليها الكثيرون وهي:
١ـ نجاح إيران في اختراق العقوبات الأمريكية وخاصة في مجال تصدير النفط ومشتقاتها.
ولقد حاول الكيان الصهيوني أن يجعل من نفسه شرطي المنطقة نيابة عن أمريكا، وتهديد الملاحة البحرية في بحر العرب والمحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وذلك عبر الإعتداء على سفن إيرانية.
لكن لما شعر الصهاينة أن اعتداءاتهم لن تمر من دون ردود أفعال، وأن هذا السيف هو ذو حدين، وأن السفن الصهيونية أو المتعاملة مع الكيان الغاصب هي أيضاً تواجه تهديدات في حال دخل الصهاينة في لعبة التهديد ضد السفن والناقلات الإيرانية.
ولقد دخل على خط التهديد الجدي للكيان الصهيوني جديد وهو إعلان أمين عام حرب الله أن أي تعرض أو اعتداء على السفن الإيرانية القادمة إلى لبنان هو اعتداء على لبنان، وهذا سيؤدي حتماً إلى رد فعل فوري وقوي من قبل المقاومة الإسلامية.
والإسرائيليون يعرفون الأخطار التي تهدد كيانهم في حال نشوب حرب مع المقاومة الإسلامية في لبنان في هذه الظروف، لذلك رأينا أن الوقود الإيراني وصل إلى لبنان دون أي عائق، وإن من خلال أرتال من الصهاريج عبر سوريا وذلك لتفادي الحرج الرسمي اللبناني، وأيضاً لإيصال حصة من تلك الحمولة للسوق السورية.
إن الولايات المتحدة قد تبين من قبل فشلها في التعرض للناقلة الإيرانية، ولم تحقق هدفها عام ٢٠١٩ رغم كل محاولاتها المباشرة وعبر السلطات البريطانية وسلطات مالطا، فحاولت إعطاء الوكالة للكيان الصهيوني، لكنها أيضا عجزت عن أداء تلك المهمة، فصارت البحار والمحيطات مفتوحة أمام إيران ولا يجرؤ أحد على التعرض لها بتاياً.
٢ـ لقد استطاع لبنان تجاوز العقوبات الأمريكية ضده والتي أدت إلى الأزمات المختلفة وأخطرها أزمة المازوت والبنزين الذي نتج عنها انقطاع الكهرباء وتوقف المولدات والأفران وتعطلت شبكات الهاتف الثابت والخليوي في بعض المناطق و ” تفرملت ” حركة الناس وصار الحصول على ليترات قليلة من البنزين يحتاج إلى ” واسطات ” على مستويات عالية أو اللجوء إلى السوق السوداء وبأسعار خيالية، لكن وصول شحنة المازوت في اليومين الماضيين وقرب وصول شحنة البنزين في الأيام القادمة سيفشل المؤامرة الأمريكية، وستتوفر المادتان الاساسيتان في عموم المناطق اللبنانية، وسيستفيد منهما جميع اللبنانيين ومن كافة الطوائف والتوجهات.
ويبقى أمام الذين يعلنون مواقف عدائية وبصورة يومية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران أن يبقوا في الظلام الدامس أو أن يقبلوا بأن تضيء منازلهم وتقلع مؤسساتهم وتسير دورة الحياة عندهم من خلال الإستفادة من المازوت الإيراني لتدور به مولدات الكهرباء، وأن تبقى سياراتهم مركونة في أماكنها دون حراك ويبقوا هم قابعين في بيوتهم أو أن يرضوا بملء خزانات سياراتهم من الوقود الإيراني ليتمكنوا من التحرك هنا وهناك، لأن لا وجود في السوق اللبنانية حالياً سوى الوقود الإيراني.
وعلى هؤلاء إذن وعلى الأقل السكوت فترة من الزمان، وإذا لم يعبروا عن شكرهم لإيران لأنها أنهت صفوف الذل أمام محطات الوقود في مختلف المناطق اللبنانية فيجب على الأقل الصيام عن الكلام لمدة حتى تصل الناقلات من دول أخرى وتتوقف الناقلات الإيرانية عن حمل الوقود إلى لبنان.
٣ـ إن حزب الله والمؤسسات التابعة له كانا في السابق يتلقيان المساعدات الإيرانية بصورة نقدية و ” بالشنطه ” على يد مبعوثين موثوقين أو عبر شحنات تبدو تجارية لكنها كانت غطاء لايصال المال اللازم إلى حزب الله، لأن تحويل الأموال بصورة رسمية متعذر منذ عقود وذلك بسبب العقوبات على الجمهورية الإسلامية، لكن نقل الوقود الإيراني المنتظم إلى لبنان، وتكفل حزب الله بتسويقه وبيعه سيؤمّن للحزب الاموال اللازمة، ولم يعد نقل الأموال على الطريقة القديمة ضرورياً.
ولقد جرّب الإيرانيون هذه الطريقة في السابق وأرسلوا حمولة نفط إلى لبنان ليتقاسم ثمنها حزب الله وحركة أمل، لكن رجل الأعمال الراحل جميل سعيد القريب من الرئيس نبيه بري اشترى الشحنة بكاملها ثم باعها في البحر لتجار من الكيان الصهيوني، وشاع في ذلك الوقت أن إيران باعت النفط لإسرائيل.
لكن الأمر مختلف كلياً هذه المرة حيث تتوجه الناقلات إلى ميناء بانياس السوري، ومن هناك وتحت الإشراف المباشر لحزب الله يتم نقل الحمولة إلى لبنان، وعملية التسويق والبيع يتم الإشراف عليها بكل دقة، وثمن المازوت والبنزين يذهب إلى القسم المالي لحزب الله بحسب الفواتير والوصولات، ويتم التدقيق فيهما من قبل أخصائيين في المحاسبة، وهناك أيضاً إشراف إيراني كي لا تكون هناك مزاريب لتهريب ثمن الوقود إلى جيوب النافذين في الحزب أو السماسرة والمتزلفين إليه وهم كثيرون مع الأسف، حيث فاحت الريحة النتنة مرات عديدة طوال السنوات الماضية لأشخاص مقربين من الحزب استغلوا ثقة الناس البسطاء وجمعوا عشرات الملايين من مدخرات الناس بحجة الإستثمار والمشاركة في الأرباح، لكنهم في لحظة معينه اختفوا عن الأنظار وذهبت أموال الفقراء هباء، ولم تنجح كل المحاولات وحتى زجّهم في السجن في إعادة أموال البائسين الذين وثقوا بأناس فسلموا ما جنوه بعرق جبينهم إليهم، لكن أولئك خانوا الأمانة وسرقوا الأموال وأعلنوا كذباً الإفلاس.
٤ـ إن الإدارة التي كانت تعوّل على أن الضغوط والعقوبات والتهديدات على لبنان ستحشر حزب الله في الزاوية، وستؤلّب الشعب اللبناني عموماً وقاعدة الحزب في الوسط الشيعي بالأخص على قيادة الحزب، لكن دخول إيران على الخط بهذه الطريقة، وإبداءها الإستعداد للقيام بهذه الخطوة، والإيعاز إلى السيد حسن نصر الله ليقوم بالإعلان عنها، أربك الأمريكيين وجعلهم يتخبطون في مواقفهم، ويتحركون بالسرعة القصوى للتنسيق مع الأردن ومصر وهما أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لإنقاذ ماء وجههم، وعطلوا مفعول قانون ” قيصر ” ضد سوريا الذي أصدره الكونغرس الأمريكي، وقبلوا بأن تكون لسوريا حصة في عملية جرّ الكهرباء والغاز من الأردن ومصر، وشجعوا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القريب من الأمريكيين على المساهمة في دعم لبنان والتبرع بمليون طن من الفيول للبنان، لكن المثل يقول: ” الشاطر هو اللي بيوصل أول “.
وهكذا كان حيث وصلت أرتال الصهاريج الحاملة للوقود الايراني على مرأى ومشهد من جميع اللبنانيين، في حين لا يزال حلفاء واشنطن يعقدون الإجتماع تلو الإجتماع ويتخذون القرارات ويُصدرون الأوامر، في وقت يعاني اللبنانيون ويتخبطون ولا يدرون كيف يمكنهم البقاء على قيد الحياة نتيجة فقدان الخبز والماء والكهرباء والغاز والمستلزمات الأولية للعيش.
٥ـ لقد استندت مختلف الطوائف اللبنانية إلى دعم دول خارجية مند قرون، حيث الطائفة المارونية تساندها فرنسا رغم أن نظامها علماني، وتقام سنوياً صلاة خاصة على نية فرنسا في الصرح البطريركي وبرئاسة البطريرك نفسه.
والطوائف البروتستانتية كان يدعمها القياصرة قبل تأسيس الإتحاد السوفياتي، واستمر السوفيات في الدعم والمساندة لها رغم أنهم كانوا معادين للدين من الأساس، وبعد انهيار الكيان الشيوعي استمرت روسيا بسياسة الدعم السابقة.
أما الطائفة الإسلامية السنية فهي لا تخفي علاقتها الوثيقة جداً مع المملكة العربية السعودية وتلقي الدعم والمساندة الكاملة منها، وعدد من قياداتها التاريخية والحديثة يحملون الجنسية السعودية إلى جانب الجنسية اللبنانية.
وبقيت الطائفة الشيعية منذ قرون وبعد زوال دولها في مناطق مختلفة من لبنان لا تجد ملاذاً تستند إليه حتى كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ورغم التوجه الإسلامي العام للجمهورية الإسلامية في إيران فإن الشيعة في لبنان على الخصوص أحسوا بأنهم وجدوا من يهتم بأمورهم ويساند مواقفهم، حتى وصل التلاحم مع إيران في مرحلة معينة إلى حد المطالبة بإقامة الجمهورية الإسلامية في لبنان تطبيقاً لفتوى الإمام الخميني الراحل: ” كل من يتبع الإسلام يجب أن يطالب بالجمهورية الإسلامية “، وكذلك إعلانه أن ” النظام اللبناني غير شرعي ومجرم “.
إن حصول هذا التغيير الكبير في موازين القوى لدى الطوائف اللبنانية قد ” خربط ” الحسابات بالكامل، ولم يعد الإنسان الشيعي مضطراً ليبحث في الأحزاب اليسارية والشيوعية والقومية والعلمانية عن بيئة مناسبة لتلبية طموحاته، وان ينخرط في تنظيمات لتقوم بتأمين رغباته، وأن يأوي إلى ملجأ يعينه على تمكين ذاته وتحقيق أمنياته.
والخلاصة أن كل المؤامرات التي حيكت ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وضد لبنان وضد المقاومة الإسلامية في لبنان وضد الشيعة في لبنان قد فشلت دفعة واحدة عبر وصول أرتال الصهاريج الحاملة للوقود من إيران، في وقت كان يُبشَّر اللبنانيون وبلسان قيادات دينية وزمنية بسنوات القحط والأيام السوداء، وكانت السفارات الأجنبية تعج باللبنانيين الذين يتوسلون للخروج من وطنهم إلى أي بلد يمكنهم فيه الحصول على لقمة العيش وأوليات ضرورات الحياة، لكن الله سبحانه قد حقق وعده للمومنين بقوله: ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي