Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

إيران ـ أمريكا، إلى نقطة الصفر : بقلم السيد صادق الموسوي

 

إيران ـ أمريكا، إلى نقطة الصفر
لقد قلنا مراراً أن الولايات المتحدة إذا تأخرت في تنفيد تعهد رئيسها جو بايدن العودة إلى الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران أثناء رئاسة الشيخ حسن روحاني وفي ظل وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريف فإنها ستكون الخاسرة حتماً، لأن انتهاز الفرصة هو ديدن الأذكياء، أما الأغبياء فإنهم يضيعون الفرصة تلو الفرصة ويدفعون ثمن ذلك مرات ومرات.
لقد قلنا مراراً. وفي مقالات متعددة نُشرت على مواقع إخبارية مختلفة وفي مقدمها مجلة ” الشراع ” اللبنانية أن الفرصة المتاحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لن تتكرر بسهولة في حال انتهت رئاسة الشيخ روحاني لأن منهج السيد إبراهيم رئيسي سيكون مختلفاً وفريق عمله سيكون جديداً في أمر التفاوض، وبالنتيجة ستكون المفاوضات مع فريق عمل الرئيس الإيراني الجديد صعبة هذه المرة لأسباب عديده منها أن هذا الفريق سيحاول الظهور بمظهر المتصلب أمام الجماعات التي أوصلته إلى السلطة والتي كان شغلها الشاغل صباح مساء مهاجمة المفاوضات النووية وتخوين الشيخ روحاني والدكتور ظريف والفريق المفاوض، ولم توقف هجماتهم العنيفة رغم مواقف آية الله خامنئي الداعمة لرئيس الجمهورية والدكتور ظريف شخصياً، وتأييده للفريق المفاوض، وإعلانه ثقته بجميع أعضائه، وأنه على اطلاع كامل بتفاصيل ما يدور في المفاوضات النووية، ولا بد إذن أن يبدو أداء هذا الفريق في التعامل مع موضوع المفاوضات مختلفاً عن السابقين أمام قاعدته التي تشربت العداء لمبدأ المفاوضات، كي يتمكن المعارضون بالأمس تبرير عودة فريق السيد رئيسي إلى عقد الإجتماعات في العاصمة النمساوية، لأن كثيرين ينتظرون السيد رئيسي ” على الكوع ” ليؤكدوا أن المعارضات لأداء الفريق السابق لم تكن بسبب الحرص على المصلحة الوطنية بل كانت لأجل المناكفات السياسية، وإن السيد رئيسي وفريقه وفي بداية عهده ليس قادراً على مواجهة أطراف متطرفة ساهمت في حملته الإنتخابية، وأعطت زخماً كبيراً لها، وساقت الكثيرين إلى صناديق الإقتراع على أساس أن للسيد رئسي منهجية مختلفة كلياً عن أسلوب سلفه، لكن إذا تبين لهؤلاء وفي بداية الطريق أن موضوع المفاوضات النووية ليست بيد ذاك الفريق الحكومي الذاهب وهذا الفريق الحكومي القادم، بل هو قرار النظام الذي على رأسه آية الله خامنئي، وهذا ما صرح به أحد أشد النواب موقفاً ضد المفاوضات في عهد الشيخ روحاني وهو كريمي قدوسي النائب عن مدينة مشهد حيث قال بكل صراحة: إن المفاوضات النووية هي سياسة القائد وقراره شخصياً، وإن الرؤساء لا دور أساسياً لهم في تحديد مسار المفاوضات، وعند ذلك ستكون الفرصة سانحة للفريق السابق ليقوم بتعرية العهد الجديد أمام الذين صدّقوا الدعايات المناهضة على كافة وسائل إعلام المتطرفين، والذين ساقوا أنواع التهم ضد الشيخ روحاني والدكتور ظريف طوال ٨ سنوات كاملة حتى وصل بعضهم إلى حد التخوين والمطالبة بالمحاكمة العلنية للشيخ حسن روحاني والدكتور محمد جواد ظريف؛ لذلك فإن الفريق الجديد سيتصلب في موقفه في المرحلة الأولى من المفاوضات عند استئنافها خلال شهر بحسب تأكيد مصادر في وزارة الخارجية الإيرانية، وسيحاول العودة إلى قراءة نتائج المفاوضات في الفترة الماضية والعمل على ” تعديل ” النصوص و ” تجميل ” بعض العبارات الواردة في بنودها كي يبدو ذلك وكأنها نتيجة جهود المفاوضين الجدد، ثم يسوّق الإعلام ذلك لإقناع الجماعات المؤيدة للعهد الجديد بأن ما ينتج عن الدور الآتي للمفاوضات مختلف كلياً عما كان سيصدر عن المفاوضات في عهد ظريف في حال نجحت المفاوضات قبل انتهاء عهد روحاني.
لذلك نجد أن المواقف الإيرانية والأمريكية عادت إلى المرحلة التي سبقت المفاوضات غير المباشرة التي عقدت في فيننا، حيث يقول الإيرانيون إن على الأمريكيين إلغاء العقوبات أولاً ثم تكون العودة إلى طاولة المفاوضات، والأمريكيون يقولون إن على الايرانيين الإلتزام بتعهداتهم النووية أولاً ثم يأتي إلغاء العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، وبين ” البيضة قبل أو الدجاجة قبل ” والإيراني ينتظر الأمريكي ليخطو الخطوة الأولى، والأمريكي يقول إن على الإيراني أن يثبت التزامه ببنود الإتفاق أولاً ثم يأتي رفع العقوبات من جانب الإدارة الأمريكية، وهذا الجدال قد استمر شهوراً قبل أن تبدأ المفاوضات التي عقدت في فيننا، وها هو اليوم يتجدد الجدال نفسه بين الطرفين وقد يطول أسابيع ولعل شهوراً أيضاً قبل أن يجدوا مخرجاً يحفظ ماء وجه الطرفين أمام الراي العام في ايران والولايات المتحدة.
إن الموقف الصريح للسيد إبراهيم رئيسي هو القبول بمبدأ المفاوضات، لكنه يقول بضرورة التأكد من حصول الجمهورية الإسلامية على مطالبها المحقة، وهي لا تقبل أن يكون الإتفاق النووي لعبة بيد هذا الرئيس وذاك، كما حدث في السابق، حيث كان الرئيس أوباما وراء الإتفاق، ثم جاء ترامب وخرج من الإتفاقية، ثم تلاه بايدن الذي يقول بضرورة العودة إلى الإتفاق، لذلك يقول الإيرانيون أنه لا بد من ” تبكيل ” الإتفاقية الجديدة حتى لا يتمكن الرئيس الأمريكي الحالي أو القادم من الخروج منه إذا تعكر مزاجه بسبب برودة الطقس أو ارتفاع الحرارة، أو إذا لم يناسبه رؤية هواء طهران المتنوع بل سحره منظر الصحراء ومشهد الربع الخالي ورماله الناعمة المتحركة، فالإتفاقيات تكون بين الدول ككيانات وليس بين أشخاص يتبوّؤون لفترة منصب الرئاسة ثم يعودون إلى منازلهم.
ففي الجانب الإيراني لو أنجزت الإدارة الأمريكية الإتفاق مع فريق الشيخ روحاني لالتزمت به حكومة السيد رئيسي حتماً، كذلك لما تُبرم حكومة أمريكية إتفاقاً مع دولة أخرى فيجب على الحكومات المتعاقبة في الطرفين الإلتزام بتلك الإتفاقية، وفي غير هذه الحالة لا تبقى أية إتفاقية محترمة، ويبقى النظام العالمي مزعزعاً لا ثقة بين دوله ولا أمان يسود بين الشعوب.
إن التجربة التي مرّ فيها الإيرانيون مع الإدارة الأمريكية في العقود الأربعة الماضية يجب أن تكون عبرة لجميع دول المنطقة ليعرفوا أن قسماً كبيراً من القرارات الأمريكية تنطلق من أمزجة الرؤساء أو تتأثر بأمزجتهم على الأقل، وإن انتهاء عهد رئيس ومجيء غيره بمزاج مختلف سيجعل الخلف قرارات السلف في سلة المهملات، ويدعو الرئيس الجديد زعماء جميع دول العالم بأن ” يعيّروا ” ساعاتهم على أساس ساعة الرئيس الحالي، وهذا الجديد لا يجد ضرورة للإلتزام بالعهود والعقود السابقة باسم الولايات المتحدة الأمريكية مع أية دولة ومع أي زعيم وقائد ورئيس، ولا يجد حرجاً في نقض العقود ونكث العهود، في حين أن الله سبحانه يؤكد في كتابه المجيد على وجوب التقيد بما يتفق عليه المسلم مع أي شخص آخر سواء كان مسلماً أو غير مسلم إذ يقول: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )، بل إن الله جلّ وعلا جعل نفسه ملتزماً بالوفاء بالعهد في حال التزم المسلمون بعهودهم له وذلك في قوله: ( وأوفوا بعهد أُوفِ بعهدكم )، وأكد أيضاً على الأهمية الكبيرة للوفاء بالعهود إذ أن الله عزّ وجلّ يسائل الناس عنه يوم القيامة وذلك في قوله: ( إن العهد كان مسؤولاً ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي